انزجر وباد.

442 87 108
                                    

×××

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

×××

- سيدة وودفيل! أنا هنا.

حيّا الواقفة خلف إحدى الطاولات تعدّل الأزهار الشامخة عليها، بيديها اللواتي احتلّتهن التجاعيد، مبتسمةً.

دلف يطوي مظلّته ويضعها جانباً، ثمّ يعدّل الشريط على كتفه الأيمن بيد، والذي يرتبط مباشرة ببنطاله الواسع ذو اللون البني المحروق. وبالأخرى يحمل كيساً قماشياً.
- أحضرتُ الكتابين! إلهي، كونان دويل الأفضل، لا أستطيع تخيل مقدار روعته.

لقيَ ضحكة وودفيل الساخرة:
- لا بدّ أنّك تمزح، كلّما قرأت كتاباً جديداً أُعجِبت بكاتبه! قلبك رهيف يا فتى.

- وخفيف اليد كذلك.
ابتسمَت تردف بخفوتٍ حين رأت سرعته في العمل.

قعدت على أحد المقاعد في المقهى، تحاول مسح الغبار عن نظارتها النحيلة، لعدم وجود أي زبائن حتى الآن.

أفلتتها حين داعب أذنيها صوت ارتطام الخشبِ بزجاج الكأس أمامها، نظرت لعينيّ القابع مقابلها بغيهبها غير المعهود، مبتسماً يقدّم لها الشّاي.
- أعلم أنه مميز من يديّ، لا داعِ للشّكر، أرى في عينيكِ رغبةً في شربه بهدوءٍ مع أمطار اليوم.

ضحكَت بصخبٍ على تعليقه الذي يروقها دوماً، ثم ارتشفت من الكأس الأبيض المقدّم لها.
- يبدو أنّك تحتاج استشارة حكيمةٍ مثلي.

أبت ابتسامته أن تفارق وجهه، رغم الفراغ العقيم الذي يشعر به هاته الأيام، إلا أنّ السعادة معها تفيض من قلبه، ثمّ تُقمع من جديد.
حاول مراراً التّملص من الشعور الذي بات يتبعه، لكن محيطه لا يساعد.

- هل -بالمصادفة- تذكرين جين؟ أخبرتك عنه منذ مدة.

- بالطبع، لمَ تذكر أمره الآن؟

- لم أصدّق مطلقًا ذلك، أعني.. وفاته كما تعلمين، ثمّ أصبحت أعمل عند أحد النبلاء، الدوق جيمس تشابلن. إلا أنّني لم أعرف لمَ ينتابني شعور سيء حيال الأمر، وأنّ لجين علاقة به. أنا-

- أنت لم تتجاوز ذلك بعد، كان صديقك وأقرب إليك من نفسك، أنا أعلم، أنت تشعر بهذا لاشتياقك إليه ورغبتك في مقابلته فحسب. لا تكترث للأمر.

كانت عبراته على وشكِ الهطول، والسعادة في قلبه قد طُمسَت تماماً، كان ينظر إلى الكأس بين يديه ويعبث بطرفه. لم يستطع النّظر إلى وودفيل مجدداً.
كان يشعر بقلبه يحترق، ودخانه يتجمّع ليكوّن غصّة تعيق تنفّسه. كان قد اتفق مع ذاته بعدم البكاء كالأطفال حين يذكر أحدٌ ما موت صديقه كأمر عابر، لكنّ كلام الليل يمحوه النهار، وذكرى الحرب لا تختفي من مخيلته كلما أطبق جفنيه.

كان في بداية مراهقته حين شاركت بريطانيا في الحرب، حين سمع أول قذيفة وشعر بأذنيه تذوب في مكانها، حين رأى الجنود يخرجون واحداً تلو الآخر ويشكر الإله لصغر سنّه.
حين كان صديقه يشاركه سريره في الملاجئ ليلاً، وألعابه في المنزل نهاراً.

حين فقد عزيزاً لأول مرة.

كانت وودفيل قد تركت كأسها وانطلقت لاستقبال أول زبونٍ لليوم حين سمعت جرس الباب، واستقام هو مستعداً ليومِ عملٍ جديد.

×××

"لم أكتُب لك منذ مدّة، إذ أنّني ما عدتُ أصدّق أنّ الرسائل تصلك بالفعل، اندثرت حُججي في لجّة العتمة التي أحملها في قلبي، وابتُلعَت.

لا يمكنني أن أنسى، غبطتك التي لا تُضاهى حين أضحك أنا، حين يؤذن لك بتناول الإفطار معنا، حين تنام بجانبي - في أيام الحرب. حين تُحمَّل فوق طاقتك في العمل عند والدي، أرى ابتسامتك في مخيلتي دوماً، الأخيرة التي تزيّفها من أجلي، من أجلك، من أجلنا.

لستُ أدري لمَ الذكريات المحفوظة لديّ دائماً ما تكون السيئة، لمَ لا أذكر من الأخريات سوى بياضٍ يعيق بصيرتي.
ولستُ أدري لمَ بدأت ملامحك بلحاقِ تلك الذكريات، لذلك أستمرّ في التمعّن بصورتك باستمرار - رغم أنّها بدأت تبهتُ كذلك، وكأنّ الروح فيها قد غادرت مع روحك - والتي لا أدري أين مسكنها.

أزهار حديقة منزلنا قد ذبُلت، لذلك دائماً ما أواظب على الاعتناء برفيقاتها في مكانٍ آخر.

وبدأت روحي تتآكل. لا، بل بدأتُ أنا بنهشها حين أفكّر ليلاً رفقةَ النجوم.

هذه آخر أخباري، فماذا عنك، جين تشابلن؟
إن لم أعد، فاعلم أنّ درايدن قد انزجر وباد مدى الدّهر."

كانت أطرافه ترتجف حين وعى على نفسه بعد زمنٍ لم يدركه، ولم يعرف أكان ذلك من برودة المكان أم مشاعره المضطربة ممّا قد قرأ للتو.


×××


هوسوك بدأ يتغيّر بعد ما انعدمت طاقته بعد سنتين من الانتظار، وحاول لآخر مرة يتأكد واختار وودفيل بس حتى هي أكّدت له أنه جين مات. شو رأيكم؟
ايش حيعمل بالنسبة للعمل عند تشابلن؟

- الجزء الأخير من الفصل؟


🥀.

لوندرس.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن