واليكم الخاتمة
الخاتمة
تفتح ماريا باب منزلها ببعض العصبية وهو يقف خلفها يده تقبض على الحقيبة بصمت
صمت مكهرب بعواطف مكبوتة لتسع سنوات كاملة ، دفعت الباب بهدوء قائلة : ادخل لترتاح قليلا ونتحدث قبل ان تذهب الى عملك .
لم يرد عليها وهو يتخطى عتبة البيت ليفلت الحقيبة ما ان اغلقت الباب ويرفع يديه ليقبض على جانبي وجهها فيما يحملق في ملامحها بهوس
_ أسد أرجوك لا تنظر الي وانا على هذه الحالة
بصوت اجش جعل قلبها ينتفض همس : اشتقت اليك حتى فقدت ما تبقى من صوابي ... اين كنت طوال هذه السنوات ؟
يداه على بشرة وجهها ترتجفان بما يعتمل قلبه من مشاعر .
خطان من الدمع عبرا خذها وهي تشعر أن قلبها سينفجر في أي لحظة وهمست بارتعاش : قالوا لي أنك ميت .
تحركت اصابعه تمسح دموعها برقة وانفاسه الثقيلة تكاد تنقطع مما ينتابه من مشاعر هستيرية بالكاد يكبحها كي لا يرعبها واضاف بعتب : _ أ لا تشتقين لي ؟
اسبلت أهدابها المبللة بدموعها وهمست برقة اذابت قلبه : بلى قتلني الشوق اليك .
حين فتحت عينيها مجددا كان وجهه يقترب منها بهدوء ...عيناها المتسعتان من اثر المفاجئة لم ترمشا ولم تبعدا نظرهما عن شفتيه وهما تقتربان لتحطا على زاوية فمها برقة شديدة ... شيء أشبه بالقبلة ولم يكن قبلة ... فقط شفتاه بالكاد تلامسان شفتيها وانفاسه تخالط أنفاسها قبل ان يبتعد بهدوء كما اقترب وعيناها الواسعتان لا تزالان تتبعان حركات شفتيه .وكأنها تطالبه بالمزيد .
شعرت بالخجل من نفسها فانزلت رأسها تنظر الى موضع قدميها بحرج قبل ان تقول بارتباك وهي تدفع شعرها نحو الوراء : _ تفضل .... اجلس في الصالة ، سأذهب لغسل قدماي و .وجهي .... لن اتاخر ....
أومأ بنعم وانحنى يخلع حذاءه بينما ركضت هي متجهة نحو الحمام .
لتدخله وتغلق بابه خلفها لاهثة ( تبا ماريا ... ماهذا التصرف )
ثم صفعت نفسها برقة وهي تزمجر بخفوت ( يا لقلة حياءك .. كدت تقفزين على الرجل .... هرمونات غبية )
اقتربت من مرآة الحمام ليهولها مظهرها ، نظرت متسعة العينين الى منظرها المريع وشهقت مذهولة ( هل كنت أقف امامه هكذا ؟..)
ثم انحنت تغسل وجهها وتصفقه بالماء ببعض العنف وعادت لتقف والمنشفة في يدها لكن منظرها في المرآة لا يزال غير مقبول خاصة مع شعرها المتطاير الاشعث .
نظرت جانبا الى حوض الاستحمام ( حسنا سأستحم أولا ثم سأريك القوة الخارقة للمكياج )
*.
يجلس على المقعد وسط الصالة يفرك يديه ببعضهما في ارتباك
انه هنا في بيتها .... انها هنا على بعد خطوات ... يكاد لا يصدق ما يحدث معه
زفر بقوة وهز ساقه بعصبية وهو يشعر ان اللحظات تتمدد لتصبح عصورا
( ما الذي تفعله كل هذا الوقت ؟)
عاد يفرك يديه ببعضهما حتى تعرقتا بشدة ... يريد ان يكسر هذا الباب الذي يقف بينهما ويعانقها حتى يزهق روحها
سمع صوت الباب يفتح فاعتدل في جلسته متاهبا لحضورها العذب خاصة ورائحة غسول الجسم المعطر تسبقها لتحتل الصالون وتتخلل انفاسه
شيء من الافتتان برائحتها جعله يغمض عينيه مبتسما ... لا تزال تستعمل نفس نوع الروائح ....
فتح عينيه مترقبا لكنها لم تأتي فناداها بقلق: _ ماريا اين ذهبت ؟
_ قادمة ...سأعد بعض القهوة السريعة
قال عابسا : لست هنا لشرب القهوة تعالي فقط .
اجابته من المطبخ باسمة :_ ابقى مكانك فحسب انها الثامنة صباحا وانا لم أتناول فطوري بعد
..........
بعد وقت قصير وضعت صينية القهوة أمامه
وجلست قبالتها ترفع كوب الحليب الأبيض المحلى بالعسل
حدق فيها متفاجئا : تشربين الحليب ؟ انت تكرهينه بشدة على ما اذكر
ارتشفت من الكوب وقالت : شخص ما سمم معدتي وجعلني غير قادرة على احتساء القهوة التي اعشقها .
نظر اليها مدهوشا ... ان تفتح هذا الموضوع الآن بالذات ، مالت عيناه بحزن وانكسار قبل ان تقول هي : _ لم اقصد لومك او تعكير مزاجك ... فقط لم استطع مقاومة رغبتي في قول هذا لك ... انه شيء طالما رغبت بقوله .
وقف فجاة وتقدم نحوها فنظرت اليه بخوف وهي تتراجع في مقعدها : ماذا هناك اسد ؟ ماذا تريد ؟
وصل حيث تجلس وانحنى جاثيا على ركبتيه وامام نظراتها الحائرة رفع يديه يحاوط بهما يديها الممسكتان بكوب الحليب قائلا بصوت أجش : انا لم اعتذر لك من قبل كما ينبغي .... انا آسف ... انا جدا جدا آسف .. لو عاد بي الزمن الى الوراء ... لو فقط استطعت العودة بالزمن لما كنت فعلت هذا ابدا حتى مقابل كل أموال الدنيا
تحركت احدى يديها لتلامس يده برقة : لقد سامحتك مسبقا أسد ... ما كنت لتجلس هنا لو كان في قلبي ذرة كره لك .
لم يقاوم ان يطرح سؤاله الهوسي : _ تحبينني ؟
ابتسمت برقة : نوعا ما اجل .... وغاضبة منك قليلا ايضا ...لكن اكثر من هذا وذاك انا سعيدة جدا لرؤيتك على قيد الحياة .
ابتسامتها الشقية اصابته بالعدوى فابتسم من اعماق اعماقه حتى تغضنت زاوية عينيه وهمس بحنان :_وانا ايضا سعيد جدا جدا برؤيتك .
لكن ابتسامته سرعانما تلاشت لينتفض واقفا ويعود الى مكانه حيث كان يجلس ثم يشرد بغرابة
حركاته تلك اجفلتها ... ابدا لا تستطيع التعود على تصرفاته
سألته بارتباك وهي تضع الكوب جانبا : _ هل هناك مشكلة ؟
عض على شفته بتوتر كطفل صغير قبض عليه متلبسا
ثم قال بخفوت : هناك شيء يجب ان أخبرك إياه ، شيء ستكرهيني بعده مؤكد .
زفرت بقوة قائلة : رباه ليس مجددا ‼...اي كان ذلك الأمر فلتحتفظ به ، أنا لا اريد سماعه .
لكنه اضاف وهو يتحاشى النظر في عينيها : في الحقيقة من اليوم الذي اختفيت به ... بحثت عنك في كل مكان بجنون لمدة خمس سنوات كاملة .... سافرت عبر كل ولايات البلاد ، جبت هذه الارض شمالها وجنوبها شرقها وغربها.... وعندما صار الامر لا يطاق بالنسبة لعائلتي أمي ..... اقترحت... أن... في الحقيقة لقد تزوجت .
رفع راسه ينظر لردة فعلها ، ماريا التي لم تستطع اخفاء صدمتها .. كانت عيناها متسعتان قبل ان تتمالك نفسها وترسم تعابيرها الهادئة وهي تقول بصوت حيادي خال من المشاعر : _ فعلت الصواب .
شعر بتلك الكلمات كالخناجر تطعن قلبه
ساد الصمت وثقل الهواء حولهما في الغرفة حتى صار الجو خانقا.
_ لم المسها حتى .
اضاف ذلك بصوت غائب ، ولم تدرك هي ما معنى حديثه حتى أكمل : _ تلك الزوجة ... لم اقترب منها ولم اقبلها حتى ...
اكمل وهو ينظر في عينيها مجددا :_ أنت كنت المرأة الوحيدة التي قبلتها ... قبلتي الاولى والثانية وكل قبلي المستقبلية .. ملك حصري لك وحدك .
فجأة ومن وسط الألم والخيبة ، افلتت منها ضحكة صغيرة لم تستطع كبتها وعلقت بخجل : _ أنت مجنون .
مازال يتطلع اليها مترقبا ما ستقول عندما أردفت متنهدة : وتلك الزوجة ما حل بها ؟
وحين فتح فمه ليرد قاطعه صوت رنين الجرس
فوضعت الكوب وهي تقف : عذرا منك اسد ، ساعود بعد لحظات .
..***..
فتحت الباب متسائلة بينها وبين نفسها من قد يزورها في الصباح الباكر
ليواجهها ذلك الوجه البهي للمرأة المنقبة ذات العيون الذهبية الساحرة ، فتنحت جانبا سامحة لها بتجاوز عتبة الباب بعد ان رأت تلك النظرة الملحة فلم تستطع ان تطلب منها الرحيل والعودة لاحقا.
ما ان اغلقت ماريا الباب حتى خلعت تلك نقابها وبدات بفك دبابيس خمارها
عندما اوقفتها ماريا قائلة : _ لا تنزعي حجابك انا لست وحدي في .....
وقبل ان تتم جملتها أطل اسد بوجهه من باب الصالون متساءلا : ماريا من كان ؟
ليتوقف فجاة مصدوما وعيناه تقع اسيرة العيون الذهبية المكحلة لتكون دنيا زاد اول من ينطق بذهول : _ رؤوف ؟
ويتمتم هو بعيون متسعة : دنيا زاد ؟
ضاعت نظرات ماريا بينهما بحيرة قبل ان تقول : _ هل تعرفان بعضكما ؟
لتجيبها دنيا زاد وقد اغرورقت عيناها بالدموع : _ عبد الرؤوف ... انه زوجي الذي قد هجرني منذ اربع سنوات .
التفتت ماريا بحدة نحو اسد الواقف هناك متيبسا تنظر اليه بعتب
والذي تقدم نحوهما بخطوات خفيفة شدت انتباه دنيازاد التي هتفت فجاة : ما الذي تفعل هنا في منزل امراة عازبة منذ الصباح الباكر .
وقف امامها مباشرة وانحنى يحدق في وجهها الذي نسيه فعلا خلال السنوات الماضية ، احمرت وجنتاها خجلا من قربه ... رغم كل الغضب الذي يعتريها لا يمكنها ان تنكر انجذابها نحوه ... زوجها الجميل الوسيم الذي لم يكلف نفسه ان يدخل غرفتها ليلة الزفاف
قال فجاة بهدوء : _ يبدوا ان نسيت ان احررك قبل ان اغادر.
اتسعت عيناها بذهول وهي تدرك معنى كلماته تلك قبل ان يؤكد ما فهمته قائلا : انت طالق .
ماريا التي كانت تقف هناك في الزاوية مكتفة اليدين تراقب اختلاجاتهما اثناء الحديث ، فكت تشابك ذراعيها بذهول وهو ينطق بكلمته الآخيرة التي جعلت دنيا زاد تشهق باكية وتفتح الباب مغادرة دون حتى ان ترتدي نقابها
لتقول ماريا بعتب : اســـــــــد ! رباه ليس هكذا تعالج الأمور
تساءل بجدية : هل كان ذلك تصرفا خاطئا ؟
هزت رأسها بياس وهي تتمتم : _ أنت بالفعل تفتقر الى الاحساس
قالت ذلك وهي تدفعه نحو الباب مكملة : الحق بها أسد ... لقد انتظرتك لأربع سنوات لا يحق لك ان تفطر قلبها بهذه الطريقة .
تلكأ قائلا : لكن انا ......
قاطعته بصرامة : تحدثا وانا سأقبل بقراركما ، ايا كان ...... حتى اذا اردت الاستمرار معها ، انا لن اقف عائقا ... اذهب اليها الآن
.******.
بعد يوم واحد
مملكة الأعشاب الطبية