الفصل الثالث

2.8K 83 8
                                    

الفصل الثالث

بتلك القاعة الرياضية, تجد الضوضاء تعم بالمكان, أصوات تلك الآلات المخصصة للرياضة البدنية, صوت اصطدام الحديد مع كل حركة,
ضربات لذلك الجسم الرملي الضخم المعلق بأحد الأركان,
لهاث أحدهم جراء ركضه على الممشى, يزداد كلما زاد السرعة,
وهناك بالحلبة المُخصصة للملاكمة بين الأفراد,
كانا يقفان يتناوران سويًا, يرتديان تلك القفازات كي تحمي أيديهم من الإصابة, يُحاول كل منهما أن يقوم بلكم الآخر,
وصوت اللهاث يعلو مع علو وانخفاض الصدر من المجهود, رُغم تلك الابتسامة المتحدية على ثغرهما..
انخفض سريعًا, يتفادى تلك الضربة التي كادت أن تصيب وجهه, ضاحكًا باستخفاف, قبل أن يعتدل, مسددًا لكمة قوية بوجه جاك,
الذي تراجع للخلف, يحرك فكه بألم, مع تعابير وجهه التي تجهمت,
قائلاً بنزق:" ترفق يا فتى.. لست بقوتك.."
ضحكة ساخرة انطلقت من حازم, الذي ردد بتهكم:" لست بقوتي!.. هل تظن أن حيلتك ستنطلي عليَّ أيها الدب العجوز؟.."
ابتسامة ملتوية ارتسمت على ثغر جاك, قبل أن يُباغته بلكمة تفاداها على بُعد انش واحد من فكه,
قائلاً بزهو:" الدب العجوز من علمك كل المهارات عزيزي.. ولدي العديد لا زال بجعبتي.."
رفع حازم يديه بحركة دفاعية يحمي بها وجهه من لكمات جاك المتتالية, والأخير يسأله:" كيف حال العمل؟.."
فيرد عليه وبصوت متهدج لاهث, ولا زال بوضع الدفاع:" جيد.. لا تقلق لم تغب سوى أيام.."
هز رأسه باستحسان, فهذه الفترة هو دائم السفر لكثير من الأماكن, ولا يستطيع أن يتابع العمل بطريقة مباشرة,
ومع انشغال رامز هذه الفترة أيضًا, أوكلت مهام الشركة وإدارتها 
لحازم الذي أضاف بسخرية:" ماذا بك جاك؟.. هل كبرت حقًا!.. ضرباتك أصبحت ضعيفة.."
فينال ركلة, جعلته ينظر إليه بغيظ, قبل أن يقول جاك بحنق:" توقف عن استفزازي.."
ثم توقف يحرك عنقه للجانبين, وكتفاه حركات دائرية,
مضيفًا بإنهاك:" يكفي اليوم تدريب.. لم أنم منذ عدت للمنزل.."
رمقه حازم بنظرة عابثة ذات مغزى؛ جعلته يدير عينيه بملل, نازعًا قفازيه, تاركًا إياه يلتقط زجاجة من المياه يرتشف منها,
ثم يعود إليه, قائلاً بهدوء:" الكثير من الأعمال تقع على كاهلي..
ولا أستطيع أن أغفل عن أي شيء.. ووالدك لا أدري فيما يفكر يبدو شارد الذهن دومًا.."
استند حازم على العمود المعدني ذو اللون الأزرق, الداعم لحبال الحلبة, يتابع بنظره من حوله من المتدربين,
قائلاً:" أبي يبدو غريبًا فعلاً.. وكلما سألته عما به.. لا يجيب.."
ثم التفت برأسه لجاك, مضيفًا بتنهيدة مثقلة:" يشعر بالحنين لبلاده.."
هز رأسه موافقًا, يؤكد حديثه:" والدك لا يزال يشعر بالانتماء لتلك البلاد رُغم ما حدث.."
ارتفع حاجبه يرمقه بنظرة غريبة, قبل أن يقول بغموض:" وأي بلاد تنتمي إليها أنت جاك؟.."
حدجه بنظرة قاتمة, دون أن يجيبه, ولم ينتظر هو الرد, فعاد ينظر أمامه,
ارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتيه, وهو ينظر بتدقيق لتلك التي دلفت بملابس رياضية,
مكونة من قميص رمادي بدون أكمام, يلتصق بجسدها, يخفي فقط منطقة الصدر, تاركًا باقي الجذع متعة للنظر,
حتى الخصر, ثم شورت قصير جدًا أسود اللون يصل لربع فخذها, مُظهرًا ساقيها المنحوتتين,
تلك القاعات الرياضية حقًا مثيرة للغاية, فهنا تجد الرياضة وتفريغ الطاقات, وأيضًا الصُحبة كيفما تريد..
لكن ذلك المراقب لم ينظر سوى لساقيها, يتأملهما بطريقة, جعلت جاك يصدر ضحكة متسلية,
ثم ينظر بدوره لتفاصيلها, لاكزًا إياه بمرفقه, بجانبه,
قائلاً بوقاحة:" لديها مقومات رائعة, خاصةً الخلفية والسيقان.."
أشاح برأسه بلا مبالاة, دون أن يبعد أنظاره, يجيبه بوقاحة مماثلة:" مقومات جيدة, لكن ليست أفضل من ساقي جيلان.."
فينال لكزة أقوى, مع زمجرة معترضة من جاك, موبخًا:" كف عن وقاحتك مع صغيرتي.."
زافرًا بحنق منه, فجيلان بالنسبة إليه كابنته, وتصرفات حازم  تضايقه ببعض الأحيان,
وتعلقه بها يُشعره بالضيق, لأجله لا لأجلها..
أخذ نفسًا عميقًا يزفره بقوة, نافضًا كل الأفكار التي تحاول مهاجمة تفكيره,
ثم قال بجدية:" لدي عمل لك.."
لمعت عينا حازم, ينظر إليه بترقب, مع نزعه لقفازيه,
فاستطرد جاك بغموض:" بعد يومين بولاية (......).."
هز رأسه موافقًا, لكن جاك عاد يحذره:" حازم احترس.. وقم بها ليلاً.."
لكن الأخير اعتلى ثغره ابتسامة ملتوية, قائلاً بتسلية:" بل نهارًا.. فأنا لست من محبي الليل.."
هز جاك رأسه زافرًا بيأس, ثم قال بقلة حيلة:" افعل ما تريد.. فقط نفذ الأمر.."
***************

الشريد (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن