الفصل الخامس

98 3 0
                                    


بعد ثلاث أسابيع

يحرك الملعقة في شرود حتى تضرب جانب الطبق مصدرة قعقعة مزعجة تجعل كلا من لجين ووالدتها تتوقفان عن الاكل لتطالعاه
في صمته الطويل منذ ايام عدة وقد تبدلت حاله وتبلدت مشاعره بشكل مثير للقلق
تمد الخادمة الكبيرة كفها لتوقف يده التي تعبث بالملعقة  وتسأله بحنان : _ ما الذي يحصل معك بني اسد ؟ أنت لست على طبيعتك
يجيبها بفتور : لاشيء مهم .
تشد على يده قائلة : افضي الي يا فتى  نحن هنا كالعائلة .
دون ان يستطيع تمالك نفسه افلتت منه ابتسامة ساخرة 
جعلتها تتوتر وتبعد يدها عن يده بسرعة فيما لجين تطالع الموقف بحيرة  ، ما سبب الابتسامة الساخرة  ؟
هل يحتقرها ووالدتها  ؟
هذا ما كان يجول في تفكيرها عندما استغنى هو عن الملعقة في حركة ضجرة  ووقف دافعا كرسيه نحو الخلف وكأنه ما عاد يطيق الجلوس معهما اكثر .
ثم خطى خارج المطبخ ونظراتهما الدهشة تلحق خطواته
_ ما باله ؟
تساءلت لجين وهي تطالع امها  فاجابتها تلك بحركة من كتفيها ( ان لا أدري )

اكمل سيره نحو غرفته في اقصى الرواق بجانب الباب الخلفي للمنزل عندما استوقفته ماريا وهي تنزل الدرج
: _ أنت هنا ؟ تعال أريدك ان تاخذ ....
_ هففف.
توقفت يدها التي تحمل مفتاح السيارة في الهواء ونظرت نحوه باستغراب قبل ان تعلق : هففف؟ ... تقول هففف لي انا ؟
أكملت نزولها حتى وقفت على اخر درجتين ونادته بصرامة وهو يوليها ظهره متصلبا : تعال هنا

فاستدار وتقدم خطوات ثلاث ليقف أمامها وجهه امام وجهها مباشرة  وقد ساوت درجات السلم بين طولهما  ، نظرت نحوه بحدة  لا تخلو من الطفولية ، لكن وجهه ظل من دون ملامح واضحة   وارتفعت يده تأخذ المفتاح منها قائلا بفتور : _ أين تريدين مني الذهاب ؟.
حدقت فيه بإمعان وسألته بجدية : ما الذي يحدث معك مؤخرا ؟؟ .
قبض على المفتاح بين يديه واجاب بعد تنهيدة : لا شيء .
طالعت حركة يديه الضاغطة على المفتاح واكتشفت مدى التوتر الذي يعتريه رغم قدرته الهائلة على اخفاء مشاعره بجمود وجهه.
قالت بهدوء  وعيناها تحاول استكشاف شيء من ردود افعاله :
_ أين ذهبت قبل أيام ؟
_ متى ؟
_ عندما أخذت اجازة  قبل اسابيع
حركة طفيفة في بؤبؤ عينيه كشفت عن ان سؤالها اخذه على حين غرة  وكان ذلك كفيلا ليجعلها تدرك انه يخفي شيئا عنها بالفعل .
_ اخبرتك انه كان لدي ظرف خاص
( انه يكذب... نظراته تهرب بعيدا  نحو اليسار ، في لغة الجسد هذا دليل دامغ على الكذب )
هذا ما فكرت به ماريا قبل ان تعبس بغير اقتناع .
رحمته من استجوابها  وهي تقول : _ هات المفتاح لم اعد اريد شيئا منك ، يمكنك المضي حيث كنت ذاهبا .
استدار بسرعة متاففا
لتهتف به هذه المرة : أمازلت تتأفف ؟ اذا سمعتك تصدر هذا الصوت مجددا سأ.... س... انسى ، اغرب عن وجهي فقط .

دخل غرفته  واطلق العنان لزفرة طويلة
لن ينفع التهرب اكثر
لن يستطيع اخفاء اختلاجاته عن عيناها النافذتين ، خبرتها في قراءة الوجوه تتجاوز عمرها بمراحل
وكل ما يخشاه ان تستطيع قراءة ملامح الخطيئة على وجهه.

 أوراق التارو حيث تعيش القصص. اكتشف الآن