الفصل الثالث

3.2K 77 4
                                    

الفصل الثالث
اعتدلت فى جلستى وأمسكت بالهاتف متسائلة من يكون صاحب الرقم المجهول ،ربما احدى المعاكسات فبالعادة لا أجيب على أرقاماً مجهولة ،قررت عدم الرد ثم وضعته جانبى أراجع تلك اللحظات السعيدة مرة أخرى ، ولكنه كرر الاتصال مرات ، فأمسكت بالهاتف اجيب ربما يكون الطالب اعرفه وجاءني صوته يهيمن على صمتى :
_ الو ، زينة معايا؟!
خرجت الحروف من بين شفتى خافتة بعدما تأكدت من صوته تزاحمها ضربات قلبى المتسارعة :
_ ايو انا
_ ايه ده هنبدأهاتقل كده من الاول ولا ايه ؟!انا افتكرت الرقم غلط لما مردتيش وكنت هقفل خلاص
كتمت ابتسامتى متعجبة من جرءته فلم يدم بينا سوى سويعات وكان الحديث أغلبه مع والده :
_ لا بس فى العادة مبردش على ارقام غريبة معرفش انه رقمك
_ ايه ده وهو والدك مقلكيش انى خدت رقمك منه بعد مااستأذنته طبعا ،عشان اكلمك ؟!
جاوبته وانا أشعر بحمقى وحرجى منه :
_ بابا خرج علطول بعد مامشيتو لسه مرجعش
_ اممم ، عموما انتى عاملة ايه ؟!
وبدأ يتحدث وكلى اذنً صاغية اخشى ان يفلت منى حرف او كلمة لم انتبه لها كان مرحاً جدا صوته رخيم جذاب خفيف الظل لم يكف عن الدعابة والمزاح ، كان يتحدث فى أمورا هامة وبعضها تافهة وكان ردى مقتضباً مازالت لا ادرك كيف حدث ذلك أشعر بأنه حلم جميل وفاق خيالى ، مضت بضع ساعة وانا أشعر كأنها ثوانى معدودة وانتهت المكالمة بترتيب موعد للنزول، لقضاء مايلزم الزفاف ، ومرت الايام ونحن نعتاد على النزول سويا برفقة أبى وأمى الذين كان يسيران كالمجذوبين خلف مقام احد الاولياء الصالحين من فخامة تلك الأماكن الذى كان يصحبنا اليها حسن ، أنجزنا كل شئ وانقضت الايام بسرعة مذهلة حتى أتى يوم الزفاف ، بعث لى حسن السائق فى الصباح ليقلني إلى احد وأفخم صالونات التجميل التى لا يرتدها الا أصحاب الطبقة المخملية فقط والمشاهير
دخلت ذاك المحل الضخم المكون من طابقين خلف تلك السيدة الأنيقة التى يبدوا انها كانت صاحبة ذاك الصرح أسير خلفها مشدوهة فاغرة الفم من أناقة ورقى المكان الذى شعرت فيه بضئالتى الشديدة ، ثم اولتنى لإحدى الفتيات التى قابلتنى بابتسامة مصطنعة بعد ان أمرتها ببعض التعليمات ، اخذتنى تلك الفتاة الى غرفة بها بعض الأجهزة ووضعتني على سرير طبى بعد ان امرتنى ان أخلع ثيابى وأحيط نفسى بتلك المنشفة الطويلة دون أكمام ثم مددت جسدى على ذلك السرير الطبى وشرعت تضع مستحضرات طبية ثم تعيد ازالتها وهى تتحدث وتسألنى بفضول :
_ انتى تبع مين بقى اصل متوصى عليكى جامد اوى مدام ليليان بنفسها هى اللى هتمكيشجك بنفسها دى محصلتش من كام سنة
جاوبتها وشعرت بملامح وجهها التى تبدلت للذهول وخمنت مادار بذهنها فهيئتى البسيطة وحتى ملامحى لا ترقينى لذلك النسب عائلة الراوى الصغير والكبير الجاهل والمثقف يعلمها على مستوى السياسة وعلى مستوى المال ، انتهينا اخيرا بعد ان مررت على اكثر من فتاة فى غرف مجاورة لبعضها وكأنهم ألالات ديناميكية بمجرد دخولى يشرعون فى العمل فى الجزء الذى يخصهم وانتهيت اخيرا انظر لنفسى بالمرآة وبفستان الزفاف وسط دهشة امى ورقية ابنة عمى والتفت حولنا بعض العاملات فى الصالون يطلقن الزغاريد ،كانت دقائق اوربما ساعات لا اعى مايحدث ولا تلك العروس بالغة الجمال التى امامى فى المرآة ، وتحول ذاك السكون المؤقت إلى فوضى من الزغاريد حينما عند حضرت أحدى العاملات تخبرنا بحضور العريس وانتظاره بغرفة الاستقبال
لا ادرى ان كانت ساقاى هى التى كانت تحملنى إليه او ذاك الحشد الذى كان خلفى هو الذى كان يدفعنى اليه ، او ربما ساقاى التى تحولت بشكلا آلى تمام لا اشعر بها فقط مسيرة مثلى ، أقبل علّيا يشع جاذبية وأناقة وعطره الجذاب يسبقه الىّ بمرحه المعتاد وخفة ظله يشكك فى كونى عروسه المنشود وتحولت ملامحه من الهزل الى الجدية عندما شعربتوترى يمسك برأسى يقبلنى من بين عينى :
_ أحلى عروسة والله
ثم مد إلى ّ ذراعى لأتبأطه لنسير نحو الخارج لأرى ذاك السرب المهول من السيارات الفارهة المتراصة خلف بعضها تتقدمها تلك السيارة المزينة بأناقة شديدة بأنواع من الزهور يقف بجوار بابها الامامى ذاك المهاب الضخم ذو النظرات الجامدة يرمقنى لثوانى ثم أقبل إلينا يطوق اخاه لاادرى ان كان مارأيته تأثراً ام اسفاً عليه ليبادر قائلا :
_ ألف مبروك ياحسن ، ثم انتقل ببصره الىّ قائلا
_ الف مبروك ،
بادلته التهنئة وقلبى يكاد يقفز من الخوف من هيبته ونظرته التى تربكنى كثير
_ الله يبارك فيك
ثم أخفض بصره فى الارض ليتوجه نحو السيارة ويتأخذ مكانه خلف الموقود ثم يقلنا الى وجهتنا .
لم يكف حسن عن المزاح طوال الطريق لكنه ظلا صامتاً وكأنه غير موجود حتى وصلنا الى ذاك القصر الفاره شديد الفخامة والرقى ، الذى شعرت معه بقبضةفى أمعائي وكأنها انحصرت فى مكان واحد فى تجويف بطنى
نزلت من السيارة بمساعدة حسن الذى كان يقف أمام بابى ممددا يده الىّ بابتسامة واسعة لأمسك بها ثم انزل من السيارة متوجهين نحو ذاك القصر الشامخ الذى تراص فى مدخل بابه مجموعتين من الخدم على الصفين بأخرهما أمرأة مسنة شديدة البياض قعيدة على كرسى متحرك تضم إحدى يديها الى معدتها يبدوا انها اصابها مااصاب ساقيها ممدده بيدها الاخرى السليمة إلى حسن وعينيها تهطل منها العبرات اقبل نحوها بلهفة يجثو على ركبتيه ليطوقها بذراعيه فى تأثرا واضح وبعد ان انتهى من معانقتها اشار الىّ بيده :
_ تعالى يازينة سلمى على ماما
أقتربت منها ثم انحنيت بجذعى لأقبل يدها واستسلمت لعناقها الدافئ ثم اعتدلت بعد لحظات بادلتنى ابتسامة هادئة مطمئنة :
ألف مبروك ياحبيبتى ربنا يباركلكوا فبعض
بادلتها الابتسامة :
_ الله يبارك فيكى ياماما
اقبل عمى نحونا ليصافحنا هو الاخر ثم أمرنا بالصعود الى جناحنا ليمسك بيدى حسن ثم نتجه الى ذاك الجناح الخيالى الذى لم يخطر ببالى مدى روعته ورقيه مهما بعدت بخيالى الفقير
اغدقنى حسن باللطف والحب كان فى غاية اللطافة والحب مما كان يثير فى نفسى الشك دائماً أننى مازالت بذاك الحلم وانقضت مدة شهر العسل التى كانت جنة من الحب والسحر ، أشار الى حسن بالنزول ومشاركة العائلة المائدة وسررت لطلبه
ارتديت أفضل حلتى وجذبنى حسن الى صدره يتغزل فى عينى وشعرى المسترسل الطويل خلف ظهرى ثم قبلنى من وجنتى ووضعت حسابى ثم أمسك بيدى وذهبنا الى غرفة المائدة التى كنت أراها للمرة الاولى الخدم يضعون أشهى الطعام على طول الطاولة الواسعة يترأسها عمى عبد العزيز وبجواره من الجانب تلك السيدة بالغة اللطف والحنان أقبلت نحوهما ألقى التحية ثم قبلتها ، مدحتنى بلطف كذلك عمى عبد العزيز ثم أخذ كل منا مقعده حتى دخل علينا ذاك المهاب غامض النظرات وماان وقع بصره علينا حتى تجمد فى مكانه برهة وكأنه أراد العودة ولكن استجاب لدعوة والده ووالدته ثم جذب احد المقاعد وجلس ،
لم يكف حسن عن مغازلتى وربما إطعامى فى بعض الأحيان مما جعلنى أشعر بالخجل الشديد ، بعد دقائق هب قائما واستئذن بالانصراف ، شعرت بشئ غريب فى تصرفه هذا ربما من تصرفات حسن المتمادية لكن ادركت بعد ذلك لم تكن تصرفات حسن السبب ، فقد اجتنب مشاركتنا الطعام حتى فى عدم وجود حسن بعد سفره للعمل ، وكنت دائما أتسأل ماسر اجتنابه لى انا بالذات ونظراته المشحونة عندما التقى أبصارنا وجاءني الجواب على مر الايام وادركت انه شخص برجوازي يميل الى الطبقية وان زواجى من حسن يعتبر وصمة للعائلة من وجهة نظره وتأكدت من ذاك الشعور اكثر عندما سمعته يصرخ فى الهاتف على احدهم فى أحد المرات :
_ انت مش عارف احنا عيلة مين؟! عيلة الراوى طول عمرها فى السما انا هخرب بيتكم
وتوالت الايام حتى ذلك اليوم بعدما عاد حسن من السفر واجتمعنا على المائدة كنت مسرورة جدا بعودته وخصوصاً عندما علمت بنبأ حملى وأخفيت عنه الامر لحين عودته
....................................
بقلمى الاء عبد الله

نوافذ مظلمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن