الفصل الاخير
الجزء الاول
ألهمتني الذكرى وهى تمر أمام عينى وهو يلهو بالحديقة الى بقعة مناسبة تصلح لان تكون ملاذه الاخير ، أنتهت مراسم الدفن وسط تشديد تام لمنع الصحافة او الاعلام من المشاركة،وألغى الزفاف ، ومرت شهور وهى بتلك الحالة لا تتحدث ،مصوبة بصرها فى الفراغ كأنها ليست معنا بهذا العالم ،وتناوب الطبيب النفسى على زيارتها وانا أتبع تعليماته بدقة تامة ، حالتها تتحسن ببطئ شديد لكن الطبيب أخبرنى ان الامر طبيعى بالنسبة لما مرت به ،وتحدث أباها معى للعودة بها إلى البلدة لكنى رفضت بشكلاً قاطع بحجة الطبيب كما أن ابتعادها عن قبر سليم التى تلازمه ليلاً نهاراً سيزيد من سوء حالتها وأذعن للامر أخيراً فحالتها وقتها لم تكن مطمئنة ابداً ، وتابعت مع الطبيب كل تصرفاتها الاخيرة وطعامها ونومها التى كنت أوصى الخادمة ان تنقله الى لا ادرى كم كنت أشعر بالمسؤلية تجاهها والأسف على حالها ، وعدت بأحد الايام بموعدى بأخر النهار كان الوقت أقترب من الغروب وجدتها تجلس أمام القبر وقد افترشت حوله ألعب سليم التى كان يلعب بها ، أنشق قلبى لرؤية ذاك المشهد فذهبت إليها ووقفت خلفها على بعد خطوتين وألقيت التحية وانا أظن انها لن تجيب ولكن فأجأتنى بصوتها الخافت :
_ وعليكم السلام
استبشرت بتطور حالتها فاستدركت أحاول الاطمئنان أكثر عليها او ربما أتأكد أنها لم تكن صدفة وهى تهذى بالحديث :
_ أخبارك ايه يازينة ؟! عاملة ايه ؟!
أجابت وبصرها زائغ فى الفراغ بصوتا خالى من الحياة :
عايشة !!
وترقرقت عبرة بعينها ثم أردفت :
_ وسليم مش عايش
حاولت التهوين عليها بفضل الصبر وكل ماجال بخاطرى من جمل تشد من أزرها كانت تسمعنى وعبراتها تتساقط أمامها شعرت بضيق يقبض صدرى أكثر وأكثر فقتربت وجثوت على ركبتىّ أشير عليها بالذهاب فلن يزداد الامر الا سوء بجلوسها هنا وقد أقبل الليل أيضا
لم تستجب لى فى البداية فأخبرتها ان لم تذهب معى فسأجلب الخادمات يحملنها
فرضخت للامر بالنهاية ونهضت ثم وقفت انتظرها حتى أطمأننت لدخولها الفيلا ،
عدت للداخل وذهبت الى غرفتى أفكر فى أمرها الذى أثقل صدرى بالهم كلما أراها هكذا أمسكت بهاتفى أتصفح أحدى الصفحات الاجتماعية ولا زال رأسى منشغلا بأمرها كيف أهون عليها حتى وجدت حديثاً قدسى عن فضل الصبر على البلاء أقشعر بدنى من جلاله سبحانه ، فشعرت بأنها فى أمس الحاجة إليه ، أمسكت بحاسوبى النقال ثم بحثت عنه وعن غيره من الأحاديث وبعض من دروس الدعاة الورعين فى فضل الصبر ملأت ملفاً كامل بتلك الدروس ثم أستدعيت الخادمة المرافقة لها ثم أعطيتها الحاسوب وأخبرتها أن تعطيها إياه انتظرت بضعة دقائق وعادت الىّ الخادمة تخبرنى بأنه تشاهد تلك الدروس ، شعرت بالطمأنينة بعض الشئ ثم غفوت سريعاً حتى أنى لم أشعر برنات هاتفى المتكررة من أروى والتى بدأت تشتعل فى الفترة الاخيرة من إهمالى لها وإنشغالى برعاية زينة ،
استيقظت كعادتى فى الصباح وتناولت قهوتى المفضلة وارتديت حلتى ثم خرجت من الغرفة أهم بالرحيل الى الشركة لكن استوقفنى صوتها خلفى ، استدرت أنظر إليها ، فإذا هى تحمل حاسوبي النقال بين يديه وعلى محياه لمحة من ابتسامة خافتة :
_ ربنا يجازيك خير يابشمهندس حسين ، اتفضل
أشرت اليها بيدى أن تحتفظ به ، لكنها ظلت ممدة يدها به :
_ لا مش هينفع دا بتاعك واكيد عليه حاجات شغلك
هززت برأسى نافيا :
_ لا متقلقيش فى واحد تانى معايا وعليه نسخة من الشغل كله اطمنى خليه معاكى بس المهم تكونى ارتحتى شوية
أخفضت بصرها وهى تردد بمتنان :
_ انا فعلا كنت محتاجة الحاجات دى محتاجة أقرب لربنا ، بجد شكرا ً
_ شكرا على ايه بس ؟! لو احتاجتى اى حاجة ابقى قوليلى
عادت لتشكرنى ثم استأذنت منها وذهبت الى الشركة لأجد أروى التى تجاهلتني تماماً وبدى عليها الانزعاج ،نتحدث فى أمور العمل ثم تذهب سريعاً دون ان نتحدث سوياً كما العادة ،حاولت معرفة سبب تعاملها معى بتلك الطريقة ، لكنها ظلت تتجاهلنى ولم تحبنى بسوى بكلمات مقتضبة ، تركتها وذهبت إلى مكتبى زفرت بضيق بعد أن مللت من كثرة المنازعات بينا ، فتحت هاتفى فإذا بعدد لا يستهان به من المكالمات الفائتة منها حككت بجانبى رأسى وقد علمت سبب إنزعاجها ، أعلم أنها تحملت الكثير وتقديرى معاها يزداد يوماً بعد يوم ، بعثت لها برسالة رقيقة وانتظرت دقائق بعد أن ارسلتها ولكنها لم تجب ، فذهبت إليها وطرقت الباب ثم دخلت فوجدتها تبكى
اقتربت منها وسألتها بإلحاح عن سبب بكاءها :
_ ايه يا اروى مالك ، ايه اللى مضايقك
جففت عبراتها بعد أن انتزعت أحدى المناديل الورقية الموضوعة أمامها على المكتب وتوارت بوجهها عنى ، سرت اليها لأكون بمقابلتها أمسك بكف يديها الباردة :
_ أنا أسف والله كنت تعبان ونمت مسمعتش التليفون حقك علّيا
اندفعت بصوتاً باكى مختنق مشحون بالغضب :
_ هو امبارح بس اللى مسمعتيش انتى علطول مش سامعنى ، من أول مااتخطبنا لحد النهاردة قولى خرجنا مع بعض كام مرة بنتكلم قد ايه ديما مشغول ديما عندك مشاكل ديما فى حاجات أهم منى مش حاسس قد ايه انا تعبت ان فرحى يبقى فاضل عليه يوم ويتلغى بعد ما كل حاجة كانت جاهزة ، استحملتك واستحملت ظروفك لكن فضلت جنبها هى بتهتم بيها هى وانا لا انا هوا ماليش اى لزمة
اخفضت يديها عن عينها التى تكف عن ذرف العبرات ونزعت أحدى المناديل الورقية أجفف عبراتها :
_ بجد انا أسف وحقك علّيا انا عارف انك استحملتى كتير ، بس انتى مش عارفة ان دى مرات أخويا الله يرحمه وأمانة سبها فى رقبتى هى متعرفش اى حد وكمان ابنها الوحيد اللى كان مصبرها على موت جوزها مات ، وحالتها انتى شوفتيها بنفسك
_ انا مقولتش تسيبها بس مش فى المقابل تنسانى انا خالص ، انا كمان تعبانة نفسيا انا كل مااجى افرح يحصل حاجة تبوظ فرحتى انا تعبت
_ حقك علّيا بجد وخلاص ياستى عدى كذا شهر على سليم الله يرحمه هنتجوز علطول بعد شهرين من دلوقتى
اعتلت البسمة وجهها :
_ بجد ياحسين هتفضل معايا
هززت برأسى وبداخلى شيئاً لا افهمه ،لما لا أشعر انا أيضا بتلك الفرحة التى كنت انتظرها منذ ان رأيتها ، بادلتها ابتسامة واسعة ثم عرضت عليها الخروج نتناول العشاء باى مكان تختاره هى ، تحمست لتلك الفكرة ثم ذهبنا سوياً لأحدى المطاعم الراقية بمنطقة الزمالك ....
يتبع
.................................
بقلمى الاء عبد الله
أنت تقرأ
نوافذ مظلمة
Romanceنوفيلا نوافذ مظلمة بتحكى عن شابة من الريف بتحب شاب من عيلة ثرية مقيمين فى القاهرة وبيتردد هو وعيلته على القرية اللى بتعيش فيها الشابة فى الأعياد وبتفضل تنتظر الشاب دا كل عيد من خلف نافذتهاعلى أمل ان يتحقق حلمها وترتبط بيه السؤال هل هيتحقق حلم الشا...