١- صدمة بسبب رجل

11.6K 193 4
                                    


سمعت جنيفر غلين المضيفة تطلب من الركاب ربط أحزمة النجاة , فأطاعت التعليمات بصمت , أبعدت عن عينيها خصلة من شعرها الأحمر الذهبي الطويل , الذي يصل الى أسفل كتفيها , ورفعت رأسها نحو جهاز التهوية في سقف الطائرة , وما أن بدأ الهواء البارد يداعب وجهها , حتى أغمضت عينيها البنيتين الحزينتين وغرقت في تفكير عميق ,كان عليها أن تربط شعرها الى أعلى فهكذا يحبه برادلي ويفضله , تنهدت بألم وهزت رأسها , مع أنها تريده منسدلا مما يجعلها تبدو أصغر سنا , بينما بشكله الحالي يشعرها بأنها متقدمة في السن , وكأنها ليست في الثانية والعشرين فقط , ومع ذلك, شعرت بأنها ضعيفة جدا لا تقوى على مواجهة الصعاب ومشاكل الحياة .
تخرجت قبل عامين فقط من معهد السكرتارية , وكانت الأولى في صفها , قبلت والديها وودعتهما بحزن.... وحماسة , لأنها كانت ذاهبة الى المدينة الكبيرة!
أمضت ثلاثة أسابيع في مينابوليس وهي تدخل مكتبا وتخرج من آخر , حاملة بفخر وأعتزاز شهادتها وكتب التوصية التي حصلت عليها من أدارة المعهد , ولكن النتائج كانت دائما هي أياها , تدخل مكتب المدير لأجراء المقابلة المطلوبة , ثم ترى ملامح الأهتمام والأعجاب تتحول بسرعة الى شك وتردد...وأعتذار , أنقضى الأسبوع الثاني على هذا النحو , فأصبحت جنيفر قادرة على التكهن مسبقا بردود الفعل المحتملة , فكل مدير يدرس أوراقها بتمعن , ثم يتأمل وجهها الناعم وأبتسامتها المتوترة , ويهز برأسه كأنه يسألها أن هي حقا في العشرين من عمرها... لأنها تبدو في السادسة عشرة أو أقل , وتنتهي المقابلة السريعة بالرفض المهذب, بحجة أنه ليست لديها أي خبرة على الأطلاق.
ذهبت في منتصف الأسبوع الثالث لأجراء مقابلة جديدة , وهي تشعر بأن أعصابها سوف تتحطم , خافت من العودة مرة أخرى الى فندق الطلبة , وهي لا تزال بدون وظيفة , كادت ترجو مدير تلك الشركة أن يمنحها فرصة لأثبات قدرتها وجدارتها , كما تفيد بذلك جميع شهاداتها وأوراقها , وجه اليها الرجل نظرة أبوية , ثم قال لها بتردد وتحفظ أنه موافق على توظيفها كضاربة على الآلة الكاتبة في مؤسسته القانونية , أحست جنيفر بأنه ندم على قراره لحظة أتخاذه ,ولكنها فرحت كثيرا لأنها ستتمكن أخيرا من أبلاغ والديها المتلهفين النبأ السار ,بذلت جهودا مضنية على مدى سنة ونصف السنة , لتبدو موظفة نشيطة وقادرة , كانت تتنقل بأستمرار بين مكاتب المسؤولين في تلك الشركة , التي تشغل طابقين كاملين في بناية كبيرة , وأخيرا ,وبعد أشهر من الجلوس وراء الآلات الكاتبة وطبع مئات الأوراق القانونية المملة , سنحت لها فرصة ذهبية , تركت سكرتيرة السيد برادلي ستيفنسن وظيفتها بصورة مفاجئة , فأضطرت الشركة لملء المركز الشاغر بصورة فورية.
أقتربت منها المضيفة وسألتها أذا كانت تريد مجلة أو صحيفة , فشكرتها بتهذيب وعادت تتأمل الغيوم الملبدة , التي تغلف الطائرة من كل جانب... وتفكر بالشركة , شعرت بأنها تتذكر أشياء حدثت أمس ,وليس قبل ستة أشهر كما هو الواقع , تذكرت بوضوح تام أنها أحست لحظة دخولها مكتبه , بأن الأمور ستتغير , كانت أعتمدت لنفسها تلك التسريحة الجادة , بسبب الأتهامات المتواصلة لها بأنها تخفي حقيقة عمرها , أرادت أن تبدو أكبر سنا وأكثر جدية ... وخبرة , وتعرف تماما ماذا تتوقع من برادلي ستيفنسن , الذي يوصف بأنه أحد ألمع المحامين الشبان في تلك الولاية ... وأحد أكثر العازبين وسامة وجاذبية في الشركة , شاهدته مرات عدة في المبنى ولكنها لم تجتمع به مرة واحدة.
رفع نظره عن الأوراق المبعثرة على طاولته , وتطلع نحوها بهدوء تام, كانت تعلو ثغره أبتسامة عريضة ,وساحرة للغاية , شعرت بقوة عينيه السوداوين , وهو يقول لها:
" أهلا , يا آنسة غلين , من الواضح جدا أن لديك سجلا جيدا للغاية , أبلغتني المسؤولة عنك , السيدة جونستون , بأنك شابة ذكية ونشيطة ومخلصة".
وجه اليها بعض الأسئلة المتعلقة بالعمل , وأسمعها كلمات أطراء حلوة عن قدرتها وتفانيها في العمل , كانت تعلم طوال الوقت أنها ستحصل على هذه الوظيفة ,وستصبح السكرتيرة الخاصة لهذا المحامي الجذاب , صاحب الشخصية القوية , وحصلت الفتاة الريفية من مينيسوتا على الوظيفة , التي حسدتها عليها جميع الموظفات في تلك الشركة.
عملت بعناد وتصميم بالغين على أن تجعل من نفسها شخصا لا يمكن للسيد ستيفنسن الأستغناء عنه , ضحت طوال أشهر بساعات الغداء وبفترات طويلة من أوقات فراغها الأخرى , لتطبع الأوراق الهامة وتنهي المعاملات الضرورية المستعجلة , بذلت الجهد الأضافي في البداية كي تثبت قدرتها وجدارتها , ولكنها تحولت لاحقا الى هدف آخر , أصبحت تبذل تلك الجهود المضنية , طمعا في الحصول على أبتسامته الرائعة وكلمات التقدير المقتضبة التي كان يوجهها لها بين الحين والآخر.
وفي وقت متأخر من أحدى الأمسيات , أصر على دعوتها لتناول العشاء معه... على الرغم من أحتجاجها وممانعتها , قال لها:
" أطالبك بصفتي مديرك بأن ترافقيني الى العشاء".
ثم ضحك وأضاف قائلا:
" أذا كان تناول العشاء مع مديرك يتعارض مع قواعد السلوك الصارمة التي تطبقينها , فما عليك ألا التظاهر بأنني أعطيك بعض التعليمات الأدارية أثناء الأكل".
خجلت جنيفر من الأحمرار المتزايد في وجنتيها , ومن خفقان قلبها المتعاظم لأحتمال وجودها معه في جو غير رسمي".
قالت له:
" لست مضطرا أبدا لتوجيه مثل هذه الدعوة".
تأملها بجدية وهي تجيبه على كلامه , ثم قال لها:
" أذا كان لديك موعد آخر , فأخبريني الآن , لست راغبا أبدا بالدفاع عن نفسي أمام عاشق غيور".
" أوه , ليس لدي أي رفيق أو ما شابه ذلك, أنا لا أخرج كثيرا من شقتي".
ندمت فورا على تلك الكلمات التي قالتها له , أحست وكأنها توجه اليه دعوة من نوع ما , أبتسمت ونظرت اليه بشيء من المعاتبة ,وأضافت:
" في أي حال, لم يترك لي العمل الكثير , مجالا كبيرا للتسلية والترفيه عن النفس".
أمضت أمسية رائعة في ذلك المطعم الشاعري الجميل مع ... برادلي , أصر عليها أن تستخدم أسم برادلي أثناء مناداته , كدليل على الصداقة ورفع الشكليات , وجه اليها أسئلة كثيرة تكشف عن أهتمام حقيقي بحياتها العائلية , وشخصيتها وتاريخها , أوصلها تلك الليلة الى شقتها , فشكرته بكلمات مهذبة مختارة على الطعام الجيد والسهرة الشيقة ,وضع يده على ذراعها ,وقال لها:
" أذا تمتعت حقا بهذه الأمسية , فأنني أريد منك خدمة صغيرة ,أسدلي شعرك غدا على كتفيك وتناولي معي طعام الغداء ... هذا أن لم يكن موعد آخر".
ثم ضحك وسألها:
" أنت تعرفين أكثر مني , هل لدي أي موعد ظهر غد؟".
ضحكت جنيفر بمرح ظاهر وقالت له, قبل أن تخرج من سيارته وتركض بسعادة نحو بوابة المبنى:
" لا, ليس لديك أي موعد على الأطلاق".
وهكذا بدأت العلاقة ... تحولت تدريجيا من دعوات بين الحين والآخر الى غداء, أو عشاء , الى سهرة راقصة أو حضور مسرحية, وظلت على هذا المنوال... الى أن أنتهت قبل يومين فقط!

حبيبتي جيني ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن