الفصل الرابع
_____________________
- بعد مرور أسبوعين وحلول موعد العودة ..
اليوم المُنتظر .. فجر و ياقوت علمتا بأمر قدومي اليوم ، وصفته فجر أنه يومٌ يعادل فرحةٍ سنين من عُمرها ، ووصفته ياقوت أنه اليوم الذي ظلت تكتب عنه في كل صفحات مذكرتها .
كيفَ سأواجههما ؟
كيف سأحتظن ابنتي وأرفعها بيداي التي لا تقويا على رفع نفسهما ؟
كيف أعودُ لعناق زوجتي التي ستكون مرتعبة من الرجل الوسيم الذي تزوجته والآن يقف كالوحشِ البشع أمامها ؟بعدَ هذا التساؤل تذكرت تِلك الرسالة من فجر في جيب معطفي التي كتبها يومَ سفري ، قالت فيها أنها ستنتظرني بشوق لحين عودتي ، لكن يا ترى هل توقعت ماذا يُمكن أن يحدُث يوم العودةِ المنتظر ؟
ركبتُ الطائرة متجهاً إلى الوطن ، عيون الناس تكادُ تنهشني لكثرةِ النظر ، نساء ورجالٌ مرتعبون ومشفقون لحالتي .
أطفالٌ تبكي وتشتكي لوالديها من وجود وحشٍ معهم في الطائرة .هل سيكون هذا موقف ابنتي ياقوت كذلك ؟
لن ألومها ف أنا شخصياً أخاف من رؤية نفسي في المرآه فما بالكم بطفلة انتظرت عودة والدها الحنون لتفاجأ بشخص آخر تماماً .كل تِلك الأفكار جعلتني أفكر في الهرب بعيداً .
حينما وصلتُ إلى المطار ، استخدمتُ ما تبقى من يدي واتصلتُ لأخي ، أخبرته القصة وجميع ما حدث معي ، كانت مكالمةً مليئة بالدموع .
جاء أخي على الفور ورآني وكانت الصدمة باديةً على وجهه والخوف سيطر على ملامحه .
اقترب مني ببطئ كأنه يخشى مواجهتي .. حاول إخفاء مشاعره عني كي لا يجرحَ مشاعري ، لكنني أفهم تماماً ما يشعر به .
حاولتُ اختصار هذا الموقف السيئ وقلت له أنني أريد منه طلباً .
-" أريدك أن تكتب رسالةً بدلاً عني وتوصلها إلى منزلي وتتأكد أنها وصلت لأيدي فجر وأنها قرأتها ، لن أعود إلى المنزل "
تفاجأ أخي بما أقول ، قال لي أن عليَّ العودة لعائلتي كي تُعينني وأن فجر تحبني كثيراً وبالتأكيد ستقف معي في محنتي .
-" لا تتعب نفسك كثيراً خالد ، إن فجر تزوجت رجلاً وليس شجرة ، أرجوك أجلس الآن وأكتب ما أمليه عليك " قلت باقتضاب وأنا أشعر بالضجر من كل ما يحدث معي .
كتبتُ رسالة لها ، لحبي الوحيد في الدنيا فجري و ياقوتتي ".
" أنا يا فجر رجلٌ حزين ، شكلي تغير عن الذي كُنتي تعرفينه ، الأقدارُ لا تساعدني على النهوضِ من جديد
أنا رجلٌ وقفَ في وجه الحياة يتصدى لها كالشُجعان ولكن صُروف الحياة قهرتني ..
غلبتني كما تفعلُ الرياح بورقةِ شجر تُعاكس اتجاه هُبوبها ،
أنا يا حبيبتي قليلُ الحظ لكنني كثيرُ الحب
أنا وحشٌ مُرعب وأنتِ ملاكٌ رحيمأنا رجلٌ بائسٌ يا حبيبتي ولكنني ما زِلتُ أُحبكِ كما كُنت دوماً .. "
انتهيتُ الرسالة بشلال من الدموعِ المنهمرة التي تعكس ما بداخل قلبي من قهر وحزن دفين لا يعلمُ حجمه غيرُ الله .
حاول خالد تهدئتي لكنه وجد نفسه يبكي معي هو الآخر .
كانت لحظة من أسوء لحظات حياتي ، لحظةً إخترت فيها مصيري بعيداً عن أسرتي المُحبه التي جاهدت كي أبنيها وأحميها ، لكنني لا أريد أن أتسبب بالألم لهم وأجعلهم يعانون مثلما أعاني .
ربما كانت أصابتي بمرضي حينما سافرت تحديداً هي قدرٌ من الله كي لا تراني عائلتي بوضعي المُزري .ذهبت مع خالد إلى منزله للبقاء عنده ، هو يعيش وحيداً مع عمتي التي فارق زوجها الحياة منذ فترة .
كما هو متوقع كانت حالة الصدمة قد أصابت عمتي حينما رأتني وسمعت ما حدث معي ، لكنها رحبت بي عندهم وأقسمت أنها هي من سوف يعتني بي .
- بعد مرور أسبوع ..
كانت رسالتي قد وصلت إلى فجر ، أخبرني خالد أن حالتها سيئة وأنها لا تفهم لماذا فعلتُ ذلك بها وأن ابنتي تُعاني من الحزن وخيبة الأمل كأمها تماماً .
كُنت أتقطع لسماع هذا ولكن مهما كان فهذا أفضل لهم من مواجهة الحقيقة الصادمة والتعايش معها .
لم تكن عمتي نهال تُقصر في خدمتي اطلاقاً وكانت تعاملني كأبنها تماماً لكنني أكره كوني عالةً على غيري ، خاصةً أن حالتي تدهورت ولم أعد أقدر على المشي .
كانت آخر مرة رأيت فيها نفسي في المرآه هي عندما كُنت في أمريكا ولم أعد أجرؤ على رؤية منظري الذي لا محالة أنه ازداد سوءاً ورعباً.
_____________________
نهاية الفصل الرابع
أنت تقرأ
نصفُ شجرةٍ | Half a tree
General Fiction" مرحباً صغيرتي ، أنا طبيبتُكِ التي سوف تُعالجكِ ، أخبريني ما المُشكلة ؟ " " أهلاً .. اسمي ياقوت وعمري ٦ سنوات ، ليست لديَّ مُشكلة ولكنني حزينة جداً " " لا تقلقِ سوف نغلبُ الحزن معاً ، لماذا أنتِ حزينة ؟ " " لا شيء يستحق الذِكر .. أُمي لا تهتم بي...