شعر جوزيف أنه خسر ذلك اللون الجميل الذي أضافته أماندا لحياته ، بالرغم من حذرها بالحديث وهدوئها ، إلا أن شيئا ما داخله يخبره أنه يعرفها منذ زمن بعيد ..
أعاد التفكير في حياته ، ألم تكن روتينية دائما ، ليستحضر قصة العم رودي ، ألم تكن قاسية جامدة ، لو لم تمت زوجته قبله لربما عاد للمنزل حتى بعد خسارته للمال ، لو قابل فتاة كأماندا لربما أعطته لونا آخر لحياته ..
ثم تذكر والدته وكلماتها ، إما أن يحوّل الحب حياتك للنعيم أو الجحيم ، وأن لا يعطي قلبه بسهولة ، ليحدث نفسه بعد كل هذا التفكير :
" أعتقد أنني يجب أن أبحث عن أماندا ، ليس من حقها الاختفاء بهذه الطريقة المفاجئة "
وبالفعل قام جوزيف بسؤال الجميع عنها ، المُحاضرين والمدرسين ، ومن يشتبه أنها تحدثت معهم ، عاد لخط سيرها وسأل الباعة عن أوصافها هل رآها أحد ، ولكن للأسف لم يعثر على أيّ أثر لها ..
عاد لسكنه ، جلس على مكتبه حزينا ، ينظر لما بعد الواجهة الزجاجية وقد بدأ الظلام يغطي المدينة ليضيع ذلك الشفق الأحمر يكتنفه الظلام فتبدأ أنوارها بالإضاءة ، وهو غارق بالتفكير تائه في إيجاد خيط صغير قد يدل عليها ، أين هي ؟
وفجأة يسمع صوتا خلفه يرعبه ، فيصرخ محتفظا برباطة جأشه :
" هي ... ألبرت ! "
" تركت الباب مفتوحا جوزيف ، سال نائم بغرفتك بالمناسبة ، حتى لا تتفاجأ "
" حسنا ، لا بأس ، أقصد شكرا لأنكما أمضيتما اليوم هنا حتى لا أتعرض للسرقة "
" ولكننا نحن من تعرضنا للسرقة "
" ماذا ، لماذا لم تتحدثا إلي ؟ "
" لأنه أنت من سُرق يا صديقي ، إحداهن سرقتك منّا "
" لا بأس لم تعد موجودة بعد الآن ! "
" ماذا ؟ ، ما الذي حدث ؟ ، هل كانت أماندا بهذا السوء ، أوه آسف ولكن الجميع لاحظ وجودكما معا "
" لا ، ولكنها اختفت فجأة ، لم تحضر للجامعة حتى ، أخاف أن مكروها قد أصابها ، بحثت عنها دون أي أثر يدل عليها "
" هل طلبت من الله أن تجدها ؟ "
" ماذا ؟، لم أفكر بذلك ؟ "
" عندما يكون وحده يعلم أين هي ، فاسأله عن مكانها ، أنا متأكدٌ بأنه سيجيبك "
" شكرا لك ألبرت ، لقد أعادت كلماتك لي بعض الأمل "
" العفو يا صديقي ، نحن دائما بالجوار ، لا تنسى ذلك، عندما يستيقظ ذلك الأبله دعه ينظف غرفة الجلوس ، خذ هذه "
رمى ألبرت بعلبة عصير لجوزيف ثم ألقى تحية وغادر ..
كان الظلام قد حلّ أكثر ، فأضاء مصباح المكتب ، أخذ نفسا عميقا وطلب من الله أن يدله على مكانها ، وغفى بضعة دقائق على الطاولة وقد تناثرت حوله الكتب التي تغطي بعض الورق ودفتر أماندا لا يظهر منه إلا درس المحاضرة الأخيرة من بين هذه الفوضى ، استفاق جوزيف ، يشعر بألم في رقبته ، أزاح أثر النعاس ، وقرر أن يركز قليلا بدروسه ، نظر لنهاية ضوء المصباح نحو الكتب التي يقترب منها ظلام الغرفة ليتفاجأ ..
" دفتر أنابيلا ! ، لعلي لم أضع الدفتر ، لا أذكر أنني أهملت ذلك "
اقترب من الصفحة التي اعتقدها بأنها جزء من مذكرات أنابيلا ، أزاح الكتب عنها ليتفاجأ بأنه دفتر أماندا ! ..
تسمّر مكانه قليلا ، أو لعل عقله توقف لبرهة ، لا يعلم ما الذي يحدث ، ذلك هو الشيء الوحيد في الظلام الذي بدا واضحا جدا ، لقد أنارت بقعة الضوء تلك على ذلك اللغز ، لطالما شعر أنه قد رأى خط أماندا من قبل ! :
" أماندا هي نفسها أنابيلا ! "
أمسك رأسه بكلتا يديه وقد تدافعت كل تلك الأفكار صارخا :
" لاااا ، هذا غير معقول ، مستحيل "
عندها تدافعت الذكريات كالسيل ، ولكن لم لا ، الخط هو هو نفسه ، عندما كانت كتابات أنابيلا تعيسة كانت أماندا أكثر انطواءا ، عندما حصلت أنابيلا على مبلغ من المال ، كانت أماندا أكثر توردا وأناقة ، أنابيلا تعرضت لإطلاق الرصاص ، بينما كانت أماندا تلمس كتفها الأيمن باستمرار عندما تغرق بالضحك ،وأنها كانت تشعر بألم ، وفي النهاية ..عندما اختفى دفتر أنابيلا ، اختفت أماندا !
" يا إلهي ، هل هي هي؟ ، هل تريدني أن أتبع الدفتر؟ "
كانت تلك صدمة منطقية لعقل جوزيف ، وحينها كان يصدق هذا التحليل ويكذبه بينه وبين نفسه ، لعل هذا صحيح ولعله خاطئ ، ولكنه قرر أن يعود يوم غد ليبحث عن الدفتر في الوقت المعتاد ..
وفي اليوم التالي ، انكبّ جوزيف يدرس بنهم حتى يقتل طول الوقت حتى المساء ، واتصل بوالديه ليخبرهما أنه سيضطر للبقاء حتى نهاية فترة الامتحانات ..
وفي المساء وعند اقتراب الوقت ، حمل بيده دفتر أماندا ، بالإضافة لأغراضه ، ثم تناول وجبة سريعة في طريقه ، وجلس في المحطة ينتظر القطار ، لتهز كتفه خبطة ثقيلة الدم ..
تنهّد جوزيف وقد علم بأنه يجب عليه اختلاق قصة ما عن قريبه الخيالي ،لذلك الرجل بائع التذاكر ، ثم غادر الرجل لعمله عند وصول القطار ، نزل الركاب ، حاول جوزيف أن يميّز الركاب ، هل بهم أحد يشبه أماندا ، نزل بضع كبار في السن ، عائلة صغيرة ، بعض الموظفين ، بعض الفتيات ، فتاة تشبه أماندا ولكن فقط من بعيد ، ترتدي قبعة كبيرة تغطي وجهها بعض الشيء ، إنها مريضة وكئيبة أكثر من كونها أماندا ، تسعل وتمشي بثقل ، وكانت آخر من ينزل ..
اتجه جوزيف يائسا لمكان الدفتر ، أخذ نفسا عميقا فقد شعر ببعض الاضطراب في نفسه ، اقترب واضعا يده في ذات المكان ليلمس الدفتر ، ابتهج وقام بسحبه ، وبحركة لا إرادية منه ضمّ الدفتر مبتسما ، يرجو في نفسه أن يكون هو طرف الخيط الذي يبحث عنه ، ورجل التذاكر يراقبه وهو لا يعلم ، شعر جوزيف بالخجل من نفسه ، ابتسم بإحراج في وجه الرجل ، ثم أخذ الدفتر وخرج ، وكأن روحه عادت إليه ..
أنت تقرأ
مذكرات متشرّدة
Historia Cortaدائما ما تحمل رسالة الورق مشاعرا وقيمة ، قد تغيّر بها حياة إنسان ، فكيف بدفتر منها ، لا يُكتب إلا بدافع التنفيس والتفريغ عن ظلم على كاهل فتاة لم تجد من يهتم لأمرها ، ويحدث أن تسبر تلك الكتابات عمق أحدهم ..