شجرة بلا ماء

188 30 12
                                    

الفصل الثالث

_____________________

- بعد مرور يومان ..

اليوم هو موعد زيارتي للطبيب ، أظن أنه يتوجب عليَّ إخباركم أن ذلك النتوء قد ازداد وبدء ينمو بشكل أسرع ، مشاعر الخوف والقلق تُسيطر عليّ ، أدعو الله كل يوم أن ينتهي هذا الكابوس وأن أجد الحل عند الطبيب الذي سوف يساعدني أن أتغلب على هذا الألم .

- عند الطبيب ..

وصلتُ للعيادة وشرحتُ للطبيب تفاصيل ما حدث معي ، كان شارداً ينظُر إلى يدي وذلك النتوء الذي يخرج منها ويهز رأسه مع كل جملة أقولها .

شعرتُ بالقلق من رد فعل الطبيب الذي يظهر أنه قد عرف مشكلتي وأنه يُخفي شيئاً ما .

طلب مني القيام ببعض الفحوصات وأن أعود إليه مجدداً ، أكد لي أهمية أن أعرض عليه تلك الفحوصات وأن أسرع في إجرائها .

هل تعلمون لماذا فعلت بعد خُروجي ؟

مزَّقت ورقة الفحوصات المقررة ورميتها في سلة المهملات .
أجل أنا لن أخضع لأي فحوصات ، لن أعود لزيارة الطبيب ولن أذهب لطبيب آخر .

كان هذا قراري الذي اتخذته وداخلي كان يبكي خوفاً وألماً ، إن كان هُناك شيءٌ خطير بي فأنا لا أرغب بمعرفته ، لا أودُّ أن أعيش باقي أيامي انتظر لحظة مفارقة روحي لجسدي .

كانت الفكرةُ المسيطرة عليَّ حين أرى ذلك النتوء يكبر شيئاً ف شيئاً أن الطبيب سيخبرني بظرورة بتر أصبعي لإيقاف نموه .

هذا ما كُنت خائفاً منه ، لذلك أنا لن أبتر أصبعي ولن أسمح للحياة أن تغلبني ، سوف أواجه مرضي المجهول أياً يكُن ، وسوف أفعل ذلك بمفردي .

عُدت للبيت وتوجهت لدورة المياه ، توضأت للصلاة وسجدتُ باكياً أترجى خالقي أن يُعينني وأن يبعد عني هذا الشيء الصغير الحجم المرعب الشكل الذي زرع الألم في جسمي ونفسي فهو وحده القادر على شفائي وهو أعلم بحقيقة مرضي المجهول لي .

طيلة الأسبوع كنت أتحدث بشكل طبيعي لعائلتي ، كُنت أذهب إلى العمل بعد تناول جرعتي من المسكنات وكُنت أرتدي قُفازاً على يدي اليمنى دائماً .

يسألني الجميع عن السبب ولا أورِد لهم إجابة شافية ، كُل ما كُنت أنطق به " هذا ستايل جديد "

تمر الساعات وتمر معها الأيام ، الألم يزداد حدة ، النتوء يزداد حجماً ، ازداد خوفاً لكنني مع ذلك ازداد ثقة بخالقي ، ازيد من دعائي وتضرعي ، كلما رأيتُ ذلك الشيء يكبُر كُنت أزداد صبراً ، وكأن الله يعطي الأنسان صبراً يوافق حجم الابتلاء الذي أصابه .

كُل هذا وعائلتي غافلة عمَّا بي ، أشتاقُ إليهم جداً ، هم كذلك يشتاقون لي كما أفعل ، لكن الفرق هو أن مُعاناتي أكبر منهم

أنا مشتاق وحزين وخائف ..

- بعد مرور شهر ..

اليوم هو عيد ميلاد ابنتي ياقوت عمرها الآن ست سنوات .

أتصلت ل فجر و طلبت منها أن تدعني أتحدث إلى ياقوت وأهنئها بعيد ميلادها .

-" مرحباً ياقوتتي ، كيف حالكِ ؟
أوه لا يجبُ عليَّ أن أناديكِ ياقوتتي بعدَ اليوم لأنكِ أصبحتِ فتاةً كبيرة ، وسوف أجعلكِ تتزوجين قريباً "

-" ماااذا !! لا بابا أرجوك لا أريد الزواج بعد ، أريدك أن تعود وأعيش معك أنت وماما "

كان ردي عليها ضحكةً مشبعةً بالدموع ..
أغلقت الخط دون إجابة ، كلماتها هزَّت بداخلي كل ذرة بؤس وألم ، بكيتُ كما لم أفعل من قبل ، تعالى نحيبي ولم تمسح دموعي سوى يدي اليُسرى .

لماذا لم أمسحها بيدي اليمنى ؟
لأنها ببساطة لم تعد صالحةً لذلك ، لقد انتشر النتوء الصغير وأصبح الآن كبيراً ، كبيراً يُغطي كل أصابعي الخمسة التي لا يليقُ عليها تسمية أصابع ، هي نتوئات بشعة متحجرة لا تشبه جلد الإنسان بإي صلة ، إنها تماماً مثل ساق شجرةٍ عجوز .

لقد زُرت الطبيب بعد استسلامي للألم والخوف ، لكن هيهات ، حتى ذلك الطبيب الذي سخَّر حياته كي يرتدي ذلك المعطف الأبيض وقفَ عاجزاً عن ما يراه من أعجوبة مَرَضيةٍ بشعة ، أعلمني ذاك الطبيبُ بأسى أنني مُصابٌ بمرضٍ نادر جداً ولكنه أختارني أنا بالذات لسبب أجهله ..
أنا مُصابٌ بمرض الرجل الشجرة .

يبدو أنني كُنت مُحقاً تماماً في وصف مرضي ولم أكُن وحدي من يظُن أن جلدي تحول لساقِ شجرة بل إنه الاسم المُتداول والمعروف لهذا المرض المُميت .

لقد طُردت من عملي بعد اكتشافهم لمرضي ، من المقرر لي أن أعود بعد أسبوعين إلى الديار .

ما الأسوء من ذلك ؟
أن فجر و ياقوت لم تعلما بعد بأمر مرضي ولا أعلم كيف أعود إليهم بمنظري المرعب هذا .

ما الأسوء من جميع ما ذكرته ؟
أن النتوئات الشجرية تلك بدأت تنتشر في جميع أطرافي ولم تعد محصورةً في يدي اليمنى فقط ، وبدأت حقاً أُصبح نصف إنسان ونصف شجرة .

__________________

نهاية الفصل الثالث

نصفُ شجرةٍ | Half a tree حيث تعيش القصص. اكتشف الآن