الفصل الحادي عشر
رحلة جميلة ومبهجة... أُناس طيبون... بقلوب بيضاء وسرائر نظيفة... .أكرموها أهل البلد جميعهم أحضرو لها الطعام الجاهز كتحيب بها قائلين بإمتنان
-كله من خير البشمهندس ..
بالله كم شئ ستكتشفه عن علي... لكن الصدمة الأخرى كانت بالطريق والأكتشاف المذهل ..
أغلق هاتفه وساقه تهتز بتوتر فبادرت بالسؤال قائلة
-مالك ياعلي ..؟
أغمض عينيه وأخذ نفساً عميق يقول بتوتر
-مناقشة الماجستير ..قلقاني ..
فغرت فمها ،بينما عيونها رمشت تستوعب... رددت بدهشة لونت ملامحها
-ماجستير ..؟!
أجابها بلا مبالاة وفهو أكيد من انها تظنه ربما جاهل... بمستوى تعليم منخفض ..
-ايوه يا يمنى بعد يومين...
همست ببلاهه
-فكرتك دبلوم زراعه... وبيقولولك بشمهندس من باب التعليه
نصف ابتسامه لونت ثغره الملتوي بسخرية ليقول بإستهجان
-عادي...الأغلبيه فاكرين الصعيدي ده متخلف ..
قاطعته برفض متمهل
-مقصدش... بس مظنتش أنك مهندس بالفعل
تسأل بحدة طفيفة وتحيز
-ليه بقا ..أقل منكم ..
هتفت تسترضية وتمتص غضبه
-مش كده ..بس دا الي أعرفه
هز رأسه وسخريتة تشتعل بأعماق كلماته
-قصدك الي سمعته... أحنا فنظر الأغلبيه بيئة جاهلين... مشكلتكم انكم بترددو الي سمعتوه بدون ما تشوفو وتفهمو ....واتقسمنا بسبب غباء واعلام فاسد وناس جاهلة ..لأحنا وانتو ..بالرغم من أننا واحد والفرق ده انتو الي صنعتوه ..
ابتسمت بإقناع ومازال علي يبهرها بحديثة .أومأت بتغيب
-فعلاً ياعلي معاك حق... عامة مبرووك.. بإذن الله تاخدها بإمتياز ..توقفت يمنى ثم تسائلت بحيرة
-موضوع رسالتك ايه ..؟
علي وهو يرفع حاجبه وينظر أمامه بفخر
-كيفية زراعة الأفيون.. بالأرض الجبليه ..
توسعت عيناها بعدم تصديق... لتنطلق ضحكاتها مدوية في القطار وهي تكرر
-أنت حكاية ياعلي... أنت مش ممكن...
أقترب ينظر لعينيها مباشرةً حتى توترت ووقفت ضحكاتها ..وتلونت بخجل شهي ..يغوص بنظراته وهو يهمس بدفء ارسل قشعريرة لجسدها
-لا ممكن.. أنا صعيدي يا قاهرية... ..
داخلها يهتف بدوي ..وقلب يرفرف ومعدة تطير فيها الفراشات
-أجمل وارجل صعيدي ياعلي... ودت لو نطقتها صراحة لكنها مُكبلة بالخجل والحياء واحترامها لذاتها ..
*****
ارتدى حلته الرسمية... اراد أن يطلب منها أن تحضر معه المناقشة لكنه استحى وشعر بالحرج الشديد ..فيما كانت هي تتمنى أن يطلب...
عقله يتضرع وقلبه يتمنى... لكن الخيبة هي السيد...هتف وهو يُعدل من سترته
-أيه رأيك يا أم وليد... ولا أحمد عز فزمانهضحكت وهي تسترق السمع لحديثة
مرددة بإعجاب وعشق يتغلغل داخلها
-بل أحلى من أحلى راجل فالدنيا ياعلي
..أوصت الداده أن تخبره برحيلها للعمل متعمده... ما يحدث لها بحضرته يُخيفها... مشاعرها تتطور بدرجة جنونية ..تظن أن قلبها يوماً سيتوقف من شدة ضرباته حين تراه وتستمع لكلماته ...خائفة أن يكون ذلك العشق من طرفها فتعاني الويلات وتتجرع كأس المهانة والخيبة
لذلك ستبتعد وتتجنبه ..ستوأد وليد الحب بداخلها ..لأجل غير مسمى
أخبرته الداده انها غادرت للعمل فتلبسه مارد الحزن... رفض تناول إفطاره... فنفسه مُضربة ووحدته في ذلك اليوم تقتله...
صعد السيارة وغادر يحمل خيبته بين أضلعه ..حتى تركيزه فقده...
دخل المناقشة بوجل... لكن سرعان من علت همته ملامحه ..لن يتراجع عن حلم وأمنية والدته قطعة قلبه الراحله... سيكمل وليعينه الله
---------- ..
تزرع حجرتها ذهاباً وأياباً .....تنتظر كمن على جمرات يقف... تتخيله وتسرح بأفكارها.
بينما كان هو وحيد أنفاسه تناجيها الحضور ودقاته تقفز وتغدو متوسلة لها أن تأتي...
كيف يبدو ..؟! هكذا تسألت لكن فاجئها لسانها بجواب ارسته تلك الدقات المشتاقة
-اكيد مُبهر كعادته ..
رنه أخرى من طارق بالاضافة لرسائل كثيرة من أرقام متعدده يحاول التواصل والأعتذار لكنها ناقمة عليه وباغضة له... سُتغير شريحة الهاتف فما عادت تتحمل...
عينيها لن ترى سوى فارسها الصعيدي بعد الآن ..
أغلقت الهاتف والقته جانباً ..ثم ركضت لخزانتها عازمة ومُقررة أنها ستشاركة تلك اللحظات ولن تُفّوتها مهما يكن... ستكون جانبه وإن لم يهمه والأهم ستراه وتختزن صورته في صندوق بعقلها صنعه ذلك الصعيدي بروعته ..صندوق لا يحوي سوى علي ..علي ..علي... ليُعينها أن غاب عنها أو عاد من حيث آتى على فراقة
ارتدت أجمل ثيابها والتي حرصت أن تكون مُحتشمة كما يحب...
بفرحة سألت عن المكان حتى وصلت ..حمدت الله فالمناقشة لم تبدأ بعد... جلست بعيداً . .لمحها علي فأنهى حواره بسرعة ليذهب إليها لكن مر الوقت وستبدأ المناقشة... لم يمتلك إلا أن يُرسل إليها نظرة طويلة فبادلتة بأخرى يحفها الخجل ..
بعد المناقشة حصل على ماجستير بإمتياز مع مرتبة الشرف مع والوصاية وطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات...
القى علي كلمته وترحم على والدته مهديها نجاحه وتفوقه... انتهى... وغادر الجميع ..ذهبت ناحيته.
ووقفت مقابله تبتسم بسعادة وشفتيها تهمسان بمباركة
-مبروووك ياعلي ..
سيطر على جموح مشاعره الذي لايعلم إلى اين سيودي به... وبادلها همسها بأخر ممتن
-مبسوط أنك حضرتي ..
لتهمس بنبرة مست شغاف قلبه ،من صدقها
-مش أكتر مني... وبصراحة كنت حابة أكون معاك...
اخفت عينيها خجلاً ،نبضاتها تتسارع بجنون حدالهلاك... هي جريئة ،قوية ،صلبة ..لكن معه... تبدلت كل قواعدها ..لتصبح يمنى أُخرى... مُحبة ..خجوله... بنكهة العشق ..
التغير هذا يروقه... عاشق هو لهذا الخجل حديث العهد... تُرى ماسببه ..؟... وهل ما يظنه صحيح أم هو درب من الخيال ..ووهم عاشق.....
ركل كل ما يجول بخاطره بعيداً وهتف مُغيراً الحديث
-تعالي بقا أعزمك بمناسبة الماجستير ..
هتفت بحماس وعيونها تلمع
-لا خليها عليا دي يا بشمهندس...
همسه اربكها وكأنها بحاجه منه لذلك يكفيها تلك المشاعر التي تحتلها كطوفان يغرق كيانها
-حلوة بشمهندس منك يا قاهرية ..
أدارت رأسها تلتقط أنفاسها ،أزاحت خصلاتها خلف أذنها... ظناً منها أن ذلك سيبتلع توترها ..لكن هيهات فنظراته تلك وإن كانت مُغتلسة وقليلة لكنها تفعل بها الاعاجيب...
هتف وهو يسير خطوتين
-روحي البيت يا يمنى وأنا قدامي شوية حاجات هعملها وارجع...
ابتلعه الزحام... لتتنهد بعدها يمنى وتغادر عازمة على إقامة حفل ضخم بتلك المناسبة السعيدة ولتكن مفاجآة له...
*****
في طريق عودتها ذهبت لمحلات بيع الحلويات واتفقت معهم على عدة أصناف بجانب كعكة كبيرة أخبرتهم بالكلمات التي سيكتبونها فوقها... .
زينة بلونات... وكل شئ ..ستعده بنفسها وستزين المكان وحدها يعينها قلبها المُحب الفخور... .
عند وصولها للمنزل ابدلت ملابسها على عُجاله وبدأت في تزيين المكان كطفلة صغيرة ..تستمتع بذلك... اندهشت الدادة مما تفعل يمنى وتبدل حالها... ومشاركتها للعمال الابتسامات والحديث ..الذي كان قديماً من المستحيلات...
وصلت الحلويات والطعام... لتنسحب يمنى لتستعد... فعلي تأخر كثيراً ..لكنها شاكرة ذلك التأخير الذي أعطاها الفرصة لتُجهز كل شئ...
ارتدت أجمل ثيابها... .وهبطت تتمم على التجهيزات اتصلت موظفي الشركة ليكون احتفال بسيط يسعد علي ..وأثناء وقوفها أمام الكعكة جائها صوت أثار في نفسها النفور
-يمنى...
تأففت بضيق ..لم تتصور أن يأتي إلى هنا مُطارداً ،ظنت أنها تخلصت منه... لكن للأسف يبدو سيظل مُعلقاً في ذاكرتها .استدارت قائلة بضيق
-نعم.. ايه جابك هنا... ؟
هتف طارق وهو يقترب منها مما جعلها تتوتر وتصرخ برفض
-خليك مكانك متقربش ..
زفر طارق متوسلاً
-يمنى لو سمحتي ..أنا عارف أني غلطت ..ومن يومها وأنا بحاول اكلمك واعتذرلك مبترديش ..
صرخت قائلة بإزدراء
-ولا هرد ولا عايزه اشوفك ..اعتذارك مرفوض .
همس طارق بخفوت وخزي
-يمنى...
استوقفته بغضب وعيون يتطاير منها الشرر
-بره... اياك تنطق اسمي ..
طارق وهو يقترب ضارباً برفضها عرض الحائط
-اسمعيني بس...
ابتعدت قائلة بحزم أغاظة وأخرجه عن زيفه
-مش هسمع ومش عايزه أشوفك علشان لو حصل ردي مش هيعجبك... ودلوقت أتفضل معنديش وقت أضيعه مع أمثالك
لمح الاهداء المكتوب على الكعكة بطرف عينيه فأشتعل غيظه وتحول صمته لجنون ونار ارادها تحرق الجميع ..هتف بسخرية
-واضح مش فاضيه ..
بنفاذ صبر تلفظت اسمه ببغض
-طارق...
وهو يميل برأسه لمح علي يتقدم ناحيه الباب ..
فحول انظاره ليمنى مقرراً الانتقام من كليهما
-كويس يايمنى ....مكنتش فاكرك شاطرة كده... دا انا صدقت يا بنتي...
ملأ الأستنكار ملامحها واستدارت متسائلة
-أنت بتقول ايه ..؟
اقترب منها أكثر وهتف بصوت عالي نسبياً متعمدا
-اكيد كل ده تبع الخطه الي رسمناها... بجد متصورتش تنجحي فيها... .برافووو ..دا أنا صدقتك يا بنتي...
مازالت تشعر بالذهول والاستنكار فكادت تتحدث لكنه استوقفها مسترسلاً
-بجد يا يمنى كده هنتخلص من الفلاح بسهولة... هو فاكر أنك بتهتمي بيه بجد وأنك خلاص وافقتي يكون فحياتك ميعرفش أن كل ده خطة... حتى سفرك كان مترتبله ..
كادت ترد بعنف لكن نظرتها للواقف بصمت وصلابه... جعلت شهقتها تنفلت منها...
همست بصوت مبحوح
-علي... .
اهداها ابتسامة حبس بها غضبه... وسيطر بها على حزنه قائلا
-برافوووو... .يا يمنىً
...
بدات تحملق فيهما غير مستوعبة ما يحدث ...نظرات علي المتألمة المناقضة لملامحه الهادئة التي يظهرها ...ونظرات طارق المتشفية الممتلئة بغل يلسع كالنيران ...
افاقت على صوتها يخرج عفوي وعيون تتوسع شرا....
-اطلع بره ياطارق ...
ابتسامته السمجة كانت أجابه كافية لتقترب منه يمنى وتدفعه للخراج بعنف
-بره ...
لكن ابتسامة علي الساخرة وانساحبه دون كلمة تذكر...
أثار جنونها فدفعت طارق وركضت مهرولة ناحية علي
-علي ..استنى ...هفهمك
يخطو دون اكتراث لها ولحديثها ..فاعترضت طريقة قائلة بتوسل
-اسمعني ياعلي ..
نظر لها بقوة وكلماته تخرج عميقة كألم خداعه
-سمعت كتير ...
تشبثت بذراعه قائلة
-لازم تسمعني ياعلي ...مينفعش المره دي
نظر لعينيها بقوة طرفت منها وسألها بخفوت وانفاس تئن
-سؤال واحد بس يا بنت عمي الي قاله طارق صحيح .؟
لفحها صمت طويل وارتباك وحينما يأس دفع بكلماته تضرب وتنحر
-خلاص ..وصلتني الأجابه
تحرك فهتفت بإعتراض
-لا مش صح ..ايوة اتفقت بس منفذتش . .مقدرتش
دخل حجرته لملم ملابسة بعجاله ،اعترضته واعادتها للخزانه الفارغة ...
ليباغتها بهتاف ساخر موجع
-كنت عارف وجودي هنا مش هيطول علشان كده هدومي مطلعتش بره شنطتي ..
دفعت حديثة جانبا قائلة بقوة
-مش هتمشي ده مكانك ...
همس بحشرجة ألم خيم على صدره
-أنا عمري ما كان ليا مكان ...
بنفس الهمس المختلط بدموعها
-لا ليك ....هنا يا علي ..
جذب حقيبته قائلا
-اشبعي بيه ...
جذبتها منه مره أخرى قائلة بتأكيد
-اسمعني ..أنا آسفه ...بجد ندمت ...
ترك حقيبته وغادر بأنفاس ملتهبة وكلمات لاذعة
-متأخر يايمنى ...
ركضت تجاري خطواته تتوسلة بدموع
-علشان خاطري ياعلي ..
ليفاجئها بقوله
-خاطرك غالي يابنت عمي..بس كرامتي أغلى
همست وقدتصلب جسدها ووقفت خلفه
-حتى لو قولتلك اني بحبك ...
توقفت ساقيه عن السير ..اغمض عينيه وتنهيدة قوية خرجت مكتومة محاطه بالحذر .ليشحذ عزيمته ويغادر هاتفا بسخرية
-ده تبع الخطة ؟
انهارت أرضا قائلة من بين بكائها الحاد
-والله بجد يا علي متسبنيش ..
