انتفضت مستيقظة تتلفت حولها بهلع, تبكي بذعر,
منادية باستنجاد:" حازم.."
نظرت حولها بتشوش, صدرها يعلو ويهبط بطريقة خرافية,
تفغر شفتيها لاهثة, حتى تبينت أنها بغرفتها وكل ذلك حُلم؛ بل كابوس مريع..
وضعت يدها على صدرها تهدأ نفسها, دموعها تنهمر دون شعور, وكأن بكاءها بالحلم كان حقيقة..
نهضت ببطء, تشعر بقدميها ترتجفان كباقي جسدها, حتى خرجت من الغرفة, تستند على الجدار كداعم لها, كي لا تسقط..
وجدته هناك يجلس على كرسي, يرجع رأسه يسنده على ظهر الكرسي للخلف, مغمض العينين, وساقه على الطاولة أمامه,
شعره مُشعث؛ وكأنه عبث به بأصابعه من كثرة التفكير..
فغرت شفتيها تأخذ نفسًا مرتعشًا, تزفره بتقطع..
ثم تحركت اتجاهه, حتى وقفت أمامه,
هامسة باختناق:" حازم.."
فتح عينيه ينظر بجمود, لكن مع رؤيته لوجهها الأحمر ودموعها,
عقد حاجبيه بقلق, مُنزلاً ساقه,
متسائلاً:" ماذا بكِ؟.."
ابتلعت ريقها الجاف, دموعها تنهمر بقوة,
زفر بحنق, متجهمًا, ثم مد يده إليها, فأسرعت تمسكها, ليجذبها,
فتجلس على ساقيه, دافنة وجهها بصدره, تبكي وجسدها يرتجف..
مع همستها المعذبة:" آسفة.."
لم يفهم سبب أسفها, لكن هيئتها تلك اربكته بشدة,
تذكره بتلك الليلة التي عادت فيها منهارة..
جز على أسنانه بقوة يكتم أنفاسه المشتعلة, مع تشنج جسده, يظنها تريد التأثير عليه ليذهب, لكنه لن يفعل أبدًا..
فقال باقتضاب:" جيلان.."
لكنها قاطعته بصوتها المختنق, تقترب منه وكأن التصاقها به لا يكفيها:" آسفة.. لن أتحدث مجددًا بأمر الذهاب.. سأفعل ما تريده.."
ارتخى جسده المتشنج, يرمش بعينيه بدهشة, فذلك لم يكن حديثها منذ ساعات, ما الذي حدث لتقول ذلك!..
أسبل أهدابه قليلاً متنهدًا بتثاقل، يخبرها:" لن أذهب أبدًا.. هذا قرار نهائي..
أنا لا أطيق تلك البلاد.."
تمسكت بقميصه بقوة، تهز رأسها موافقة دون حديث فقط شهقاتها تعلو مع كل انتفاضة لجسدها، وهو أحاطها بذراعيه،
انحنت زاويتا عينيه بشرود حزين، صمت كلاهما لفترة مع تشديده لذراعيه حولها باحتواء،
حتى هدأت قليلاً وشعر هو بذلك،
فتساءل بهمس:" ماذا حدث جيلي؟.. لِمَ كل ذلك الخوف مع تبديل رأيكِ بهذا الشأن؟.."
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة, تزم شفتيها بقوة تحد من ارتجافهما،
هامسة بصمت مبحوح:" لا شيء.."
مرغت وجهها بصدره، ودموعها قد بللت قميصه تمامًا، مع ازدياد تشبث قبضتها به،
ارتفع حاجبه باستهجان غير مصدق، مرددًا بشك:" لا شيء!.. لا شيء خاصتكِ تعني أن هناك الكثير.."
عادت دموعها تجري على وجنتيها، تشهق شهقات مكتومة،
ثم اجابته بضعف:" أخاف أن تتركني.."
ارتفع حاجبيه بدهشة من حديثها، يعتدل قليلاً مبعدًا إياها عن صدره,
ناظرًا لوجهها المُطرق دون أن يفلتها،
قائلاً بتلقائية قوية:" أنا لن أترككِ أبدًا جيلان.."
ارتسمت علامات الألم على وجهها, تعض شفتها السفلى بقوة تكاد تُدميها,
ثم قالت بقلة حيلة وهنة:" أشعر بالخوف.. ربما يحدث ما يجعلك تفعل ذلك.."
ابتسم ابتسامة باهتة, وقد ارتخت أهدابه قليلاً, ينظر بشرود لنقطة واهية, قائلاً بتنهيدة مُثقلة:" لن يحدث أبدًا.. مهما حدث لن أترككِ أبدًا.. أتذكرين حين أخبرتكِ يومًا أنكِ لن تستطيعين تركي..
أنا قدركِ.. لن تبتعدي عني حتى النهاية.."
ابتسامة مرتجفة ارتسمت على شفتيها, تتذكر ذلك اليوم بالمشفى
قبل ذهابه للبلاد, حين أخبرها ألا تترك حلا؛
ليكون ردها أنها لن تتركه هو, ويكون رده
"لن تستطيعي تركي أبدًا.. فقدركِ أنا ولن تبتعدي.."
مد يده يمسح جانب وجهها برفق, فأغمضت عينيها بإنهاك,
تهمس إليه بتعب:" أحبك حازم.. وأحب قدري معك.."
اتسعت ابتسامته قليلاً, يضمها إليه بقوة,
قائلاً بحنق:" تقولين ذلك بأسوأ الأوقات.. وإن قمت بالرد كما يجب,
يتم مقاطعتي أما بسبب استيقاظ الخنفساء, التي تُشعرني أن لديها قرون استشعار تلتقط أوقات متعتي لتنهض وتستفزني.. أو بسببكِ أنتِ..
أنا أعاني ولا أحد يشعر بي.."
وكعادته يُضحكها في أشد أوقاتها بؤسًا, هزت رأسها بيأس, تضم جسدها إليه تتنعم بدفئه,
وذلك الشعور بالأمان يتسلل إليها مرةً أخرى, تُذكر نفسها أنه مُجرد كابوس..
ومن معها هو حازم.. حازم لن يتركها أبدًا مهما حدث..
يستطيع قراءة دواخلها, يفهمها, ولا يكترث لشيء إلا وجدوها بجواره..
وهي لن تكترث إلا لسواه, ولحلا..
والتي وكأنها استدعتها بأفكارها,
فسمعت صوتها الناعس, مع خطواتها البطيئة:" هازم.."
ثم تحركها اتجاههما, تتمسك بها, حتى صعدت وجلست بدورها على ساقيها, تتعلق حازم بتملك, دافنة وجهها بعُنقه,
وهو نظر إلى جيلان بملامح وجه شبه باكية,
رُغم تطويقه لها بذراعه مع جيلان,
قائلاً ببؤس:" أرأيتِ؟.."
اتسعت ابتسامتها, تشعر بأنها قد ملكت الدنيا وهي بتلك الوضعية بين ذراعيه,
وحلا تتمتم:" هازم.."
أنت تقرأ
الشريد (مكتملة)
Action"بلا وطن.. بلا عائلة شريد يبحث عن انتماء.. ومعكِ وجدت مدينتي المفقودة, مدينة بأسوار عالية مُبهجة للنظر, كلما حاولت تسلقها؛ أجدني أنزلق عائدًا لنقطة البداية, لكني لم أيأس؛ لأصل للقمة وأظفر بها.. أنا الشريد بلا مأوى, ما من مأوى يستطيع أن يحتويني, فبت...