.***.
تغسل وجهها بشرود ثم تعتدل واقفة لتطالعها صورتها في مرآة الحمام
لمست اعلى خذها وهمست بذهول :
( ...هالات سوداء ؟ وبشرة جافة ... ر باه ماهذه البشاعة ؟ يجب اصلاح ما افسده الزمن ..)
قالت ذلك وهي تفتش الادراج حتى سحبت علبة مرهم صغيرة بيضاء وراحت تطبقه على وجهها بحركات دائرية ساهمة في انعكاس وجهها دون ان تفكر في شيء فعلا
لاتزال تشعر بالنعاس
تلكأت اصابعها تحت عينيها وتمعنت في الهالات السوداء العميقة ، هي تعاني صعوبة في النوم منذ اسبوع تقريبا .... منذ غادرت دنيا زاد بيتها راكضة ... بعدها استيقظت كل ليلة على احساس شديد بالضغط بسبب الجاثوم ابتسمت ببلاهة
( هل هو جاثوم فعلا ؟ الجاثوم عادة لا يتحدث ... لكن هذا يناديي *زوهرية* في كل مرة ... هل هو جني ؟ أتساءل أنا لم أرى واحدا من قبل )
تنهدت بصوت مسموع وألقت بالمرهم في الدرج ثم توجهت نحو لهاتف الذي يهتز فوق الطاولة وردت على اتصال نذير :
_ ماذا هناك في هذا الوقت المبكر من الصباح ؟
بنبرة غريبة شبيهة بالوشوشة رد : _ صباح الخير ماريا انا ...لقد رسبت .
ضحكت ضحكة مكتومة وهي تجيب : مجددا ... ثم ياله من خبر تزفه الي صباحا .
همس بخفوت : أبي غاضب جدا مني لهذا السبب ، لذلك منعني من العمل حتى اجتاز الامتحانات الاستدراكية .
_ آااه حسنا ، لا عليك سأهتم بالمحل بنفسي اذن ، حظا موفقا .
_ شكرا .
اغلقت الهاتف من طرفها واتجهت نحو النافذة تزيح ستائرها الغامقة وتقف عرضة للهواء الصباحي المنعش بثيابها المنزلية مفكرة بما يتوجب عليها فعله ...
لقد وضع المشعوذ الخسيس علامة عليها
لابد لديه شيء من اثرها يتتبعها به
لا التنكر ولا الهرب صارا مفيدين ..... لقد آن الأوان ربما لتستسلم وتمنح رقبتها له ... فحياتها لم تعد ذات معنى حقيقي مذ تخلت عنها تلك التي تعتبرها أمها وفقدت اسد في ذلك الحادث .
هي منذ سنوات تعيش لمجرد العيش ... لا لهدف محدد
*
مملكة الأعشاب الطبية
عيناها العسليتان الفاتحتان جدا والميالتين الى لون ذهبي مميز ترقبان واجهة المحل الزجاجية في ارتباك
دائما كانت كتلة من الارتباك والتوتر ورغم جمالها الفائق دائما ما افتقرت الى الثقة بنفس وامتلكت شخصية مهزوزة ومهزومة منذ الطفولة وحريتها تعاني القمع.
هي دنيا زاد الفتاة الوحيدة بعد ثلاث اخوة تحكموا في مصيرها واتخذوا كل القرارات عوضا عنها
حتى بعد ان هجرها زوجها لسنوات لم يسمحوا لها بالعودة الى بيت العائلة بل ارغموها الاستمرار في خدمة حماتها وشقيق زوجها وحولوها من زوجة الى خادمة هدفها في الحياة هو نيل الرضا .
تنهدت بصوت مسموع وهي ترى ماريا تخرج من المحل حاملة دلوا من الماء وقد انتهت توا من تنظيف الأرضية قبل ان تعود الى الداخل وتقلب اللافتة معلنة أن المحل صار جاهزا لاستقبال الزبائن
لا تعرف دنيا زاد لما تشعر منذ أيام أنها تسببت لماريا بالمتاعب ... ربما لأنها جرحتها بهروبها منها بتلك الطريقة
( هل يجب ان أعتذر ؟ ... منذ البداية انا من ذهب اليها وانتهى بي الامر باهانتها في منزلها )
توقفت عن التفكير فجأة وهي تقع اسيرة نظرتها الثاقبة من خلف زجاج المحل
بتلكما العينين الواسعتين اللامعتين بشكل غريب ....الساحرتين رغم شكلهما ولونهما العادي على خلاف عينيها هي
لاتزال ماريا تحدق فيها من بعيد ورغم الأمتار الستة عشرة التي تفصلهما عن بعضهما الا ان نظرتها كانت قادرة على اختراق مساحة الامان النفسي لدنيا زاد التي بدت كفريسة تم اصطيادها على حين غرة .
فارتعشت من رأسها حتى اخمص قدميها والتفتت هاربة نحو الشارع الخلفي حيث موقف الحافلات
من جهتها ماريا كانت تقف مصدومة والمكنسة في يدها
هل رأت ذلك للتو ؟
هل كان حقيقة ما رأته منذ لحظات حول تلك المرأة المنقبة ، كان هناك ظل أسود ضخم يلتف حولها كالأفعى وينسكب خلفها ممتدا بطول الشارع .
_ (هل أصبحت قادرة على رؤية الجن ؟ ... لكن لما ؟ انا لم اكن امتلك هذه قدرة من قبل ... ...)
وبينما هي تقف في حيرتها تلك وإذ بالباب الزجاجي يفتح ببطء ويغلق دون ان يدخل أحد ...
هذا ما قد يعتقده الناس العاديون بينما ماريا كوسيطة روحية قادرة على استشعار هالات الناس و الطاقة الروحية العالية والقادرة حاليا على رؤية أشياء مختلفة كهذا الكائن الضبابي الأثيري تدرك جيدا ان زبونها هذه المرة ليس من بني الانس .
تتراجع نحو الخلف بخطوات متعثرة وهو يقترب شيئا فشيئا كسحابة بخارية ليختفي فجأة من امام ناظريها .
_ هل تريد شيئا ؟
همست بخفوت وهي تدور حول نفسها بحثا عنه متأكدة انه لم يغادر بعد فضغط الهواء حولها لا يزال خانقا .
ثم ساد الهدوء
ذلك الهدوء المخيف الذي ينذر بهبوب العاصفة ... صمت طويل وعميق جعل أذنيها تلتقط صوت أنفاس هائجة ... أنفاس لم تكن لها
أنفاس للكائن الأثيري خلفها مباشرة
أغمضت عينيها بشدة وقبضت يديها الى جانبها بقوة حتى كادت اضافرها تخترق جلد راحتها وتدميه .
وبوقار وسيطة روحية استمعت الى نغمة انفاسه التي تتغير بجوار اذنها انه يحاول قول شيء ما .
انفاسه تصبح اكثر خشونة وهو يحاول النطق وبدا صوته كغليان الماء في قدر مضغوط
ما يحدث مخيف بعض الشيء لكنها لن تسمح لنفسها ان تصاب بالهلع ... يجب ان تستمع جيدا لما يحاول هذا الكائن قوله بعد ان تنازل وتخلى عن عدوانيته السابقة ... انه الجني المتلبس لدنيا زاد هي متأكدة .
وهو مختلف عن ذاك الذي يزورها ليلا ويقيد معصميها .
..* ساعد...ينــــــ...ي *
خرجت تلك الحروف المتقطعة منه كزئير اسد جريح واخترقت أذنيها مصحوبة بقشعريرة باردة جمدت أوصالها .
ورغم شجاعتها منقطعة النظير الا ان الكلمات علقت في حنجرتها و قد تصلب جسدها بعد تلقيها همسه الوحشي
انها أول مرة تتواصل فيها مع الجن بشكل مباشر
محاولة ان تسأله عن نوع المساعدة التي يريدها التفتت نحو مصدر الأنفاس لكن احدهم دفع باب المحل قائلا : السلام عليكم ورحمة الله .
لينتشر جسده الأثيري الضبابي أمام عينيها ويتبعثر في الهواء كدخان سيجارة تصاعد واختفى .
عادت الى واقعها وارتدت ابتسامتها العملية : وعليكم السلام والرحمة
قال الصبي وهو يناولها ورقة مكتوبة بخط اليد : هل لديك هذه الاعشاب؟
اخذتها منه بيد مرتعشة غير قادرة على الاستقرار وراحت تطالعها مشوشة التفكير قبل ان تبدأ بسحب العلب و تزويده بما يريد .