دفتر وردي

67 7 14
                                    


يودع جوزيف والديه متوجها للحافلة ، حيث ينتظره أصدقائه ليلحقوا جميعا بموعد القطار المغادر عند السابعة للمدينة ، فهو اليوم الأول لهم للإلتحاق بالجامعة ، وبعد ذلك سيضطر الجميع لتأمين سكن جامعي لهم والعودة لقضاء نهاية الأسبوع مع العائلة ، كان جوزيف شخصية فضولية شديدة النهم للقراءة ، لذلك كان من أولوياته في هذه الرحلة وجود كتاب معه  ..

أقلّت الحافلة المغادرين لمحطة القطار ، نزل الجميع بسعادة ، فهم يخوضون تجربتهم الجامعية الأولى ..

تفرق الجميع في مقاعد القطار ووجد جوزيف مكانا له بجانب النافذة ، وما إن انطلق القطار حتى أخرج الجميع بطاقاتهم ليدفعوا بها للرجل ، ولكن بطاقة جوزيف وقعت جانبه عندما كان منهمك بقراءة كتاب بحوزته ، وحشرت بين الكرسي والنافذة ، أخذ يبحث بتوتر ، حتى لا يجد نفسه فجأة بموقف محرج ، اشتد توتره وإسراعه بالبحث ، فور وصول الرجل لجمع البطاقات ..

بحث جيدا حتى لمست يده دفترا صغيرا رفعه وإذا بالبطاقة عالقة بين صفحاته ، أخذها مبتهجا ودفعها للرجل ، شاكرا لوجود هذا الدفتر الذي علقت به ..

انتبه جوزيف للدفتر جيدا ، وساقه الفضول لمعرفة محتوياته قائلا في نفسه :

"دفتر مذكرات ورديّ ، لا بد وأنه قد سقط من فتاة ما ، ما الذي بداخله يا ترى ؟!  "

فتح جوزيف الدفتر ، فلم يجد فيه غير ثلاث صفحات مكتوبات ، لفتاة تدعى أنابيلا ، فتح الورقة الأولى لقراءة مذكرتها الأولى ، تقول فيها :

مذكرتي الأولى :

" منذ ذلك الوقت ، والحزن يفطر قلبي بشدة ، لقد طردني أبي وزوجته من البيت ، وهذا أول يوم لي في الشارع ، يريدني أبي أن أدفع له أجرة إقامتي لأنني لم أعد طفلة يجب عليه الاهتمام بها على حد قوله ، أخاف أن يحلّ الظلام علي ، أين سأذهب وقتها ، يا إلهي ساعدني .. أين سأقضي ليلتي ، لا بد أن أفكر فيما سأفعله جيدا ، ولدي مبلغ زهيد من المال ، يجب أن أستغله جيدا بإنقاذ نفسي ، استقل الآن القطار للمدينة ، لا بد أن أبحث عن عمل ما قبل نهاية اليوم ، لقد نسيت ، الإجازة على وشك الانتهاء ، ويجب علي الالتحاق بالجامعة أيضا .. أطلب من الله الآن أن يرأف بي  "

ثم انتقل بفضول إلى الذكرى الثانية ، كتبت صاحبتها أنابيلا فيها :

مذكرتي الثانية :

" كل ما يؤلمني الآن أخي الصغير من والدتي ، لقد رفض أبي أن آخذه للعيش معي ، لذلك فأنا مضطرة في بداية كل أسبوع للنزول للقرية والالتقاء بأخي، لأطمئن عليه وأعطيه مصروفا يكفيه طيلة الأسبوع ثم أستقل القطار عائدة في نفس اليوم ، لقد وجدت عملا استطعت من خلاله سداد بعض مصروفاتي و ضمان جزء من تكاليف الدراسة الجامعية، إن تم قبولي ، فأنا الآن أعمل بتنظيف مرافق ناد رياضي بعد اغلاقه بضع ساعات ، وكجليسة أطفال أيضا ، ولا أعرف ماذا سأفعل إن التحقت بالجامعة ، لا أريد أن يؤثر ذلك على عملي "

فتح جوزيف الصفحة الثالثة ، وكانت آخر صفحة مكتوبة بذلك الدفتر ، كتبت فيها :

" أجلس الآن في زقاق بعيد ، لا أملك بيتا ولا وظيفة ، خسرت وظيفتيّ في أسبوع واحد ، بسبب جاك ، ذلك الطفل المدلل ، عندما رأى دفتر مذكراتي حاول أخذه ، فمنعته فتظاهر بالاختناق إثر نوبة بكاء لم تنقطع ، فطردتني والدته ،وللمصادفة كانت ترتاد ذات النادي الذي أنظفه ، فكانت سببا بطردي منه أيضا ، ولم استطع دفع أجرة المنزل ، وأنا الآن أملك بطاقة صرّاف آلي  وبعض مما ادخرته لدراستي والبعض لأخي فأنا لن أكف عن زيارته أو الاعتناء به ..
بت لا أملك مكانا لأخبئ أغراضي إلّا في هذا القطار لا يمكن لأحد أن ينتبه .. "

قلّب جوزيف الدفتر فوجد في غلافه الجلدي بالفعل بعض الأوراق المطوية وبطاقة الصرّاف ، قائلا في نفسه :

" كم هي غبية ، أو لعلها يائسة ، علمت متى تنزل في هذا القطار وسأحتفظ لها بالدفتر وأضعه قبل موعد رحلتها المعتادة ، في ذات القطار  "

لا يعرف جوزيف لماذا اتخذ هذا القرار غير أنه شعر بالحزن تجاهها ، وأراد مساعدتها دون أن يعرفها ، ومن ناحية أخرى ، أراد ضمان قصة حيّة يقرأها ، فقد شده الفضول لمعرفة ماذا سيجري معها بالمستقبل ..

مذكرات متشرّدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن