الفصل الرابع

3.1K 75 8
                                    

الفصل الرابع
اجتمعنا على المائدة واقترب منى حسن يدللنى أمام الجميع كعادته ثم قاطعته والدته مازحة :
_ يااااه زينة كانت وحشاك اوى كده ياحسن ؟!
ادار رأسه اليها وعلى وجهه ابتسامة :
_ امال ايه ياماما لو علّيا مكنتش سيبتها بس اعمل ايه الشغل بقى
نظر اليه وعينيه تتطاير منها شظايا الشرر يصك أسنانه فى غضباً مكتوم حتى بانت معالم فكيه :
بجد ؟! وايه اخبار الشغل بقى ؟!
بادله نظرة محتقنة وهو يضغط على كل حرف :
_ كويس بيسلم عليك
تبادل الاثنان نظرات ً نارية تنم عن علاقتهما التى بدأت تتوتر ، تدخل عمى عبد العزيز ليزيل ذلك التوتر :
_ حمدلله على السلامة ياحسن ، زينة كانت محضرالك مفاجأة
صوب الاثنان نظرهما الىّ فى انتظار ماسيخرج من فمى
شعرت بسخونة جسدى وحبيبت العرق التى نبتت على جبهتى ثم بادرت بابتسامة هادئة وخرجت الكلمات منى خافتة : انا حامل
كافح لإظهار ابتسامة ممزوجة بالدهشة :
بجد .. ألف مبروك
سلط ذاك المهاب نظراتً حارقة نحو حسن تكاد تحرقنا نحن الجلوس جميعنا ، ثم اخفض بصره فى الطبق الذى امامه لم يعلق بأى شئ
حاولت دفع ذاك الشعور الذى تسلل الى قلبى ووأدالفرحة بقلبى وتدافعت العبرات تتزاحم بمقلتيى فماكان من حلاً سوى الهرب فستأذنت متعللة بالتعب وانصرفت الى غرفتى مطلقة سراح عبراتى التى كانت تحرق صدرى قبل مقلتيى ، لم يتبعنى حسن كما العادة فهو يعلم شعور أخيه بالبغض نحوى ، بعد وقت هرعت الى الشرفة على صوته الهادر يوبخ احدهم بقوة حتى تدخل حسن فاستدار اليه ينفث فيه غضبه المكتوم ويبدو انهما احتدا فى الحديث سويا حتى انقض عليه من تلابيبه يعنفه وعينيه تكاد تفتك به ، لم اراه ابدا بتلك الشراسة ، والغضب ، كأنه وحشاً كاسر فك قيده بعد أعواما من القيد والحبس ، تدخل عمى عبد العزيز وعزل بينهما بحزم ، وبرغم تلك المشاجرة التى كانت ربما ستنتهى بما لا يحمد عقباه لولا تدخل والدهما لكنى لم استطع تفسير حديثهما الهادر كان يقفان بعيد اً فى أقصى الحديقة بالكاد أتى صوت ضجيجهم الىّ ، دلفت الى ّ الداخل ثم جلست على طرف السرير أفكر حتى جاء حسن ووجه محتقن بالدماء يتصبب عرقاً ربما شعرت بهزة خفيفة فى جسده تحت وطأة غضبه عندما اقتربت منه امسد على ظهره
انتظرت حتى هدأ قليلا ثم بادرته بتلك الفكرة التى توصلت إليها :
_ انا عارفة انه مضايق من وجودى انا ياحسن عشان كده احنا ممكن نسكن بره البيت خالص وكده هيبقى مرتاح واحنا كمان نبقى مرتاحين
استدار الى وباغتنى هادراً :
_ مايضايق ولا يتفلق دا بيتى زى ماهو بيته هو هيفضل فاكر نفسه الواصى علينا والحاكم بأمر الله لإمتى
نظرت اليه وفى صوتى نبرة رجاء:
_ خلاص يبقى تاخدنى معاك وانت مسافر وكده هيخف التوتر برضه
انتفض واقفا يتجه نحو الشرفة :
_ مش هينفع يازينة خالص انا هناك ببقى طول الوقت بره وبرجع متأخر مش هبقى اطمن اسيبك لوحدك وبعدين وانتى حامل كده فى الاول
ألقيت بجسدى المثقل بالهم على طرف السرير اسأله بحيرة :
طب وبعدين ايه الحل هنفضل كده ؟!
ظلا جامدا فى مكانه عينه مصوبة فى الفراغ امامه :
_ انا هتصرف
مرت الايام وازدادت سفرات حسن هربا من جو البيت المشحون دائماً مع أخيه وزداد حنقى وغضبى منه فتلك الايام كنت أولى بقرب زوجى منى فى فترات الحمل وتقلباتها وربما تغيراتها التى كنت أراقبها بسعادة بالغة ، وحجم البطنى التى تتمدد يوم بعد يوم وركلات الجنين التى كنت أتوق الى ان يلمسها ويشعر بها حسن الم يكن هو أولى بالوجود هنا بدلا من ذاك المتغطرس فى النهاية استسلم لذلك القهر الذى أشعر به وادع الايام تحملنى الى وجهتهاحيث شاءت،
كنت أقضى أيامى بصحبة والدة حسن تلك السيدة البسيطة هادئة الطباع ، فتحدثنى عن شبابها ثم زواجها بعمى عبد العزيز مروراً بأنجابها لحسين ولدها الأكبر ، ورغم حنقى منه الا انى كنت مجذوبة جداً لحديثها عنه ويساورنى الفضول عن ذاك المهاب الغامض ، فعلمت منها انها أنجبته بعد عاماً من زواجها ثم مرت أعوام دون إنجاب وأخبرها الطبيب انها لن تنجب مرة أخرى ومضت ثلاثة عشرة عاما ثم علمت بنبأ حملها بحسن الامر الذى دب الفرح والامل فى الحياة لتلك العائلة مع قدوم حياة أخرى الى البيت ، وانتقلت تحدثنى كيف كان حسين أشدهم فرحاً بقدوم أخيه الصغير وكيف كان يعتنى به كأباً وليس كأخ على مدارالسنين وكنت اتعجب من حديثها الذى يغاير ما أراه دائما ، وتسألت بصمتاً داخلى أترى انا السبب فى ذاك الصدع الذى نشب بينهما؟ ، لكنها لاحظت شرودى فغيرت مجرى الحديث إلى أيام البلدة وجوها الساحر وصنوف الأكل الريفي التى حرمت منها ، منذ أن أصبحت قعيدة ذاك الكرسى المتحرك ، كنت أستمع اليها بإنصاتً وشغف او ربما أقنعت نفسى بذاك فلا خيار امامى لقتل وحدتى سوى بذاك الحديث الذى سمعته ربما عشرات المرات ، فى اليوم التالى قررت ان اصنع لها شئ تحبه من صنوف الطعام التى أخبرتنى عنها ، نهضت باكرا وذهبت الى حجرة الطبخ فى الطابق السفلى ، كان يوم استراحة الخدم كان البيت خالى تماماً الا من حارس البوابة ، انتهيت ثم أخذت احمل ذاك الوعاء الفخارى متجهة الى غرفتها ، طرقت الباب فأذنت لى بالدخول ، فوجدته يجلس امامها يضع على ساقيه طاولة معدنية ، يضع عليها بعض صنوف الفاكهة ويطعمها فى فمها ، وماان دلفت داخل الغرفة حتى نهض يضع الطاولة المعدنية على الكمود المجاور للسرير ملقياًبصره بالارض يستأذن بالانصراف ..
أقتربت منها أحمل الوعاء الساخن وماان لمحته بيدى حتى تهلل وجهها:
_ الله دا رز معمر تسلم ايدك يازينة بس ليه تعبتك نفسك يابنتى وانتى تعبانة كده
بادلتها ابتسامة :
_ تعبك راحة ياماما يارب بس يعجبك
أمسك بالملعقة بجوار الوعاء ثم شرعت بتناول أول ملعقة أغمضت عينيها بقوة مهمهة:
_ اممممممم تسلم ايدك ايه الجمال ده بقالى سنين مكلتش رز بالطعامة دى
اتسعت ابتسامتى اناولها علبة المناديل الورقية من على الكمود :
الله يسلمك ياماما
بعد ثوانى تبدلت ملامحها الى العبوث :
كان نفسى حسين ياكل منه اصله بيحبه اوى هو كمان
شعرت بحرجها ان تطلب منى ان احمله إليه ولكنى رفعت عنها الحرج :
_متقلقيش ياماما فى طاجن تانى هوديهوله
لاحت على ثغرها ابتسامة ممزوجة بالحرج :
_ لا مش عايزة اتعبك كفاية أنك تعبتى نفسك وعملتيه
نهضت من فورى وبداخلى كماً من الحنق تجاهه والبغض ان أراه حتى ! فكيف أحمل اليه الطعام ! ثم بادرتها:
_ ولا تعب ولا حاجة ياماما
حملت الوعاء الثانى بعد ان جلبته من الموقد الدافئ ووضعته على طاولة ثم اتجهت الى غرفته تقدمنى خطوة وتأخرنى أخرى حتى وقفت أمام باب غرفته أطرق على الباب لم يجيبنى أعدت الطرقات وانتظرت لكنه لم يجيب مرة أخرى ، استدرت وانا أتنفس الصعداء أحمل نفسى للذهاب ولكنى استوقفنى صوته :
_ اتفضل
شعرت وكأن شئ وقف فى حلقى وتنفست بصعوبة وانتظرته يفتح الباب ولكن لم يفعل ربما كان يظننى والده فأنا لم أفعلها من قبل
اعدت القرع على الباب فأعاد الامر :
اتفضل
فتحت الباب وانا أخفض بصرى فى الارض فلمحت سجادة الصلاة يحملها من الارض وهو ينهض فعلمت انه كان يصلى تعجبت لأمره أرى فى ذاك المهاب الغامض تناقضات شتى ، لكن خطوت خطوتين الى الداخل بعدما شعرت بارتباكه من رؤيتى فوضعت الطاولة على أقرب شئ التقطه بصرى يصلح ان يحمل الطاولة ثم أردفت بخفوت :
_ دا رز معمر كنت عملاه
لم انتظر رده فاستدرت عائدة الى الخارج ولم أكد أبلغ مقبض الباب حتى شعرت بتلك الفأس التى ضربت ظهرى تقسمه نصفين فانفجرت صرخة تعصف بكل كيانى وتجمدت قدمى فانحنيت بجذعى أمسك بمقبض الباب بقوة وخرجت منى أهةً مكتومة
أقبل نحوى بفزع :
_ أنتى كويسة
هززت برأسى أعض على فمى وقسمات وجهى المتشنجة لثوانى حتى زال ذاك الالم ، كان مايزال واقفا تفصلنا بضعة خطوات وقد نبت على جبهته حبيبات عرق غزير كان الارتباك قد أخذ منه مبلغا حتى أعتدلت اخرج من الباب فأنصرف من جوارى يهرول ناحية غرفة أمه وماهى الاثوانى حتى قدما الاثنين يدفعها بمقعدها المتحرك نحوى كنت لم أبلغ أخر الرواق حتى عادت تلك الفأس تضرب ظهرى مرة أخرى ولكن بقوة مضاعفة توقفت أمسك بأى شئ تمسك به يدى حتى انفس فيه تلك الصعقة الكهربائية التى تسرى بجسدى أقبلا نحوى بفزع لتبادر والدته :
_ ايه يازينة مالك حاسه بأيه ؟
أشرت بيدى خلف ظهرى موضع الالم :
خبط جامد اوى فى ضهرى
انفرجت اساريرها واردفت :
_ دا الطلق وشكله حامى يلا ياحسين حضر العربية ونادى بابا عشان نروح للدكتور واحنا هنحصلك
ألقى علىّ نظرة خاطفة ثم أسرع الى الدرج
حملنا الى ذاك المشفى المتخصص للولادة التى كنت اتناوب عليها اثناء الحمل
أقبل نحوى ممرضين يستقبلانى بكرسى متحرك وحملانى الى غرفة الولادة
حملونى الى تلك الغرفة بعد ان وضعت طفلى كانت الغرفة مزينة بالأزهار والبالونات الملونة بعد دقائق قرع على الباب ليستئذن بالدخول وضعت حجاب رأسى ثم دعاه والده للدخول بادلنى ابتسامة هادئة :
_ حمدلله على سلامتك
بادلته الابتسامة ولا آكاد اصدق ان ذاك المبتسم هو حسين :
_ الله يسلمك
اقترب منه والده يضع طفلى بين يديه ، لتنفرج أساريره أكثر وهو يحمله بين ذراعيه بحرصاً شديد ثم رفعه الى فمه يقبله من غرته الصغيرة وهو ينظر اليه بفرحاً عارم :
بِسْم الله ماشاء الله
قاطعته والدته قائلة : شبه مين ياحسين
سلط بصره على الصغير مبتسماً بحنان :
_ شبه حسن وهو لسه صغير
نقلت بصرها إلينا قائلة :
_ مش قلتلكوا انه شبه حسن وهو لسه مولود
رفع الصغير واقترب من أذنه يأذن فيها
رفع والده اليه بصره مبتسماً :
_ الله يباركلك والله ياحسين ميفوتكش حاجة انا اتلخمت فيه ونسيت خلاص موضوع الاذان ده ، عقبالك ياحبيبى لما نشيل عيالك
خفتت ابتسامته تدريجيا ثم وضع الصغير بسريره الصغير .
لم يحضر حسن من السفر الا بعد يومين من ولادتى
ومضت الايام سريعاً ، ومازال حسين يجتنب حسن الذى بدوره كان مسروراً بذلك ولكن أسفاره لم تقل عن ذى قبل بل ازدادت ، أما العائلة فكانت مسرورة بوجود حفيده الصغير سليم .
منذ استيقاظه من نومه وهو فى كنف جدته وجده حتى قدوم الليل عند عودة حسين الذى كان يغدق عليه بالهدايا والحب الذى كان يفتقدهما فى غياب حسن وأثناء عطلاته كان يقضى اليوم بكامله مع صغيرى يلهو معه بالحديقة وكأنه طفلا بسنه يلهوان فى كل مكان ويعبثان بكل شئ وتتعانقان أصواتهما تصدح فى كل أرجاء القصر وانا أراقبهما من شرفة غرفتى وتزداد حيرتى فى ذاك الحسين ،
كان قد اقتربا موعد قدوم حسن من سفرته الاخيرة وتواكب موعد نزوله مع عيد ميلاد سليم الثانى أعددت حفلة كبيرة وكان اليوم مبهج جدا وانتهى بكل مثالية جلست انا وحسن لوقتاً طويلا نتحدث ونضحك حتى غلبه التعب فسبقنى الى النوم وقبل ان ألحق به الى الفراش ، رن هاتفى تناولته لإجيب منه فإذا بها رقية ابنة عمى ، كانت مبتهجة جدا وأخبربتنى ان لديها أمراً هام وقبل ان تفصح عنه نفذ طاقة الهاتف ، شعرت برغبة ملحة فى محادثاتها لم يكن لدى صبر ان ابحث عن الشاحن فذهبت استأذن حسن أطلبها من هاتفه ولكنه قد غطى فى النوم وشعرت بالشفقة عليه فلم اوقظه ، ولحسن الحظ لم يكن يضع رقما سرى للدخول
أمسكت بالهاتف وقبل ان أعثر على لوحة الأرقام خطفت بصرى تلك الرسالة الالكترونية :
"وحشتنى اوى "
.....................................
بقلمى آلاء عبد الله

نوافذ مظلمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن