اقتباس (١)

2.3K 43 0
                                    

وصلت شيماء إلى المطعم الذي تعمل به نادلة حتى توفر مصروفات معيشة ودراسة شقيقتيها ثم بدلت ملابسها وبدأت بمباشرة عملها ... مر بعض الوقت قبل أن تتوجه نحو إحدى الطاولات لتُصدم برؤية هيثم برفقة مجموعة من أصدقائه ... استقبلها هيثم بنظراته الساخرة وهو يقول:

-"أهلا وسهلا بكِ شيماء ، لم أتوقع أن تكون حالتك بائسة إلى تلك الدرجة التي تجبرك على أن تعملي نادلة هنا في مطعم صديق والدي".

تجاهلت شيماء حديثه اللاذع ومحاولته لدهس كرامتها وإهانتها أمام رفاقه وهتفت بعملية بحتة وكأنها آلة مصنوعة من الحديد لا تتأثر بشيء:

-"ما هو طلبك؟"

-"أنتِ".

أجابها باستفزاز متعمدا إثارة غضبها وعصبيتها ولكنه تأكد من فشله بعدما هتفت بهدوء استطاعت إظهاره بصعوبة من فرط غيظها بسبب كلمته المهينة:

-"يوجد لدينا جميع أنواع المشروبات الساخنة ولدينا الكثير من أنواع العصائر المختلفة".

أمسك يدها في حركة مباغتة وهو يرمقها باستفزاز وتعالٍ فهذه هي الفرصة المناسبة له حتى يكسرها وينتقم لكرامته التي أهدرتها مرارا وتكرارا:

-"أنا أريدكِ أنتِ ، انظري إلى نفسك ، تعملين نادلة حتى تجلبين بضع جنيهات لا تساوي ثمن أرخص حذاء موجود في خزانتي ، فكري قليلا شيماء ، لديك أم مريضة بحاجة إلى العلاج باستمرار فضلا عن تكلفة العملية الباهظة التي يجب أن تجريها ولا يجب أن تنسي الأموال التي تحتاجها كل واحدة من أخواتك من أجل الدراسة".

سحبت ذراعها بقوة من بين يديه وهي ترمقه بغضب وكادت ترفع يدها وتصفعه ولكنها تمالكت نفسها لأنها تعلم جيدا أن صاحب المطعم لن يتردد أبدا وسيقوم بطردها إذا طلب منه هيثم أن يفعل.

انتابتها حيرة قوية وأخذت تفكر كيف علم هيثم كل تلك الأمور عنها ، هذه الأشياء لا يعلمها أحد سوى تغريد وهي متأكدة أن صديقتها يستحيل أن تفشي لهيثم هذه الأسرار.

وضع هيثم يده أسفل ذقنه وهو يهتف:

-"يمكنني أن أساعدك وأؤمن لكِ تكاليف عملية والدتك ولكن بشرط واحد".

دق قلب شيماء بعنف فحدسها يخبرها أن هذا الشرط ليس شيئا جيدا على الإطلاق ... استكمل هيثم وهو يطالعها بغلٍ استحوذ على قلبه تجاهها لفترة طويلة فهو حتى الآن لا يصدق أن شيماء التي قامت برفضه وإذلاله هي مجرد فتاة فقيرة وبائسة وتعمل نادلة حتى توفر قوت يومها:

-"أريدك أن تكوني لي لوقت قصير وسوف أوفر لكِ كل شيء تحتاجين إليه ، تكاليف عملية والدتك وأيضا تكاليف دراسة شقيقتيك".

كان ردها على عرضه المهين والقذر هو صفعة قاسية تركت علامة واضحة على وجنته لتتسع عيناه بتوعد فهي قد أهانته هذه المرة أمام أصدقائه ... صاح هيثم بصوتٍ جهوري وطلب من أحد رجال الأمن أن يستدعي صاحب المطعم.

حضر صاحب المطعم ورحب بهيثم قبل أن يهتف بتساؤل بعدما لاحظ استيائه:

-"ماذا جرى هيثم؟ ، هل حدث شيء ما أزعجك؟"

أشار هيثم نحو شيماء وهو يصيح بغضب يصعب احتوائه:

-"أريدك أن تطرد تلك الحثالة فورا وإلا فقدماي لن تخطو خطوة واحدة نحو مطعمك مرة أخرى".

وكان له ما أراد فقد قام صاحب المطعم بطرد شيماء دون أن يسأل هيثم عن سبب طلبه ، طردها الرجل ولم يهتم بالمعاناة التي ستشهدها حتى تجد وظيفة بديلة وبراتب مناسب ... لم يهتم هذا الرجل إلا بإرضاء ابن صديقه دون أن يستفسر عما حدث.

خرجت شيماء من المطعم وهي تبكي بشدة وعادت إلى منزلها ... دلفت إلى الشقة ثم توجهت بسرعة نحو غرفتها قبل أن تراها والدتها وهي بهذه الحالة.

-"يا إلهي ماذا سوف أفعل الآن؟! كيف سأجلب الآن العلاج لأمي؟"

أجهشت ببكاء حار ففقرها وقلة حيلتها هما ما جعلاها عرضة لكل حقير وتافه ، لماذا يعتقد الجميع أن الفتاة الفقيرة هي فتاة بلا مبدأ أو شرف؟!

لماذا يتصورون أنها من الممكن أن تبيع نفسها ومبادئها من أجل بضع وريقات نقدية لا تساوي شيئا أمام رضى المولى عز وجل؟!

يقين الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن