الفصل الأول

11.3K 143 8
                                    

الشريد

"بلا وطن.. بلا عائلة شريد يبحث عن انتماء..
ومعكِ وجدت مدينتي المفقودة,
مدينة بأسوار عالية مُبهجة للنظر, كلما حاولت تسلقها؛ أجدني أنزلق عائدًا لنقطة البداية,
لكني لم أيأس؛ لأصل للقمة وأظفر بها..
أنا الشريد بلا مأوى, ما من مأوى يستطيع أن يحتويني,
فبتُ شريد باختياري..
شريد عن العالم أجمع؛ إلا عالمكِ.."
*********************

الفصل الأول

نداء والدته المتواصل لم يهمه, بل لم يكترث ويكلف نفسه عناء الرد عليها, يقف منذ نصف ساعة أمام منزله يراقب الطريق ينتظر بحماس رهيب وصول خاله برفاقه الجدد,
فمنذ أن هاتف جاك مارغريت والدته يُخبرها بقرب وصولهم, وهو يترقب ذلك, يريد أن يرى زوجة خاله وابنتها,
كعادته, فضولي يحب أن يتعرف على كل ما هو جديد, سواء أشياء, أو أشخاص..
تحفز بوقفته, حين لمح السيارة قادمة من بعيد, هاتفًا دون أن يحيد بنظره عنها:" لقد وصلوا أمي.."

ثم ركض للسياج الخشبي الأبيض الفاصل بين المنزلين, يراقب توقف السيارة بالمنزل المجاور, وهبوط خاله, زوجته,
ثم فُتح الباب الخلفي للسيارة, تهبط منه طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات, بشعر يتدرج بين البني والفاتح والخصلات العسلية حريري قصير,
بالكاد يصل لأسفل أذنها, لم يتبين ملامح وجهها جيدًا,
لكن ما جعل حاجبه يرتفع بنظرة تدقيق شديدة, ملابسها الشتوية القصيرة جدًا جدًا,
سترة ثقيلة بلون الكراميل, أسفلها تنورة بالكاد تصل لمنتصف فخذها, وحذاء أرضي مسطح كراقصات الباليه..
ألا تشعر بالبرد يضرب ساقيها!..

سؤال يضرب عقله دومًا كلما رأى فتاه ترتدي تلك الملابس الغريبة بهذا الشتاء القارص..

التفت برأسه ينظر من فوق كتفه لوالديه اللذين اتجها لمنزل خاله, يرحبان بحفاوة بسارا زوجة خاله,
ثم تلك الصغيرة, التي ابتسمت بنعومة,
وصوت والده:" حازم.. تعال إلى هنا.."
ابتسم ابتسامة عريضة, يقفز من فوق السياج الأبيض بخفة, يتحرك اتجاههم سريعًا, ليتحول دوره من المشاهد للمتفاعل, يرحب بخاله وزوجته,
وجاك يعرفه إليهما, مربتًا على كتفه بخشونة محببة:" هذا حازم ابن أختي.."
ثم عرفهما إليه:" وهذه سارا زوجتي, وابنتها جيلان.."

نفض يد خاله من على كتفه, يتحرك اتجاه تلك الجيلان, يمد يده جاذبًا يدها, يقبض عليها بقوة,
مُرحبًا بابتسامة متلاعبة:" مرحبًا جيلان.."
عقدت حاجبيها بريبة من ذلك الفتى المريب, تهمهم بكلمات مرحبة بدورها, تُحاول جذب يدها منه, فتركها مع غمزة مرحة..
تحرك الجميع للداخل, ومارغريت تقول بابتسامة بشوشة:" أتمنى أن يعجبكِ المنزل سارا..
لقد قمت بترتيبه بأسرع ما يمكنني.. تستطيعين تغيير ما تريدين فيما بعد.."
ابتسمت سارا بدورها, تهز رأسها بهدوء, تقول بمجاملة:" إنه جيد عزيزتي.. شكرًا لكِ.."
أما ذلك الملتصق بالصغيرة, ينظر إليها من أعلى رأسها لأخمص قدميها كأنه يحفظ تفاصيلها, قبل أن تتركز نظراته على ساقيها,
جعل جاك يقف بجواره, يضربه على ظهره, يقول بابتسامة صفراء:" ماذا حازم.. أرى أنك سعيد بما تراه!.."
رفع وجهه بابتسامة سمجة, يقول ببرود مستفز, مشددًا على حروفه:" جدًا.. المنظر رائع.."
هز جاك رأسه بيأس من تصرفات ابن أخته, فيما انضم إليهما رامز والد حازم,
يقول:" حازم جيلان ستكون معك بنفس المدرسة, لقد قدمت أوراقها.."
التفت ينظر إلى والده وقد ارتفعت شفته العليا باستنكار, هاتفًا بامتعاض:" ماذا!.. والآن عليَّ أن أحميها من التحرش والمتنمرين!.."
فيرتفع حاجب جاك, يميل عليه, هامسًا بتهكم ساخر:" ربما عليك أنت أولاً أن تكف عن التحرش بالفتاة, فأنا لست قلقًا إلا منك.."
التوت زاويتا شفتيه بابتسامة ماكرة, يهمس لخاله بنفس اللهجة:" لقد تعلمت منك خالي.."
ثم تتحول ملامحه للبراءة الخادعة يضيف:" ثم إنها صارت من عائلتي وعليَّ حمايتها والاعتناء بها.."
تحرك مقتربًا من جيلان الواقفة تراقبه بدورها بصمت, عيناها العسليتين تحوما على ملامحه بحذر,
شعر أسود متوسط الطول بقصة ليست صبيانية, تليق بوجهه الأبيض المرح,
عينان سوداوان لامعتان بعبث واضح, وجسد طويل متناسق بملابسه الشتوية الخفيفة نوعًا ما؛ وكأنه لا يأبه للبرد حوله..
ذلك الفتى مريب, ربما يكبرها بعامين أو ثلاثة, لكنه حقًا مثير للقلق..
أجفلت شاهقة, حين جذب كفها يضمه بيده, يسحبها خلفه بخطوات راكضة, هاتفًا بمرح:" هيا جيلي.. سأريكِ الحي.."
هرولت محاولة مجاراته, مرددة بداخلها (جيلي!..)
متى أصبحت رفيقته كي يدللها هكذا!..
تبًا يبدو فتى متهور, وسيُلحق بها المشاكل..
لكنها للحق استمتعت معه حين عرفها على المكان, يتحدث بطريقة مرحة, جعلتها تضحك,
يحشر بعض الكلمات العربية بين الأجنبية, فيُشعرها بالألفة والحنين لموطن والدها الراحل, يعدها أنه سيجعل والده يُعلمها العربية بطلاقة..
في حين اندمج الجميع بالحديث متناسين الصغار..
وجاك يتحدث مع رامز بشأن شركتهما الصغيرة الخاصة بالأمن, والرغبة في تطويرها وجعلها معروفة بين باقي الشركات..
****************

الشريد (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن