صحراء قاحلة ( الأخير )

171 34 18
                                    

بداية الفصل الخامس والأخير

__________________

مر شهر منذ عودتي إلى بلادي ، أعيشُ كابوساً حقيقياً كل يوم ، عمتي لا زالت تعتني بي بدون شكوى .

قُرع جرس الباب وكانت عمتي في الحمام ناديتها بصوتٍ عالٍ وخرجت لترى من الطارق .

كُنت في الدور العلوي وكنت أحاول أن أعرف من في الأسفل ، خاصةً عندما تأخرت عمتي ولم تصعد .

فجأة وبدون مقدمات أطلت بمشيتها الهادئة وعيناها المنتفختين لكثرة البكاء والهالات السوداءِ التي تُحيطُ بهما .

تسمرتُ في مكاني ( أو أنني فعلاً متسمر من قبل أن تأتي ) أراقب تعابير وجهها .
بالتأكيد عرفتم من هي ، فجر زوجتي التي دفعني مرضي بعيداً عنها .

راقبتُ عيناها التي بدأت تضيق مع انخفاظ حاجبيها وارتعاش اطرافها ، بدأت دموعها تهطل ويزداد الخوف على ملامحها ، وضعت يدها على فمها وأطلقت صرخة رعب مدفونة وهي تشاهد جسدي من رأسي حتى أخمص قدميّ .
بعد حوالي دقيقة ركضت خارجةً من الغرفة واختفت من أمام عيني التي اشتاقت لرؤيتها .
بكيتُ حينها كطفلٍ صغير ، بكيتُ قهراً وحزناً وألماً واشتياقاً ، بكيتُ بقلة صبر ، انهارت كل ذرة قوة كانت بداخلي وتحولَت إلى ضعفٍ مطلق .
سمعت عمتي نحيبي وهرعت إلي تُحاول تخفيف ألمي لكنها أيضاً كانت تبكي معي شفقةً على حالي .

عاجز ومكتئب وذو شكلٍ بشع وفوق هذا كُله وحيد ..

سألتُ عمتي عن ما قالته فجر لها قبل أن تغادر وحلَّفتها بالله أن تجيب بصدق .
أجابت بعد أن ذرفت بعض الدموع :" قالت أنها آسفة جداً وأنها لم تستطع أن تتحمل أن تبقى أكثر من ذلك الوقت القصير الذي قضته معك لإنها تقززت فعلاً من منظرك وأنها مضطرة أن تعود للمنزل وأن تخبر ابنتها فجر أن أباها توفي في طريق عودته للمنزل "

ليس علي أن أشرح لكم كمية الألم التي أصابتني أثر كلمات عمتي البائسة ، أكتفيت بابتسامة حمقاء على وجهي مع دموعٍ حارة على وجنتي .

فوجئت عمتي بردي المختصر عليها :" الحمدُ لله على كل حال "

قلتها بقلبٍ يعتصر ألماً ويخفي نزفه تحت قناع الرضا ، لم أكن أرغب أن أكون ممن يسخطُ على مشيئة ربه لعليَّ أُجازى على صبري في الآخره بدلاً من عذابي في الدنيا .

- بعد يومان تقريباً ..

عاد خالد إلى المنزل ولكن هذه المره هو لم يكن وحده ، لقد كان يُمسك بيد طفلتي الصغيرة حين دخلا من الباب معاً ، انقبض قلبي وتسارع نبضه ، إنها ياقوت طفلتي الوحيدة التي حُرمت منها بسبب مرضي المُهلك .
لكن ما زاد ألمي اضعافاً هو نظرتها لي ، كانت عيناها مفتوحتان ويدها تتشبث بيد خالد بقوة كمن يقول له " أنجدني " كنت أرى صدرها يعلو ويهبط إثر أنفاسها الغير منتظمة ، كانت ترتعد بينما تشاهدني ، لم يستطع خالد إجبارها على الإقتراب مني أكثر كي لا يزداد خوفها ، لكنه نطق أخيرا وقال :
" والدكِ هُنا ياقوت هو لم يمُت ، والدكِ قد عاد لرؤيتك من جديد لكنه خاف من أن ترفضي وجوده لأنه مريض ، أخبرته أنه مُخطئ وأنهم جميعاً كذلك ، أنتي لن تخافي منه لأنه والدكِ الذي لطالمها أحببته وأحبكِ .. صحيح ؟"

نصفُ شجرةٍ | Half a tree حيث تعيش القصص. اكتشف الآن