صم أذنيه عنها ولم يدير لها ظهره وخرج والألم ينخر عظامة ...
جاء طارق ووقف خلفها قائلا ببرود
-واخيرا خلصنا من البشمهندس .
نهضت بقوة وحش كاسر وعنفته قائلة بحدة
-اخرس ...كله منك أنت ...دمرت حياتي ..
بدهشة وعيون متسعه تسائل
-انا يا يمنى ..دا أنا المفروض كنت هكون خطيبك
اجابته بقوة وعيونها تحتقره
-والحمدلله محصلش ...طارق أنت ولا حاجه شخص مستهتر مغرور ...معندكش هدف ...ولو عندك هيبقا الفلوس ...
بذهول تلونت بها ملامحه
-بقا كده يا يمنى وسي علي بتاعك بقا هو الي عنده هدف
اجابته وهي ترفض بغضب حديثة
-اششش...بلاش تتكلم عن علي ...علي الي بتقول عليه فلاح طلع أحسن مني ومنك . ...عارف بنحتفل ليه لانه اخد ماجستير وهيحضر للدكتوراه ..وانت خدت السنه بسنتين ..تقدر تقولي أنت بتعمل ايه فحياتك ..؟
صمت ..لتجيبة بقوة
-ولا حاجه مصدر هم لوالدك ودلوع ماما ...مش هقولك علي بيعمل ايه ..يكفي اقولك
بيرسم البهجه على وش كل واحد يقابلة ...
امشي ياطارق ومش عايزة اشوفك تاني نهائي
همس وعيونه تمشط ملامحها الحزينة ودموعها المترافقة لنطقها اسمه
-للدرجادي... حبيتيه ...؟
اجابته وهي تستدير توليه ظهرها وقد شعرت بوخز في صدرها
-مش هتفهمني لو قولتلك ..بس هقولك بالي تفهمه ...مستعدة اتنازل عن كل ما املك علشانه بس يرجع
شهق طارق وما زال الذهول يرسم خطوطة
-معقول ...
لتفاجئة بهمس طير عقله وحيره
-واكتر ....علي راجل بجد ...بمعنى الكلمة ..
تركت كلماتها معلقة في الهواء تصدع بأذن طارق الذي غادر يجر أذيال الخيبة خلفه ينكس رأسه بحيرة امتزجت بحزن وألم .
******
بعد مرور يومان ...
جلس بالشرفة يطالع الماره ..عقله شارد وأفكاره مبعثرة ...قطع عليه خلوته صوت منبعث من اكواب الشاي التي اعدها ياسين ....فالمعلقة تخوض حرب مع الكوب ...
تأفف علي قائلا بإمتعاض
-ماتهدى يا عم ...بتعذبها ..؟
وضع ياسين الصينية بقليل من العنف قائلا
-بفوقك ...
زفر علي بحزن وهو يتناول كوب الشاي خاصته ليباغته ياسين بسؤاله
-ناوي على ايه ....؟
السؤال لم يزده الا حيرة ..مما دفع ياسين ليقول بمكر وهو يركز بشدة على ردود انفعالات على
-أنا بقول تسامح وتعدي ...وارجع
هتف علي وعيونه تلتقي بعيون ياسين التي تحتلها نظرة غامضة
-ليه ...؟
اجابه ياسين بفطنة قليلا ما يملكها
-أجابة السؤال عندك أنت يا ويكا ...
بدون مراوغة واستسلام همس على وهو يشرد بنظراته بعيدا
-خلاص ..انتهينا أنا اتحملت كتير
وقف ياسين قائلا
-ليه متكونش بدايه مش نهاية ..؟....
هز علي راسة قائلا لياسين
-متلفش وتدور يا ياسين ...
وضع ياسين كوبه قائلا برزانة غير معهودة به
-أنت بتحبها يا علي ...
لم تظهر ملامح علي الصدمة ولم يشعر بإرتباك لطالما كان صريحا مع نفسه والغير
-ولنفرض ..بس كرامتي أغلى ...وهي كسرتني
ليأتيه رد ياسين صلبا
-بس حست بغلطتها واعترفت ...ومتلفش وتدور عليا يا علي أنت أذكى من كدة ...لو دورت فعقلك هتلاقي يمنى منفذتش لان ببساطة مبادرتش بشىء ..
جاء رد علي مناقض ،يلتمس توضيحاً يعرفة
-ما ممكن الي فات وانها سافرت معايا كان كدب .
استند ياسين على السور قائلا
-مفتكرش يا علي ...كنت حسيت ...القلب الي بيحب بصدق بيحس امتى تكون المشاعر حقيقية وامتى تكون مزيفة ..
نظر له علي قائلا بإعجاب
-عقلت يا ياسين ...لا بجد ابهرتني ...
شمخ ياسين بذقنه ساخرًا
-مشكلتكم أنكم مش واثقين فيا ...قولي بقا ناوي على ايه ؟
علي بحيرة تجتاحه
-سيبني افكر
نفخ ياسين بغيظ ساخطًا
-ياخوفي من دماغك ياصعيدي ..
*******
جلست منكمشة على نفسها ....بدت شاحبة هزيلة ...مصمصت الدادة قائلة بإشفاق ..
-قومي يا بنتي ..
اومأت يمنى بصمت ونهضت بحماس ضعيف
-تغسل وجهها ...
رنين هاتفها جعلها تنتفض وتهرول للخارج ظناً منها انه استجاب لرسائلها واتصالاتها المتكررة لكنها زفرت بإحباط حين طالعت الشاشة المضيئة باسم أونكل مراد
ردت بوجه خالي من الملامح
-الووو
-ًايوة يا يمنى أنا جايلك حالا
كتمت زفرة داخلها فهي ليست بحاله جيدة لاي حديث عن العمل..
ابدلت ملابسها وهبطت للاسفل تنتظر مراد الذي لا تعلم سبب مجيئه وكأنها لم تترك العمل اسبوعاً هي وعلي
استقبلته بروح خاوية فيما تأمل هو ضعفها بقلق امتزج بحزنه ليكن هو المبادر
-ايه يا بنتي في أيه ..اسبوع متجيش الشركة؟ وتليفونك مبترديش عليه قلقتيني .
وكأنه اعطى لها الاذن بالبكاء الحار
استعر القلق بداخله وسألها بقلق اشاب نبرته القوية
-في ايه يابنتي قلقتيني ...؟
قصت عليه يمنى ما حدث منذ البداية ...لتختتم كلامها قائلة
-والله ما كان قصدي ..
واساها مراد معاتبًا
-معلش يابنتي ...بس أنتي بردو غلطتي ..علي ميستأهلش كل ده ...
همس مراد بأسف حقيقي
-لو تعرفي فعلا مكنتيش عملتي كل ده من الأساس ...
مسحت دموعها وقد انتبهت لكلامة مستفهمة
-تقصد ايه يا اونكل ..؟
هز مراد رأسه وكأنه يجاهد رفضا ليفجر اخيراً القنبلة قائلا لهدوء
-علي حلفني مقولش بس مضطر ..
ترقبت وعيونها تستحثة ولسانها يسارع بالقول
-على ايه ...مش فاهمة ممكن حضرتك توضح .مراد وهو ينظر لها بأسف
-علي ميملكش حاجه ففلوسك
بهتت ملامحها ثم عقدت حاجبيها مستفهمة
-ازاي والورث ..؟
ابتسم مراد قائلا وعيون تلمع بإعجاب لذاك العلي
-علي كتبلك كل حاجه باسمك من أول يوم دخل فيه الشركة
خرجت شهقتها مدوية تتلفح بالذهول ...الغضب ...الحزن ..
فلاش باك
امسك علي بالأوراق وقبل أن يضع امضته متنازلاً عن حقوقه هتف مر اد
-يا ابني فكر كويس ...دا رزق
ليجيبه علي بحسم
-مش عايزها خليها لاصحبها ...أنا مبستطعمش غير الي من تعبي
مراد بإعتراض واضح
-ده شرع ربنا يا ابني ...
علي وقد امسك بالقلم وكله ارادة
-اهو وصلني وأنا اتنازلت عنه للي تعب ...ده مش حقي ...
وبعدها وضع علي امضته تحت نظرات مراد الغامضه وتمتمته الغريبة
-لله الأمر ..
ثم هتف علي برجاء
-?ليا طلب عند حضرتك
مراد وهو يتناول الأوراق
-اتفضل يا ابني ..
علي بإبتسامة راضية
-يمنى متعرفش والورق ميظهرش ...
مراد وقد تعمقت عقدة جبينه
-لامتى ..؟
على بنفس الابتسامة والصلابة
-لوقتها ...لغاية ما تنتهي المهمة الي كان الورث سبب علشانها مش أكتر
زادت حيرة مراد لكن علي اخرجه منها قائلا
-متحيرش نفسك ..هتفهم كل حاجه فوقتها
لينتهي الفلاش بصوت مراد يخبر يمنى
-دلوقت فهمت ...علي كان بيعمل منك يمنى تانيه ..تحس بالناس وتبطل غرور ...وتحب نفسها ....بطريقة علي الراوي ...علي فضل علشان يسندك فأشد حالات ضعفك مش زي ما فكرتي يا يمنى ...وعلي كان راجل وففى بوعده لنفسه .
انفجرت يمنى في نوبة بكاء حادة وكلماتها المتقطعة تقطر ألما
-مش عارفه أعمل أيه ...؟..ياريتك ما قولتلي ...
نهض مراد قائلا بحزم
-كان لازم أقولك ...علشان تحددي عايزة ايه ..؟وتدوري على علي بجد مش تكتفي بعياط وندب وندم ...
******
جلست حول طاولة الطعام بعد إلحاح شديد من الدادة ...تتناول الطعام بعدم شهية رغماً عنها ورغبة في إرضاء الدادة ...
وكأنها كانت تحتاج الماً فوق الألم ...صوت صخب جعلها تتسأل
-?مين بره ...
نهت الدادة تستكشف المكان بالخارج ليكن رجب أسرع منها
-?ازيك ياست يمنى
توسعت ابتسامتها ورفرف خافقها ...رجل رائحة علي الغائبة نهضت ترحب به بسعادة
-ازيك يا رجب
اخفض رجب رأسه قائلا بود صادق
-ازيك أنتي ياست يمنى .
اقتربت يمنى من رباب واحتضنتها مرحبة بحفاوة شديدة
-نورتي يا رباب بجد وحشتيني ..
هتفت رباب ببشاشة
-تسلمي يا يمنى ...وأنت كمان وحشتيني قوي والله
أشارت لهم يمنى ناحية الصالون
-اتفضلو اتفضلو
جلسو وطلبت يمنى من الدادة أن تصنع لهم مشروباً وبعدها تحضر لهم الطعام وتأمر الخادمات بتجهيز غرفة لرجب وزوجته
-ضرب رجب على صدره بإمتنان
-متشكر قوي ياست يمنى ..ملوش لزوم أحنا بس جينا نسلم عليكي وبعدهاهنروح المستشفى
ارتجف قلب يمنى قلقاً لتهتف بلهفة مترقبة
-ليه خير ..علي كويس
نظر رجب لرباب بشك وتسائل بجدية
-البشمهندس بخير اكيد .،هو مش هنا ..؟
هزت يمنى رأسها بخيبة رسمت القلق على ملامح رجب ورباب ..لتسألهم يمنى بفضول
-رايحين المستشفى ليه ....؟اجابها رجب ببعض الخجل
-اصل أنا ربنا يعافيكي عندي المرارة والمفروض هعمل العملية هنا ...والبشمهندس متابع معايا ...ومتفق مع المستشفى وكده .
هو يوم العذاب العالمي وكشف الحقائق وكأنهم يضربونها بسياط الحقيقة حتى يدمو قلبها ...
اذاً علي كان يحرم رجب من الطعام خوفا عليه ...مسحت جبهتها بحزن وقد لاحظت رباب ارتعاشتها ونظراتها الزائغة فهمست ببقلق
-يمنى أنت بخير ...
اهدتهم يمنى ابتسامة ودودة لم تصل لعينيها واستأذنت قائلة
-هسيبكم ترتاحو وبعدين نتكلم ..
همس رجب وعيونه تُشيع أخر ظهور ليمنى أمامه
-?أنا مش فاهم حاجه ...وفين البشمهندس
هزت رباب رأسها مُردفة بحزن
-قلبي مش مطمن يا رجب ويمنى شكلها تعبان ولهفتها فالسؤال على علي بتقول انه غايب عنها ....ربنا يستر
رجب بصدق
-يارب ....
********
في اليوم التالي قررا رباب ورجب المغادرة للمشفى ..فالاجواء محملة بحزن وتوتر لم يفهماه وصمت وتشتت من يمنى ...كما أن علي هاتفهم وأمرهم بالحضور وعدم إعلام يمنى بذلك ..وافقو مرغمين ...
اصرت يمنى على الذهاب معهم فلم يجد رجب بد من الموافقة ...
اوصلتهم للمشفى وحينما رأها علي الذي ينتظرهم اختبيء على الفور خلف احدى الأعمده ...
ألمته رؤيتها بتلك الحاله يبدو عليها التعب والارهاق جليا ..ومابين الحين والأخر تمسك بجبهتا وكأنها تعاني من ألم ...خطواتها مهتزة كأنها تعاني دواراً ...أشفق على حالها وحاله لكنه مرغم فلاسلطان لقلبه على عقلة وكرامتة تاج لن ينزعة أو يتخلى عنه ...
تابعت يمنى الفحص مع رجب ورباب وساندتهم حتى تم تحديد موعد العملية وتم حجز رجب في حجرة ..
كانت تنتظرة ،تترقب مجيئة تعلم أنه لن يتركهم ...وكلام رجب وسؤاله عنه يؤكد أنه مازال هنا يتنفس معها من نفس الهواء ...لم يسافر ولم يتركها ...اذاً هناك أمل لتصحيح الأوضاع بينهم .
هاجمها الضعف والتعب بشراسة فاضطرت للانسحاب وغادرت ...
ليتابعها هو حتى صعدت سيارتها وبعدها غادر بحثاً عن حجرة رجب ..طرق فأذنت له رباب
تهللت اسارير رجب
-بشمهندس علي ...
سحب علي الكرسي وجلس قائلا
-ازيك يا رباب ..ثم ربت على ركبة رجب قائلا
-ازيك يا رجب ...
هتفا في نفس واحد
-الحمدلله ...
باغتته رباب بمكر
-لو قدمت شوية كنت حصلت يمنى لسه ماشية وبتسأل عليك ..
قاطعها رجب متسائلا
-أنت مش هناك ليه ..أنت سكنت فمكان تاني ..؟
أعاد علي الربت على ركبة رجب قائلا محاولاً تغيير الحديث
-اه ...المهم طمني أيه الأخبار ..؟
نظر كلا من رباب ورجب لبعضهما بتوجس ودهشة فهمها علي وفطن لها ...فنهض قائلا قبل أن يحاولا اخراج الكلمات منه بفضول لعين يتمتع به كليهما
-هروح اشوف الدكتور وارجعلكم ..
خرج بسرعة ..بينما نظر رجب لرباب يسأل
-في ايه ..؟
رباب بحيرة اكبر وهي تنظر للباب الذي خرج منه علي للتو
-مش عارفه ..
*******