اسمَينا بين الغيوم

791 134 93
                                    

×××

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

×××

فور عودته انطلق بخطواتٍ وئيدة نحو حجرته، حريصًا على تجنّب مقابلة أمّه التي ستأنّبه للباسه المبتلّ ولبقاءه دون سطح يؤويه بينما يعمل، ووالده الذي سيسأله عمّا عمل ومن قابل كمراهقٍ طائش.

وبعدَ ارتداءه لما يحمي أطرافه من برودة أكتوبر، -رغم قدمها إلا أنّه لا بأس بها طالما أنّه لم يزدد طولاً منذ عامين بالفعل-، اضطجع جانباً حيث زاوية الغرفة التي تحتضن القطع الخشبية ذاتها، ثمّ استذكر إحضار الحبر من أسفل السرير المهترئ ففعل، فعاد حيث الزاويةِ وبدأ بإخراج ورقة الصباح ذاتها بهدوءٍ ولطفٍ خشيةَ إتلافها.

حيث أراد رصّ جميع الذكرياتِ لديه في هذه الورقةِ العتيقةِ ممزقة الأطرافِ، والتي بالفعل قد اكتسى وجهها حِبراً إثر قصة سابقةٍ كُتِبَت عليها بخطوطٍ منظّمة، فما له سوى وجهها الآخر لهذا اليوم.

"وحينما اختلسَتِ الوحدة النظر إليّ، واتّخذت خطوتها الأولى في التغلغل إلى أعمقِ رقعةٍ في قلبي، حينما شاركتُ الصّندوق أحزاني والفرشاةَ فرحي بحلول عيدِ ميلادي الحاديَ عشر، أحتفل به وحيداً مع أمّي التي تجاريني بينما تفكّر بعملها وكيف تزيدُ من مدخراتها، كنتَ أنتَ الذي هلمّ إلي مستبشراً ومتمنيّاً عاماً جديداً مع الكثير من ذكرياتنا اللطيفة سوياً، وبيدك قطعةٌ خشبيةٌ نُقش عليها منزلٌ كاد أن يشبه منزلنا يا صديقي، واسمَينا في غيمةٍ أعلاه."

حرّك يده بعشوائية حتى تلين مذ أنّه تريّث في الكتابة يحدّق بالقطعة الخشبية التي ذكرها معلّقةً بمسمار بجانب النافذة الصغيرة.

"والوحدة يا صديقي للتّو قد عادت لاختلاس النّظر لروحي حين ذكرتها. أفبإمكانها اقتحام قلبي أم أنّك ستكون حصناً منيعًا آنذاك؟"

وفيمَ قد حشَر كلمته الأخيرة في نهاية الصّفحة استطال أخذَ ظرفٍ مسروقٍ -كذلك- من أسفل القطع الخشبية نفسها، إذ أنّه لم يعتقد يومًا بأنّ والده قد استغلّ وجودها في خزانته - ثمّ يقوم بطيّها ووضعِها أسفل الأخشاب مجدداً.

إن كان سيعبّر عن امتنانه في لحظاته الأخيرة لشيءٍ ما فستكون تلك التي حمَت رسائله حتى آخر رمق.

×××

مذ أنّه استيقظ مبكراً، أكثر من العادة، استقام فرِحاً لقدرته على الخروجِ دون ملاحظة والديه، فبدّل ملابسه مسرعاً لقميصٍ أصفر كما يحب، واتّجه إلى المطبخ يريد ملأ معدته بأول شيء تراه عيناه.

وبعد أن عاد لحمل رسالته بلطفٍ كما اعتاد، ارتدى حذاءه عند عتبة الباب بينما يتقافز حتى يستعيد توازنه، ثمّ وبشيء من التوتر استدار ليتأكد من خلو المكان، إلا أنه قد وجد والدته تحملق فيه بحاجبين معقودين، ويبدو أنها تقف هناك منذ برهة.
ابتسم لها بعتوهٍ وخرج وكأن شيئاً لم يكن، لكنّ قبضتها على كتفه قد فاجأته:

- إلى أين تذهب دون صندوقك؟
كان صوتها هادئاً ببحةٍ معتادةٍ فاقشعر بدنه، ثمّ قد اكفهرت ملامحه وأزاح يدها عنه بقليلٍ من الشدة:

- مخبز السيدة وودفيل! أعلم أنه لا يتوجب علي الذهاب ولكانت مساعدتي أفضل وأكثر فائدة لمخبز والدي لكنّني لا أريد! سئمت صراخك كلّما أردت الذهاب.

حدجها بنظراته وخرج دون أن يلقي لها بالاً، إذ كانت هي الأخرى قد اعتادت على بقاءه مرتين أسبوعيًّا في المنزل يتخذها عطلةً له من ضوضاء لندن، لكنّه منذ فترةٍ بدأ بالخروج في تلك الأيام فيساعد بها وودفيل في مخبزها المشؤوم!.

ابتعد بخطواته حتى وصل وسط المدينة، وكان قد أعاد مزاجه المرح بالتلويح للأطفال الذاهبين للمدرسة، ولعمال النّظافة ومنظّفي سيارات الطبقة الرفيعة، إذ لم يكن هذا العمل منتشراً إلا في مناطق الازدحام.
عرج بطريقه نحو مركزِ البريد فلَم يُرد تفويت مواعيد العمل هناك والتأخّر في إرسال ما في جيبه ليومٍ آخر.

ثمّ وبين الأزقّة اتّجه لمبنىً يحفظه منذ ستةِ أشهرٍ.
وحينما وصل مقصده، -والذي رصده منذ ثوانٍ بسبب رائحة الخبز الطّازج والكعك البعيدةِ عن دخان المدينة-، ألقَ تحية الصّباح على السّيدة المبتسمة، ولم يستطع منعَ البشاشةِ من الظهور على تقاسيم وجهه بسبب نكاتها وابتساماتها التي ما تلبث دقائق حتى تلطّف الجوّ مجدداً.

وبإلقاءه نظرةً تتبعها أخرى إلى رفٍ عتيقٍ بان على أطرافه القِدم- إذ عُلّق منذ سنواتٍ على الحائط البعيد نهاية الممرّ الموصِل لمنزل السيدة.
لم يكن يسهلُ عليه تحديد سبب سعادته المبالغ بها اليوم، رائحة الخبز، ضحِكُ وودفيل، حصوله على كتابِه الذي يتوقه منذ مدة بالفعل نهاية اليوم، أم إيصاله للرسالة في وقتٍ مبكّر.

لكنّه أجزم بأن أسعد أيامه في هذين العامين، كانت منذ اكتشافه لوجود مخبزٍ بمالكةٍ آنية قريباً من مسكنه الكئيب.

×××

تعليق،ڤوت؟ ☕💛.

لوندرس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن