.........
تطالع داليا ساعة معصمها وتزفر بنفاذ صبر قبل ان تسحب الفتاة من ذراعها وتدخلها الى الصالة قائلة باستعجال للشاب الغريب الذي وقف مستنفرا :
_ هذه ابنتي *ماريا* من اليوم ستكون راحتها وأمانها من مسؤوليتك .
يتقدم الشاب خطوتين ويهز برأسه أن حاضر بينما تكمل سيدة المنزل قولها
: _ ماريا هذا الشاب سيكون خادمك وحارسك الشخصي ابتداء من هذه اللحظة لا تتعبيه ولا تخرجيه من عقله ... من فضلك .
وقبل ان ترد الطفلة ذات الخمسة عشرة عاما
تنسحب الأم مهرولة لتلحق بطائرتها تاركة الطفلة في رعاية الحارس الشخصي وبعض الخادمات .
تلتفت الصبية الصغيرة نحوه وتقول بغرور موروث : _ ما اسمك ؟
يتنهد الشاب ويجيب : نادني كما تشائين .
بلهجة ساخرة تعلق :_ أليس لديك إسم ؟ هل كبرت من دونه ؟
وببرود اعصابه يرد : لدي اسم ولا يعجبني ... وبما اني سأعمل في خدمتك لوقت طويل كما ينص العقد فأفضل ان تناديني بالاسم الذي ترينه مناسبا .
كان نافذ الصبر وضجر وخائب الأمل لأن رئيسته وسيدته مجرد طفلة سخيفة ، مغرورة ... مغموسة في الدلال من أخمص قدميها الى أعلى رأسها .
حدقت ماريا في تذكرة السيرك التي كانت في جيب فستانها
ابتسمت بشقاوة للصورة المرسومة على وجه التذكرة ...صورة فتاة ترتدي الأسود بيدها سوط جلدي وعند قدميها يركع أسد ضخم بكل خنوع .
ومثل ذلك الاسد الراكع بخضوع ...فكرت بأنها ستجعله يفعل الشيء نفسه
قالت بنشوة وهي تعيد التذكرة الى جيبها : سأناديك أسد .
***
رن الهاتف فجأة
انتفضت ماريا مستفيقة من حلم يقضتها أو بالأحرى من ذكرى اللقاء الأول
وفتحت الاتصال بعيون ناعسة ، صوت ناعم كنعومة صاحبته قال : _ مرحبا ماريا ... هل ايقضتك؟
ردت وهي تفرك عينيها الناعستين : لا مطلقا ... لقد استيقظت منذ فترة لكني لم أغادر السرير بعد .
تمتمت دنيا زاد بحرج : _ بما انها عطلة نهاية الاسبوع ، هل يمكننا أن نلتقي لنتحدث .
قلبت ماريا نظراتها في الغرفة مفكرة قبل ان تطلق الوعود
فتراجعت تلك حرجا وهمست : اذا كنت مشغولة فلا بأس ... سنتحدث في يوم آخر .
_ لا لست مشغولة ... لكن انتقلت حديثا لدي بعض العمل، تعالي الى منزلي اذا امكن ؟.
ردت دنيا زاد بارتباك : حسنا ، ارسلي العنوان.
كتبت ماريا رسالة نصية واغلقت هاتفها ثم وضعته امامها على السرير بشكل افقي
وظلت تنظر اليه بعيون ذابلة راغبة في النوم بشدة اوالهروب الى عالمها اللاواعي
ضغطت شاشة الهاتف باصابع واهنة
لتنبثق منه موسيقى رتيبة مخدرة للوعي ومنشطة للعقل الباطن
كانت الموسيقى عبارة عن موجات *بيتا العلاجية* التي تستخدم لطرد الطاقة السلبية وإزالة حواجز العقل والعوائق التي تعكر المزاج .
تذكرت فجأة المرة الأولى التي سمع فيها أسد موسيقى مشابهة لهذه كانت تنطلق من المسجل آنذاك .
...
حينها طرق أسد الباب متسائلا : _ سيدتي هل يمكنني الدخول ؟
لم يصله ردها
فطرق الباب بقوة اكبر وأعاد سؤاله بصوت أعلى مع نبرة ملول : _ هل يمكنني الدخول سيدتي ؟... لقد تأخرت على أول يوم امتحانات لك .
لا رد ولا حركة . هنا شعر بالقلق ، لقد استلم عمله الجديد منذ ايام قليلة فقط ، حياة هذه الطفلة الضئيلة المتمردة هي مسؤوليته خاصة حتى وان كان لا يأبه حقا لما يحدث لها .
طرق مجددا بعنف
ان لم تفتح هذه المرة ولم ترد فمن المؤكد أن مكروها قد اصابها
ولم يجد بدا من اقتحام غرفتها بعد ان يئس من ردها وهناك رآها مستلقية على سريرها كالجثة
عيناها نصف مفتوحتان تطلعان السقف بذهول وجسدها منسدل ومتراخي وكانها في غيبوبة
بينما يبث المسجل موسيقى غريبة تدور وتعيد
اقترب منها مذعورا ...هزها من كتفها وارتعش صوته وهو يقول : يا فتاة ما الذي حدث لك ؟
يداه اللتان تتحسسان وجهها والعرق النابض في يدها ترتجفان بشكل يثير الشفقة .
_ يا الاهي كيف أتصرف ؟
همس بقلق وهو يدور حول نفسه بحثا عن اي وسيلة لايقاظ الفتاة التي تبدو كمن دخل في غيبوبة .
انحنى بجذعه نحوها وصفع خدها صفعة خفيفة ، لكنها لم تبد اي رد فعل
_ استيقظ .... استيقظ
كان مرعوبا وغاب عن عقله التصرف السليم في الحالات المشابهة وبدل ان يطلب الخادمات او يحاول مع العطر كما يفعل الناس العاديون دخل مرحلة الصدمة ووقف ينظر اليها ذاهلا.... عمله كحارس يخوله التصرف مع المخاطر فقط ... ان تموت سيدته بعد ايام قليلة من خدمته لها سيسيء الى سيرته المهنية ويضع كفاءته في محل شك .... هو كحارس شخصي من النخبة خدم قبلا عدة شخصيات هامة... ستتهاوى سمعته الاحترافية الى الحضيض .
بينما هو في تلك الحالة توقفت الموسيقى التي يبثها المسجل ثم انساب صوت عميق يهمس :
_ استيقظ
وارفق عبارته بطرطقة من اصابعه ، لتشهق ماريا بقوة طلبا للهواء كمن عاد توا من الموت أو كان غارقا في قاع البحر .
اتسعت عينا اسد وهو يراقب حركتها الفجائية في الاستيقاظ ثم جلوسها فوق السرير
إلتفتت نحوه متعجبة ، عاقدة لحاجبيها وقبل ان تتساءل عن سبب وجوده داخل غرفتها وعلى سريرها تحديدا
تصاعد الغضب بداخله و هتف بحدة : ما كان ذلك ؟
فركت عينيها بحركات كسلى وردت : اسقاط نجمي .
قبض على كتيفها يهزها بقوة ردد خلفها بغضب : اسقاط نجمي ، هاه ؟... لقد كاد قلبي ان يتوقف وانت تقولين اسقاط * لا اعرف ماذا؟
صححت جملته بكل برود : اسقاط نجمي ... تنفصل فيه الروح عن الجسد وتسبح في عوالم نجمية .... ومن فضلك ابعد يدك عني .
زاد من ضغط قبضته على كتفها : الا تعرفين أنك تخوضين تجربة الموت ... ماذا لو لم تستطيعي العودة الى جسدك ؟....ماذا لو مت؟ .
اجابته بحدة نوعاما هذه المرة : لن اموت من تجربة الإسقاط ألنجمي فانا أمارسها منذ كنت في العاشرة من العمر ، المشكلة في اقتحامك لغرفتي هكذا وقطع رحلتي الروحية ... هذا عرضني لخطر الموت فعلا ... انها المرة الوحيدة التي واجهت فيها صعوبة بالعودة الى جسدي لأنك شوشت علي وقف ساخطا وهتف بقرف :_ طـفلة سخيـــــــــفة
قالها ضاغطا على كل حرف منها
نظرت نحوه بحدة وامتزجت الشراسة في عينيها بذلك الغرور المزعج المترافق بالدلال المفرط وقالت بكلمات بطيئة ضاغطة على حروفها أيضا . : _ لا تنسى مقامك أيها الخادم الوضيع .