فتح جوزيف الدفتر ليقرأ مذكرة أنابيلا الخامسة ، كتبت فيها :
مذكرتي الخامسة :
" هذا المكان يبعث أحيانا على اليأس ، وأحيانا أخرى يدفعك للعمل أكثر ، لتتلافى أن تكون فيه في يوم من الأيام ..
كنت مضطرة لإبداء اهتمام كبير بالمسنين كنوع من المصداقية لوجودي هنا ، تعرّفت على بعض المسنين ، وكان أحدهم بحاجة كبيرة للحديث ،كنت أذنا صاغية له ، كان يتحدث ويزيدني ألما ، أصبحت أقضي وقتا كبيرا للاستماع له ، وفي كل مرة أتساءل ، كيف لأحد ما أن يتخلى عن مثل هذه الخبرة في الحياة ، لأجل أنه تقدم في السن فقط ، أو أنه أصبح عاجزا عن القيام بأمور صعبة ..ولكنني بابتسامة ساخرة تذكّرت حالي ، وأن هناك أناسا قد يتخلون عنك ليس لعجزك ، بل لأنك يجب أن تعتمد على نفسك ، وفي كلتا الحالين ، نحن نموت من الوحدة ، ولذلك كان على كلينا التأقلم، والفارق أن أحدنا يُرمى في الشارع ، والآخر يجد مكانا ينام فيه على أقل تقدير ، لقد ساهم وجودي هنا في تقدير حياتي أكثر ..
يجب أن أستعد الأسبوع القادم للانتقال لدار مسنين جديدة ، والأمر الجيّد أنني حصلت على ورقة تفيد بأنني قدمت خدمة تطوّعية هنا ، كان هذا جيدا ، سيفيدني ذلك في الانتقال لدار مسنين اكتشفت بأنها أقرب للجامعة التي انتسبت لها ، فالدوام سيبدأ الأسبوع القادم "كان جوزيف قد تعلّق بكل كلمة تكتبها أنابيلا ، لا سيما أنها قد تقاربه في العمر ، شيء ما بداخله بدأ يكره أن تنتهي تلك الكلمات ، وخاصة مع اقترابه للمذكرة السادسة والأخيرة ..
مذكرتي السادسة :
" لقد توفي العم رودي قبل أن أغادر ، لا بد وأنه قد أفرغ كل ما في جعبته لي من كلام ، وشعر بضرورة رحيله ، ولكنني تفاجأت بأنه قد أوصى في ورقة صغيرة بأن يقدموا لي كل مقتنياته في صندوق كبير مغلق ، كنوع من التقدير لما قدمته له من اهتمام ، شعرت بحزن كبير لمفارقته ، وفضول كبير لما يكون قد تركه لي في ذلك الصندوق ، سأقوم بفتحه في حالة انتقالي للدار الجديدة ، فلقد هممت بالرحيل فعلا "
صاح جوزيف :
" أوه ، لا ، يا إلهي لماذا توقفتِ هنا ، كان يجب عليكِ أن تفتحي هذا الصندوق ، لماذا علي أن أنتظر أسبوعا آخرا لأعلم ما الذي تركه العم رودي لكِ ، آه ، أنابيلا أنتِ كاتبة قاسية "
وضع الدفتر في درجه وأقفل عليه بالمفتاح ، ثم أخذ يكمل بمخيلته سيناريوهات عدة لما ستجده وما سيحدث معها ، ولكنه أزاح كل الأفكار عن رأسه عندما شعر بأنه غارق بها بلا هدف ، وذهب ليجلس قليلا مع رفاقه ..
اليوم الأول للجامعة كان روتينيا ومملا حتى اخر محاضرة ، حينما رأى جوزيف أماندا تدخل ذات المحاضرة التي هو فيها ..
أماندا فتاة قد تبدو متوسطة الجمال حتى تبتسم ، لتظهر في وجهها قسمات إضافية تزيّنه ، قد تجعلك تذهب لعالم آخر ، فكل شيء إن ابتسمت يبدو مثاليا جدا ..
ولكن جوزيف كان يراقبها من بعيد فقط ، وطوال الأسبوع ، كان ينتظر محاضرته الأخيرة ، حتى يرى أماندا ، كان دائما يتعجّب من كونها وحيدة لا تكوّن صداقات ولا تحادث أحدا أبدا ، تغادر بأسرع وقت ممكن ، وتنتبه لكل تفاصيل الدرس دون أن تلتفت لأحد ، تحاول إنهاء أي حديث بشكل سريع ، لا تسمح لأحد بالتقرب منها أبدا، فأخذ يفكر في كيفية إقامة حديث مطوّل معها وكيفية فعل ذلك ..
أنت تقرأ
مذكرات متشرّدة
Kurzgeschichtenدائما ما تحمل رسالة الورق مشاعرا وقيمة ، قد تغيّر بها حياة إنسان ، فكيف بدفتر منها ، لا يُكتب إلا بدافع التنفيس والتفريغ عن ظلم على كاهل فتاة لم تجد من يهتم لأمرها ، ويحدث أن تسبر تلك الكتابات عمق أحدهم ..