الفصل العاشر

5.2K 220 20
                                    

الفصل العاشر ❤ ❤
=سعادة
كان بإمكانهم السفر بالسيارة لكن علي أصر أن يكون عبر القطار ،ربما أرادها أن تندمج مع الناس ترى مالم تراه من قبل... ..تستمتع بأحاديث الناس وعفويتهم...تشاهد العالم من خلف نظارتها ..تشاهد العالم الخارجي على حقيقته من خلف الستار
ركبو القطار تطلعت يمنى حولها بنظرات منبهرة مستاءة بعض الشئ... أجلسها علي بجانب النافذة وجلس بجانبها ..
ظلت نظراتها تحوم بالقطار ،هذا شاب يبدو من ملابسة أنه ملتحقاً بالجيش يغفو واضعاً كفه تحت خده...
وهذه إمرأة صرخات صغيرها تعلو بإستياء... فتظل تهدهده دون فائدة...
وهذا عامل بسيط يتجول حاملاً كُتيبات صغيرة ينادي بصوت مزعج
-رسايل حب... رسايل حب ..
أوقفه علي تحت نظرات يمنى الحائرة واشترى منه ثلاثة بعددهم...
ليمر آخر حاملاً (ترمس )(حب)... أستوقفه علي ايضاً واشترى منه ..وللغرابه بدأ علي التهامه فيما كانت هي تحدق بوجهه بنفور امتزج بدهشتها ..
تطلع لها علي قائلاً بإمتعاض
-بتبوصيلي كده ليه ..!؟
أشارت لما يأكله قائلة بأنف جعدت نفوراً واستنكاراً
-بتأكل منه... ازاي ..؟!
مد يده ببعض الحبات قائلا
-جربيه طعمه حلو ومسلي ..
كممت فمها بكفها تزامناً مع هزة الرأس الرافضة
-لا طبعاً ..ممكن أعمل غسيل معده...
ضحك علي قائلا وهو ينظر امامه ويمضغ حبات التِرمس
-عادي ..أنا كل مره بعملها ..
توسعت عيناها بذهول ،... وفمها فُتح ببلاهة لينهض علي قائلا وهو ينظر لفمها
-خليكي فتحاه كده لغاية ما صرصور الحقل يدخل فيه ..
أغلقته بسرعه وامسكت بمعدتها كمحاولة للتقئ ..فأشار لها علي بمرح
-بس ياريت على جنب...
زمجرت بغضب ،ثم التقطت حقيبتها ودفعته بها...
اتجه علي ناحية مقعد رجب وجلس بجانبه يناوله حبات الترمس ويتناولنها بسعادة ..يتجاذبا اطراف الحديث
التقطت يمنى بضع حبات داخل كيس بلاستيكي ..فتحته بوجل وهي تنظر ناحية علي تطمئن أنه لا يراها...
واحدة وآخرى... حتى التهمته ..ثم نظرت للكيس الفارغ متمتمة
-دا طلع حلو أووي ..
ليأتيها صوت علي المُشبع بشقاوته
-ما قولنا حلووو ..محدش صدقنا...
كرمشت يمنى الكيس بكفها .ثم امسكت الكُتيب قائلة بمراوغة
-ايوه فعلاً الكتاب حلو أووي
هز علي رأسه قائلا
-الكتاب بردو... .؟
رفعت يمنى الكُتيب وبدأت تقرأ فيه بشرود ....
تعالىّ صراخ الطفل مما جعل الإستنكار يعلو الوجوه ..اتجه علي ناحية الصغير وبدأ بمداعبته حتى تبدد بكائه واحتلت البسمة الرائقة عيناه... كاد علي يستدير فتشبث الصغير بملابسة ..فما كان من علي إلا أن قَبل الدعوة بترحاب ..حَمَل الصغير وعاد به لمقعده...
ابتسمت الأم وتنهدت بعمق ثم اتكأت برأسها وغطت في نوم عميق...ليفعل طفلها نفس الشئ ويغط في النوم...
همست بخفوت يمنى حتى لا توقظه
-رجعه لولدته ايدك هتوجعك كده ..
ابتسم علي وهو يراقب كف الصغير المتشبثة بأحد ازرار قميصه ثم حانت منه التفاته ناحية الام ليعود قائلا ليمنى
-امه نامت... .
هزت يمنى رأسها قائلة بتعجب واضح
-صحيها تاخده...
امسك علي بكف الصغير وقبّلها قائلا
-لو رجعته هي هتصحى وممكن هو ..والله أعلم يمكن تعبانه ونفسها ترتاح شوية... أو سهرانه بيه طول الليل ..
هتفت يمنى بتزمت وهي تعقد حاجبيها بغيظ
-كده أنت الي هتتعب
علي وهو يضم الصغير بدفء هز كيان يمنى
-مش مهم... بعدين هو أنا هشوفهم كل يوم...
عقلها يضج بالأفكار... كيف له أن ييكون بهذا الحنان والدفء يستأثر الغير على نفسه ..
أقترب فتى صغير لم يتجاوز الثالثة عشر ينادي لبيع عدة كرات مليئة بالنجوم البلاستيكية الملونة ..يضغط عليها فتسطع انوارها الملونة داخلها فتجعلها كتحفة فنية جميلة همس علي وهو يُشير للكُرات
-بكام دوول ..؟
الطفل وهو يقوم بعدهم
5×10= 50
علي وهو يتأهب لأخراج الأموال
-تمام وأنا اشتريت
تهللت اسارير الفتى وتناول المال الذي قدمة علي ببشاشة قائلا
-الله يباركلك...
وضع الكُرات جانباً فباغتته يمنى بسؤال
-كل الي بينادي بحاجه تشتري... أنت غريب أوي ..أنت اشتريت كمية حاجات...
ابتسم علي قائلا بصدق
-عادي... مش هتفرق معايا
عقدت يمنى ساعديها قائلة
-امال لو مش هتفرق معاك بتشتريها ليه ..؟
ببساطة همس وهو ينظر الي الطفل الذي استيقظ واعطاه أحدى الكرات ..ثم نظر لبائع الكرات وهو يجلس أخر العربه يتناول ساندوتش ويلتهمه بجوع وحماس فيما كفه الوسخه تقبض على المال الذي أعطاه له علي بسعادة وكأنه قبض على أحلامه
-عشان هتفرق معاهم... .خمسين ..ولا ميه ..حاجه بسيطة جداً لكن كبيرة عندهم... بيلفو طول اليوم علشان 20او 30... يسدو بيها جوعهم والله أعلم في منتظرهم فالبيت كام ..؟
معادلة بسيطة اسمها اديك واخد أنا السعادة... بكون مبسوط يمكن أكتر منهم... أنا مش هتفرق معايا... بأكل وبشرب وتمام... ثم أشار لها ناحية البائع الذي اشترى منه للتو
-شوفي بيأكل بسعادة ازاي . ونظرات الرضا؟ تفتكري لو مباعش حاجه كان هيتبسط كده وهيقدر يجيب ساندوتش يسد بيه جوعه والله أعلم من كام ساعه بيلف بيهم.... تمن اللعب دي كتير بالنسبالك ..؟
هزت يمنى رأسها وهي تصغي لما يقوله بإهتمام ..فيما تقول بلا مبالاة
-أنا بصرف فاليوم أدهم عشر ..ولا عشرين مره...
نهض علي وأعطى الأم طفلها فابتسمت وشكرته بمودة ..عاد علي لمقعده قائلا
-شوفتي ازاي ..؟ الي أنا بدفعه حاجه بسيطة قدام ضحكة طفل صافية وراحة طفل شقيان وكل ذنبه أن الحياه دهسته وجات عليه... تنهيدة راجل كبير الظروف حكمت عليه يشاقي لغاية العمر ده لان ببساطة معندهوش حل تاني .
همست يمنى بأعجاب شديد أطل من نظراتها
-كلامك حلو أووي ياعلي ..بحس أني بشوف الدنيا بنظرة تانية وأنا معاك... بلون تاني جديد وغريب بس مُريح... لون مشفتوش... معاك بكتشف معنى الحياة ياعلي...
وارى حرجه وخجله من كلماتها خلف نظرات شقية ومَرح معتاد ،عَدَل من ياقته قائلا
-مبحبش اتكلم عن نفسي كتير .
*********
تأملت يمنى المنزل البسيط... فهو بسيط جداً مقارنةً بقصرها ..لكن ما إن دخلته حتى داعب وجهها نسيم المساء الحاني... الذي غمرها برضا عجيب ودفء شديد وكأن المكان لها... ألفه غريبة شعرت بها ناحية تلك الجدران...
أشار لها علي ناحية حجرة فالأعلى
-اطلعي فوق ..أول أوضه يمين ..
هزت رأسها وصعدت للأعلى... تريد أن ترتاح من عناء السفر فلم يسبق لها أن تعبت هكذا من قبل... وبملابسها القت بجسدها على الفراش ..خلعت حذائها وتدثرت بغطاء جميل برائحة منعشة وجميلة ..تُماثل رائحة العود العربي والعنبر... راحة غمرتها ليسحبها عالم الأحلام...
فيما أرسل علي في طلب ابنتي خاله ليمكثا مع يمنى أما هو فغادرللمبيت مع رجب...
****
استيقظت يمنى صباحاً ..خرجت تتجول في الدور العلوي حتى عثرت على مرحاض دخلته وابدلت ملابسها... ثم هبطت لتجد فتاتين في استقبالها...
هتفت بإبتسامة
-صباح الخير...
واحدة اقتربت بعفوية وضمت يمنى مُرحبة
-صباح الفل يااهلاً وسهلاً نورتينا يا يمنى
بادلتها يمنى العناق... بسعادة وألفة ..أما الآخرى فمدت أطراف أناملها قائلة بتعالي ملحوظ
-حمدالله على السلامة
-مدت يمنى كفها بضيق لم تُظهره... ثم التفت الى تلك البشوشة متجاهلة الأخرى...
عرفت البشوشة عن نفسها قائلة
-أنا رباب ..ثم أخفت رأسها وتلونت خدودها هامسة بخجل
-أنا العروسة... .
تهللت أسارير يمنى وجذبت رباب قائلة
-بجد مبرووك ربنا يتمملك على خير...
ابتسمت رباب بمودة خالصة وطيب نفس ،ثم هتفت قائلة
-هقوم أحضرلك أكل...
لتهتف سمر بإلتواء فم
-وهو أكلنا هيعجبها... مظنش...
زفرت يمنى بحنق فهي لم ترتاح لسمر على الأطلاق ..فتاة متعالية... مغرورة... وحقودة بعكس رباب ..التي تُشبه علي كثيراً ..
نهضت يمنى قائلة
-خليني أساعدك...
رباب برفض ولوم اغدقته على يمنى
-لا ميصحش أنتِ ضيفتنا...
أحاطت يمنى كتف رباب وسارت معها قائلة وهي تغمزها
-نحضره وكمان نتكلم عن الفرح والتجهيزات ..
ابتسمت رباب بخجل ثم غادرتا للمطبخ ..فيما ظلت سمر مكانها تزفر وتتأفف بغيظ...
*******
جاء علي مع خاله وزوجته وقد رحبا بيمنى بشدة ..زوجة خاله سيدة بدينة طيبة القلب وبشوشة حانية كما رباب...
طلبت يمنى من علي أن تتجول في الأرض فوافق على الفور واصطحب رباب ورجب
نظرت يمنى للأرض شاسعة المساحة قائلة بإنبهار
-كل دي أرضك ..؟!
هتف علي وهو يكرمش وجهه
-أنتِ جايه تقري ولا أيه ..وحدي الله فقلبك ..
ضحكت يمنى قائلة
-لا اله إلا الله... لا ياعم بس مستغربة
نظر على لأرضه قائلا
-بصي ياستي زي ما أنتِ شايفة حوالينا كلها أرض جبل... وأنا استصلحت جزء كبير وزرعته واتملكتها...
كانت الأرض واسعة مُحاطة بسياج من الأشجار والنخيل المنزل مقام في نهايتها ..يحيطه سور من الخشب بجانبه أحواض من الورد بألوانه ..
نظرت يمنى لأعلى منبهرة بطرح البلح (التمر) بألوانه المبهجة... أشارت بيدها كطفلة
-عايزة من ده بليز يا علي... بتجبوه ازاي علشان أجيب ..!
ابتسم علي قائلا وهو يتابع طفوليتها وسعادتة تغمره
-بنطلع نجيبه... تهيأ علي واتجه للنخلة لكنه حينما لمح والدة رجب ركض قائلا
-بعدين ..بعدين
يمنى بدلال وتوسل
-بليز يا علي... .
همس علي من بين أسنانه
-اصبري الله يهديكي... الصحة تاج فوق رؤس الأصحاء... وأنا خايف على صحتي...
تقدمت والدة على تتفحص يمنى ..مما جعل علي يبادر ويسد الطريق واقفاً أمام يمنى يخبئها خلفه
-ازيك ياأم رجب وحشاني...
رفعت والدة علي حاجبها وبدأت في تُمييل رأسها تختلس النظرات ليمنى فيما كان علي يصدها بجسده دافعاً عن يمنى نظرات والدة رجب المتفحصة الفضولية
هتفت يمنى بضيق
-في أيه يا علي... ؟
هتف علي يعنفها
-اهمدي خليكي ترجعي سليمة...
هتفت والدة رجب بتمهل
-هي دي بقا الفرخة يا علي ..؟
فغر علي فمه قائلا
-فرخة ايه ..؟
أجابته والدة رجب بإبتسامة صفراء ونبره حاسدة
-الي باضتلك البيضة الدهب...
ارتسمت على علي بوادر البكاء الأكيدة ..ثم هتف وهو يمسك بطنة
-اه... .بطني... أرحميني يا أم رجب أنا ما صدقت ياشيخه أخف... القولون هينفجر بسببك...
هتفت يمنى بفزع
-مالك يا علي ..؟
تلوى علي قائلا
-حظ علي المهببب
هتفت أم رجب وهى ترمق يمنى عن قرب
-دي ولا الأميرات... والله وأمك دعيالك قبل ما تموت...
صاح على وهو يخمس بوجه أم رجب
-ارحميني... .هتموتيني ولا أيه ..؟
هتفت يمنى وهي ترمق والدة رجب
-مين دي ..؟
علي ببساطة وخيبة احتلت ملامحه
-عزرائيل الي هيقبض ارواحنا...
لامته والدة رجب بحدة
-بقا كده... .ربنا يسامحك
اعتادت هي على هزاره الثقيل معها...
اقترب علي منها متأسفاً
-معلش يا أم رجب ..بس سمعتيش قبل كده أن لازم الواحد لما يشوف حاجه يقول لاحولا ولاقوة الا بالله ..الله أكبر... أو حتى استغفر الله... بدل ما هتخلصي على البلد كلها...
اقترب رجب يضحك قائلا
-الله يحظك يا بشمهندس... سعيد أبو مسلم اتشل يا ولداه عرفت ولا لا... ؟
هتفت والدة رجب مقاطعة
-ما هو بناله بيت ولا السرايا ..
مط علي شفتيه قائلا بخيبة أمل
-دلوقت عرفت اتشل ليه... والله يا ام رجب بفكر اصدرك للخارج اهو نستفاد منك ..
هتف علي رباب قائلا
خدي يمنى فرجيها عالحديقة الخلفية... وخليني أنا مع ام رجب البنت طرية مش هتتحمل يا ولداه ..
انصاعت رباب وأخذت يمنى وما إن غادرتا حتى هتفت والدة رجب وهى تُشيع مغادرتهم
-برنسيسة ولا بتوع التلفزيون...
تعرقلت يمنى وقعت فأسندتها رباب... فهتف على
-الله يسامحك يا أم رجب...
تطلعت لرجب قائلة
-والله وجيت عالبندر يارجب ووشك نور وردت فيه الدموية ..
قالب من الطوب وقع من فوق النخلة على رأس رجب فصرخ قائلا وهو يحبس الدم بكفه
-بلاش أنا يا أما... ثم انكب يُقبل كفها مُتابعاً
-نفسي أعيش والنبي...
ضحك علي فأستاءت والدة رجب وعنفتهم بضيق
-بقا كده بتتمسخرو عليا
كتم رجب جرحه قائلا
-ما هو أنتِ يا أما عينك استغفر الله
بلحة بكاء ولوم هتفت والدته وهي تكفكف دموع وهمية
-حتى أنت يا ابن بطني ..
اقترب علي متسائلا بجدية مصطنعة
-الا قوليلي هو رجب عاش ازاي فبطنك ..؟
مصمصت والدة رجب قائلة وهي ترمق رجب شزراً
-كان مغلبني مبيبطلش رفس وحركة
وهنا أمسك رجب ذراعه صارخاً
-اه يا دراعي... أنا هتشل ولا أيه ..؟
هتف علي وهو يتقدم دافعاً رجب
-اجري يا رجب... .أحنا لسه شباب ومدخلناش دنيا ..
ركضا تاركين والدة رجب تضرب كفاً بكف قائلة
-هي مصر الي يروحها صحته تقوى كده ..
تعرقل الأثنان ووقعا ..فهتف على وهو يمسك بظهرة ووجه تعفر بالتراب
-الله يخرب بيتك يا أم رجب ..الله يخرب بيتك...
***********
وقفت تتطلع لعلي وهو يتسلق النخلة بخفة وحذر... امتزج ترقبها بالخوف والرهبة عينيها مُثبتة على ساقيه وذراعية ،وبين الحين تحتضن نظراتها ملامحة تراقبها بإهتمام...
تغيرت مشاعرها تجاهه للنقيض ،..به شئ يجذبها ناحيته بشدة ..عفويته تلمس أوتار قلبها صانعة لحناً خاص...
تبدل حلها من كره لخوف عليه... تترقب همساته ونظراته ..وتراقبة بشغف طفولي... يمنى القوية اللبقة تتلعثم وتخونها أبجديتها في حضرته ..
متى احتل علي ذلك القدر من تفكيرها ..؟؟
يقتحم احلامها دون استئذان ويصبح بطلها ..!
هبوطه جعلها تخرج له تستقبل عطاياه بسعادة قائلة
-متشكرة أوووي ياعلي ..
هتف ويمنع حبات التمر عنها
-استني لما اغسلها
أقرن كلماته بذهابه ناحية المياة غسله جيداً ثم أعطاه لها بحب... جلست فجلس بجانبها يتأملها
شهية... أمرأة بكل النكهات... هي الشئ ونقيضه ..
قوية ..ضعيفة... هادئة صاخبة...
لكن تظل المرآة مهما بلغ عمرها طفلة صغيرة... ما إن سُمح لتلك الطفلة بالخروج حتى تجولت بسعادة وضحكات رنانه تثير الشغب والجنون...
قطع سيل أفكاره قائلا وما زالت عينيه تحتضن ملامحها
-احكيلي عن عمي ..
عقدت حاجبيها بدهشة سرعان ما ازلتها جدية علي لتقول بنبرة غلبها الحزن
-كان شديد أووي ..صارم... جد جداً الغلطة عنده مره وحدة.....انطوائيتي وتفكيري الي كان دايما سابق سني... شجعوه أنه يعاملني كبنت كبيرة ناضجة غلطات لا... وطفولية لا... حتى اصحابي دايما يقولي انهم تافهين وأنتِ أكبر عقلاً منهم وأفضل... لغاية ما قاطعتهم ..بقيت لوحدي بشوفهم أقل من اني اكلمهم ..زرع فيا الكِبر والتعالي واننا من طينة غير الناس... وأنا كنت مقتنعة ولاغية عقلي الا فالشغل... نجحت وكبرت تدرجت فوظايف الشركة لغاية ما بقيت ايده اليمين... ذكائي ونشاطي خدموني أنه يديني ثقتة على الرغم أنه كان دايما بيّخّون الي حواليه وعلى فكرة أنا نفسي بنته حصلت عليها بصعوبة ....بس مره سمعت واحد صاحب بابا بيقول لابنه انه يركز معايا وكده ..فصدمني رد ابنه ..
ضحكت يمنى بإستهزاء مسترسلة
-قاله دي ولد... في حد بيتجوز ولد زييه ..ولاني متعودتش أفشل قررت أكون الاتنين... أنجح واعيش حياتي ..رجعت لاصحابي .الي هما اصلا فاشلين ..وكنت بعيش حياتي عادي ..الشغل شغل والهزار هزار....
همس علي بعيون مشتعلة بعاطفة وليدة
-قوية أنتِ يا يمنى...
غمزته بشقاوة قائلة
-مش لوحدي على فكرة... الظاهر دي جينات عيلة الراوي. ..ثم تسألت بجدية
-بس ازاي متعرفش ليك عم وليه مكنتش بتيجي وتزورنا ..؟
حك علي ذقنه قائلاً
-أنا بردو نفسي أسالك نفس السؤال ..
نفضت يمنى كفيها قائلة
-اممم الموضوع فيه سر... اكيد أونكل مراد يعرف .
علي بجدية ونظراته مُتحيرة
-تفتكري ..؟
اومأت يُمنى متابعة
-دا أكيد ..أونكل مراد صديق لبابا من زمان أووي .
تنهد علي وهو ينظر للبعيد قائلا ً
-هنشوف... ثم أمال رأسه قائلا بنبره خطره
-لما نرجع مش هسيبه غير لما أعرف ..
*******
بعد مرور يومان
ساعدت يمنى رباب في التزيين حتى ظهرت كالقمر في سماه ....صخب وتصفيق حاد جعل يمنى تتجه للنافذة تطل منها...
كان علي يمتطي جواداً يرقص على المزمار البلدي... يرتدي جلباب وتعتلي رأسه (عمامه بيضاء)..بدا كفارس الأساطير... عضت يمنى شفتيها بإنبهار وإبتسامتها تصبغ قسماتها بالإعجاب...
صوت عالي معترض وصل لمسامعها وفصلها عن عالمه االساكن فيه فارس الأساطير ..
-الميكب آب وحش أووي ..
زمت رباب شفتيها قائلة بحنق من اسلوب اختها الخانق
-سمر عاجبني... هادئ وجميل .
تخصرت سمر قائلة بحقد يفوح من كلماتها
-لو كنت عملته أنا ..أو وافقتي نجيب حد ..كان هيبقى أروع...
امتصت يمنى غضبها وبدلته بإبتسامة مزيفة تخفف بها من توترها... فتلك السمر تثير حنقها بكل الطرق...
غبية ..هكذا نعتتها يمنى بداخلها ..
امسكت سمر بمحرمة ورقية تحاول مسح وجه رباب ..لتأتيها صرخة مزمجرة ناهرة
-سمر مالكيش دعوة...
سمر بغضب وشراسة
-لا... طبعاً
دفعتها رباب هاتفة وقد نهضت مبتعدة
-عاجبني ومتدخليش...
كانت يمنى تراقبهم بصمت... لكن لصمتها نهاية كانت عندما هتفت سمر بتعجرف
-ولا أقولك اصلا ده أخرك... وأخر جوزك رجب... نطقتها سمر وهي تلوي فمها بسخرية...
لتقترب منها رباب وتُشير للخارج قائلة بحده
-بره ياسمر ..بره
نفخت سمر بغيظ وغادرت غضبها وتجهم ملامحها يسبقها ..
جلست رباب مكانها بحزن... مما دفع يمنى أن تقترب منها وتربت على كتفيها مواسية
-متزعليش يا رباب يمكن متضايقة علشان نفسها تزوقك ..
تنهدت رباب لتقول بنبره عميقة آسفة
-هي سمر كده... دايماً بتبص لفوق ..ودايماً ناقمة ومش عاجبها حاجه ولا عيشتها ولاحياتها ..شايفة انها تستاهل كل حاجه... وأن الي هي فيه مش عدل... ..بتبص للي فأيد غيرها وشايفة أن هي الي تستحقة والشخص التاني ده لا.. بس حظوظ ..
غيرت يمنى الحوار قائلة
-بس بقا افرحي... وسيبك منها... بس أنتِ مقتنعة برجب ..؟
سألتها يمنى بنبرة مهزوزة... مما دفع رباب للابتسام واجابت ببساطة ورزانه
-طبعاً... رجب طيب وحنين أووي ..شخص بسيط هحتاج أنا ايه اكتر من كده ايه ..؟... وهشوف نفسي عليه ليه...؟ .هو مش ناقصة حاجه بالعكس ده مميز ..
همست يمنى بحيرة
-مميز .؟!
استرسلت رباب
-مميز ..لما يكون بالطيبة دي والبساطة فوسط السواد الي بنشوفه حوالينا يبقا دي ميزه... ابداً مش عيب...
ولو عالماديات... فعلي ربنا يكرمة ساعده وكمان بيبنيلنا فبيت جنبه... أصله بيحب رجب أووي
التمعت عينا يمنى وفاضت مشاعرها وطفت على وجههامتمثلة في ابتسامة لذيذة وارتعاشة حنين...
صوت زغاريت اقترب ..فتنهض يمنى قائلة بحماس
-يلا شكل علي ووالدك جايين ياخدوكي. .لعريسك
احمرت رباب خجلاً... لتقرصها يمنى ثم تحتضنها بمودة خالصة وهي تهمس بصدق
-مبرووك يا حبيبتي...
طرق خفيف ..تبعه موافقة وسماح من يمنى...
دخل علي ابتسامته تنير وجهه واول ما بحثت أنظاره كانت عن يمنى وجدها تقف بخجل بجانب رباب... اهداها أروع ابتساماته ..ثم دخل والد رباب ..طبع قُبلة سريعة وأمسك بذراع فتاته وهبط بها سُلم المنزل ليسلمها لزوجها...
كانت يمنى تتابع بسعادة وانبهار... حياة بسيطة هادئة يحفها الحب وينيرها التقدير...
*******
جلست كما عادتها تتناول حبات التمر التي يصعد علي لها خصيصاً النخيل ويُحضرها... فهتفت بتساؤل
-هو أبو رجب فين ..؟
أجابها علي بجدية
-مات ..
يمنى بهمس حزين
-الله يرحمه...
علي بنفس الجدية التي تصبغ وجهه
-مات فحادث ..
انتبهت له يمنى متأثرة
-لا حولا ولاقوة الا بالله .
على بصوت جدي يناقض كلماته
-فليلة كده وهما بيتعشو أم علي... بتقوله ..أبو رجب أنا هقولك حاجه بس امسك نفسك... .
انتبهت يمنى بكل حواسها وحسته قائلة
-وبعدين
تابع علي وهو ينظر للأمام
-عندنا الستات مبتخبيش عن جوزها حاجه... وطبعا أم رجب كأي ست أصيلة اعترفتله
شقت يمنى بفزع تحثة بلهفة
-أعترفتله بأيه... ؟
بنفس جديته هتف علي
-أن في صرصور وقع فالأكل...
تعالت شهقات يمنى وأستنكارها وكادت توبخ علي لكنه استرسل
-وابو رجب مكدبش خبر ..قام منفوض من على الأكل وبعدها دخل الأوضه ..
يمنى بضحك
-ايه خاصمها ..؟
علي وهو يهز رأسه والاسف يقطر من كلماته
-لا للاسف... شرب سم قوارض وحشرات ... علشان يقتل الصرصور ومات ...كان راجل طيب
انفجرت يمنى بالضحك وهي تقول من بين ضحكاتها
-طيبين أووي يا خال ..
********
جلس يدندن بلحن يعشقة ويستعذبه يضرب على دفتره مُحدثاً لحناً يتماشى مع أغنيته ..
-أنت قلبك قاسي ..أنت مش بتحس كده وكده...
توقفت كلماته بحنجرته حينما لمحها بطلتها الجميلة ..كفراشة مُبهجه... تسير بأدب وخجل تحمل خلف ظهرها حقيبتها...
نهض يُعدل من ملابسه ..ثم أخرج من جيبه فرشاة وقام بتمشيط شعره ..لكن خصلاته الجافة المُشعثة ابدت الأنصياع ..فاضطر أن يبصق بكفه ويدهن خصلاته هامساً بقرف
-علشانك ياجميل... هعمل المستحيل...
كما حوت جيوبه على زجاجة برفان أخرجهامُطلقاً زخات منها على ملابسة وفي الجو حوله ..ثم بدأ بدفع الهواء بحركات بهلوانيه قائلا
-كلموها عني عرفوها اني... واقف خلفها...
البرفان غالي سيف هيقتلني... بس معلش هحايل هنا... واجبلها بامبرز لحبيب عمه .
انطلق خلفها بهدوء ورزانه مُفتعله
-آنسه ..يا آنسه ..
استدارت له هدير... مشطته بنظره غامضه ..ثم ابتسمت وهي تهمس داخلها
-هو أنت... جيت برجليك ..
خبأت ابتسامتها خلف صرامتها ثم استدارت تُكمل سيرها متجاهله له ..لكنه هتف بغيظ مكتوم
-ياآنسه ..في ورق وقع منك ..
وقفت هدير تهز جسدها بصبر نافذ ..تضغط شفتيها هامسة
-اللهم طولك يا روح ..
استدارت تهتف وعلى وجهها ابتسامة ساخرة
-قديمة ..شوف غيرها ..
هتف ياسين وهو يبتسم بسماجه
-نديها وشين وتتجدد... مش أنتِ بردو بتاعة حسانين والبلد والعمده وكده ..
عقدت هدير ذراعيها أمام صدرها قائلة بغيظ نافخة
-أوووف...
هز حاجبيه قائلا بشقاوة
-هفر يا بوووي ..
كتمت ضحكتها واستدارت تخطو مبتعده عنه ،لكنه هتف
-يا لهوووي على الصعايدة... بلاص عثل ..ياهوووو
جاءت صديقتها مندفعة تهتف بتساؤل
-مالك يا هدير ..؟
هدير وهي تكتم ضحكاتها
-سينو الي قولتلك عليه
القت عليه براء نظرة طويله لتقول بإستنكار وسخرية
-البرص ده...
ليقطع ياسين حديثهم قائلا
-سامعك يا أم اربعة واربعين...
تخصرت براء قائلة بإندفاع
-نعم ..!
ليعلو صوت هدير بغضب
-لو سمحت ميصحش كده ..
عض ياسين شفتيه قائلا بهيام
-وهو يصح تخطفي قلبي وتاخدية وتسيبيني ...قاسية
زفرت هدير مُعنفة
-هي وصلت لقلة الحيا ..
هام ياسين قائلا
-يالهووي على اللهجة الصعيدي ..بلاص مشّ اتضرب فوشي...
أفاق اخيراً على ضربة براء له بحقيبتها الثقيلة... التي تحوي جميع أغراضها بل هي خزانه متنقلة... جميع ماتحتاجه يكن بحوزتها ..حتى فرشاة الاسنان والمعجون... وبالاضافه ..لمستلزمات الخياطة كاملة من آبرر وخيوط... من طعام حلو وحادق ومشروبات ..وقد تُخرجها مثلجة ... فهي ذات قدرات خاصة.
ركضتا الفتاتين واصوات ضحكاتهم تتعالى بتشفي ..مما جعل ياسين يهتف بتحزلق ..
اه ياسوسة ...... يا أم لسان طويل مش هسيبك أنتي وبلاص العسل

المشمهندس فلاح(كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن