الفصل الثامن
_يعمل معك جاك!.. قاتل مأجور..
ونبرتها تكاد تكون صارخة, بعدم تصديق لما يحدث أمامها..
جعلته يزفر بحنق, يشعر بأنه قد وقع بين أحمقين..
تلك الفضولية كشفت الأمر, لم يكن يريدها أن تعرف أبدًا,
لم يتخيل أنها قد تدقق بالأمر, بل وتعرفه رُغم تخفيه,
والآن حازم ينظر إليه باتهام مستفز, يود لو وجه لكمة لكليهما,
يسمع حازم يسأله بغضب:" لِمَ أدخلتها؟.."
جيلان بنفس النبرة:" جعلته مثلك جاك!.."
يحاسبانه الآن كل منهما يستنكر عمل الآخر, ويجلده بتوبيخ,
عبست ملامحه وقد انعقد حاجباه, قائلاً بصوت مكتوم بغضبه:" اخفضا صوتكما.. سيسمعنا أحدهم.."
ثم نهض من مكانه, يتحرك بخطوات ثابتة, يرمق كلاهما بحنق, آمرًا:" اتبعاني.."
لكنه عاد يحمل الحاسوب الخاص بجيلان بعد أن أغلقه بعنف, يأخذه معه,
وهما يتحركان خلفه, كل منهما ينظر للآخر بتوعد..
استقل ثلاثتهم المصعد, حتى وصلوا للطابق السفلي, يدلفون إلى غرفة التدريب الخاصة, وجاك يصفع الباب خلفه بقوة..
ليجد كلاهما يقف بوجهه يعقد كل منهما ذراعيه أمام صدره بترقب للتفسير..
زفر مرةً أخرى بضيق, ثم جلس بهدوء على أحد المقاعد الجلدية بعد أن وضع الحاسوب على طاولة جانبية..
وجيلان تهتف بحدة:" انتظر تفسيرًا جاك.."
نظر إليها بجمود, وشفتاه مزمومتين, متسائلاً ببرود:" أي تفسير عزيزتي؟.."
اشتعلت عيناها بجنون, تهدر بشراسة:" لا تتصنع الغباء جاك.. حازم كيف لك أن تضعه بهذا الوضع؟.. تغاضيت عما تفعله سابقًا, لكن الآن لن أفعل.."
ضحك داخله باستخفاف, الصغيرة تهدده بما لا تستطيع,
لكن بنفس الوقت يشعر بشيء من الراحة لخوفها على حازم,
فتلمع عيناه ببريق غامض, دون حديث,
يراها تكاد تتفافز بجنون, تلك النظرة الشرسة بعينيها,
كقطة برية ستنشب أظافرها بمن يقترب من أحبائها..
إن كانت الظروف مختلفة لابتسم برضا,
وحازم يهتف بحدة:" بل كيف تُدخلها؟.. وأنتِ كيف تُخفين أمرٍ كهذا عني؟.."
موجهًا جملته الأخيرة بعصبية إليها,
وهي تكاد تنقض عليه,
أخذ جاك نفسًا عميقًا يزفره بروية, ينظر إليهما ببرود مُغيظ,
قائلاً:" في الواقع أنا لم أجبر أحدكما على ما يفعله.."
اتسعت عينا جيلان بعدم تصديق لحديثه, تفغر فاها لتتحدث,
لكنه بادر بالقول, يشير بإصبعه ليُسكتها:" أنتِ عزيزتي تسللتِ إلى برامج شركتي المحمية, بفضول الاستكشاف داخلكِ.. ولم تعترضي حين أخبرتكِ برغبتي بعملكِ معي.."
ثم وجه حديثه لحازم باستياء واضح:" أما أنت أيها الأهوج.. فأنت من عرضت خدماتك..
بل توسلت للعمل معي وكأن الأمر لُعبة.. مغامرة ستقوم بها باستمتاع.."
ثم أكمل ببطء مُشددًا على كلماته, وهو يجلس باسترخاء بكرسيه:" بمعنى أنكما أحمقين.. عليكما أن تلوما نفسكما, لا أنا.."
لكنه عاد يسألها بحيرة:" لكن كيف تعرفتِ عليه!.."
جزت على أسنانها بقوة, قابضة على فكها,
قائلة بحدة:" سأعرفه وإن كان بين المئات.. عيناه.. وحركة جسده.."
وذلك الواقف بجوارها, ابتسم باتساع, يضع يديه بجيبي بنطاله,
قائلاً بفخر عابث:" بالطبع ستتعرف عليَّ.. فأنا زوجها وقد قمنا بالكثير من......"
نظرتها إليه قطعت حديثه,
فتململ بوقفته يمط شفتيه للجانب بتبرم,
هزت ساقها بعصبية, وجهها الأحمر من الانفعال يكاد تنفجر عروقه البارزة, قابضة على كفيها بقوة حتى حفرت أظافرها بباطنهما,
تنظر لحازم باشتعال, تعنفه:" كيف فعلتها؟.. تقتل دون رحمة.. حين رأيتك لم أصدق أنه أنت.."
زم شفتيه بحنق, يعقد حاجبيه, مسبلاً أهدابه, يشعر بالضيق مما حدث,
وضيقه الأكبر أنها تعمل مع جاك دون معرفته,
لكنه أجفل حين وجدها تندفع اتجاهه, تُمسك بتلابيب قميصه, تهزه,
صارخة بانفعال:" اجبني حازم.. كيف فعلتها؟.. كيف تُخاطر هكذا؟.. كيف تُزهق أرواحًا دون شعور؟.. أنت... أنت......"
لا تعرف ماذا تقول, فقط رعب خالص متمكن منها, قلبها ينتفض داخل صدرها, وعيناها مغرورقتان بدموع حبيسة,
تراه أمامها قاتل, ويداه مغرقة بدماء ضحايا..
وجاك يقول بضيق:" توقفي جيلان.. لا داعي لكل ذلك.. أنا......."
التفتت إليه, دون أن تترك ملابس حازم, مرددة بعنف:" لا داعي لذلك؟.. أتدركان ما تفعلانه!.. قاتلان.."
_لِمَ كل ذلك الغضب عزيزتي؟.. أنتِ قاتلة بيد ملوثة بالدماء مثلنا.. لا داعي للشعارات الكاذبة..
اتسعت عيناها بذهول, وهي تسمع تلك النبرة الجامدة ببساطة؛ بل وجاك نظر إليه بدهشة حقيقية..
واقفًا ينظر لجيلان المصدومة بملامح غامضة, مريبة,
وهي تهمس ببلاهة:" ماذا؟.."
لم يرف له جفن يواجهها, مُكررًا بقوة قاسية:" أنتِ قاتلة مثلنا عزيزتي.. ارتضيتِ أن تمحي أثر ما نفعله.. تُبعدين عنا ما يُهدد فضحنا.. بل أنتِ تتحملين الوزر الأكبر, فبدونكِ لم نكن لنستمر بالعمل دون أن نُكشف.."
_ماذا؟..
وهما لديهما وجهة نظر تبرر أفعالهما، وببساطة وكأن ما يفعلانه أمر عادي بل هو الأفضل..
وقف جاك يتحرك اتجاهها موضحًا:" نحن لا نقتل سوى من يستحق.."
وحازم خلفه يضيف:" إنهم قتلة بدورهم.. فاسدون.. إن لم نُجهز عليهم؛ سيعيثون فسادًا.."
ارتفع حاجباها حتى كادا يلامسان منابت شعرها، منظرها إن كان بموقف آخر لكان مُضحك, وهي تنظر إليهما كمختلين عقليًا،
تفغر شفتيها تحاول الحديث ثم تعاود غلقهما..
راقب جاك ملامحها،
ثم تنهد قائلاً بهدوء:" عزيزتي.. تستطيعين القول أننا نقوم بتصفية.. ومن نصفيهم هم ليسوا سوى حفنة قذرة من البشر.. مافيا.. وسياسيون.."
هزت رأسها تنفض صدمتها، عيناها مغرورقتان بالدموع،
تقول بتحشرج:" من عينكما قاضيين، ثم جلادين تنفذان؟.. سياسيون!.. ألم تفكرا أن فيهم البريء؟.."
ومع نهاية سؤاله, كان رد حازم:" ليس هناك سياسي بريء.. جميعهم فاسدين.."
_ليس الجميع..
_بل جميعهم..
وحازم يؤكد بصلابة..
أنت تقرأ
الشريد (مكتملة)
Action"بلا وطن.. بلا عائلة شريد يبحث عن انتماء.. ومعكِ وجدت مدينتي المفقودة, مدينة بأسوار عالية مُبهجة للنظر, كلما حاولت تسلقها؛ أجدني أنزلق عائدًا لنقطة البداية, لكني لم أيأس؛ لأصل للقمة وأظفر بها.. أنا الشريد بلا مأوى, ما من مأوى يستطيع أن يحتويني, فبت...