منذ عودتها لأمريكا وهو يتصل بها مرارًا؛ إلا أنها لا تُجيب، مجرد رؤيتها لاسمه على شاشة هاتفها يصيبها بالغضب والحقد المتصاعد،
وحديثه مع جده يتردد بعقلها؛ فيزيدها غلاً..
ذهبت إليه آمالها تلامس عنان السماء؛ لكنها عادت وقد هوت لأسفل سافلين..
عرفت قيمتها، علمت أنها ليست سوى نزوة بالنسبة إليه، لن ترتقي لمستواهم أبدًا، يرونها نكرة بلا قيمة، لكنها ليست كذلك..
وحان وقت تخطيهم للأبد, ومتابعة حياتها مع من يُقدرها..
أمسكت بهاتفها تنظر إليه بجمود، قبل أن تضغط على رقم بعينه تنتظر الرد،
وصلها بلهفة مُعتادة أذابت قليلاً من جمودها:" جيلان صغيرتي.. كيف حالكِ؟.."
ابتسمت بهدوء تجيبها:" بخير جدتي.. كيف حالكِ أنتِ؟.."
تحولت النبرة إلى عتاب حزين:" كيف سأكون بنيتي!.. سافرتِ دون سبب بلا إنذار.. ماذا حدث؟.."
جزت على أسنانها تكتم غضبها، ثم قالت: لا شيء.. فقط أردت الرحيل.."
وقبل أن تبدأ الجدة في العتاب والنواح،
أسرعت تُضيف:" جدتي.. هناك أمر هام أريد أن أخبركِ إياه.. أنا سأتزوج.."
والجملة سقطت كصاعقة اتسعت لها عينيَّ الجدة, لا تستوعب الحديث لبرهة،
ثم تساءلت ببطء:" ماذا تقولين جيلان!.."
_جدتي أنا.....
قاطعتها الجدة بلهفة سعيدة ظنًا منها أن فاتح أخبرها بالأمر مقنعًا جده:" حقا حبيبتي!.. هل اتفقتِ مع فاتح على الأمر؟.. هل عدتِ لهذا السبب كي ترتبي أحوالكِ؟.. فاتح اللئيم لم يخبرني.. يا إلهي أنا سعيدة للغاية.."
رغبة ملحة للضحك الساخر انتابتها كتمتها بصعوبة،
هاتفة:" جدتي استمعي إليَّ.. ليس فاتح أنا سأتزوج حازم.."
تحولت ابتسامة الجدة لعبوس تركز بالحديث, تردد بعدم استيعاب:" أي حازم جيلان.. فاتح.."
وكأنها حين ذكرت اسمه استدعته، فوجدته يقترب منها سريعًا يأخذ الهاتف وقد سمعها تحدث جيلان،
هاتفًا بحدة:" جيلان.. لِمَ لا تجيبين عن اتصالاتي؟.. لِمَ رحلت؟.."
صوته وصل إليها ناشرًا صقيع، وشعور بالنفور يتغلغل بداخلها،
فقالت بفتور:" فاتح.."
والأخير يهدر موبخًا بغضب مشاعره, وحنقه منها لعدم ردها عليه:" أجل فاتح.. كيف ترحلين دون أن تخبريني.. أو تأخذي الإذن؟.."
ارتفع حاجبيها بدهشة من تسلطه الوقح، وكأنها من ممتلكاته لا تستطيع فعل شيء إلا بإذنه، ذلك المتعجرف كيف كانت عمياء عن كل تصرفاته لهذه الدرجة؟!..
أخذت نفسًا عميقًا تزفره بروية، ثم قالت بجمود:" أردت الرحيل ورحلت.."
الغضب يجعله يكاد ينفجر، وطريقتها بالحديث معه تجعله يود ضربها بقوة، هو الذي يفكر كي تكون معه، يخطط بروية كي تسير الأمور بمسارها الصحيح ليفوز بها وبرضا جده،
فهتف بانفعال:" جيلان أنتِ......."
وتلك التي كان سيوبخها الآن أخرسته بقولها:" استمع إليَّ.. أنا اتصلت بجدتي؛ لأخبرها أنني سأتزوج بعد أسبوع.."
_تتزوجين!..
والنبرة مصعوقة خافتة،
فتشعر بالانتشاء تردد بقوة:" أجل.. حازم.."
ومع ذكرها لحازم جن جنونه، يصرخ:" هل جننتِ!.. أي زواج تتحدثين عنه؟.. وماذا عني؟.."
ملامح وجهها تحولت للاشمئزاز، تود لو كانت تراه وجها لوجه كي تُلقي كلماتها إليه،
قائلة بعنفوان:" أنت ماذا فاتح؟.. أنت مجرد متعجرف يظن أنه يستطيع الحصول على كل شيء..
تريد مني أن أقبل بالفتات الذي ستلقيه متفضلاَ عليَّ؛ لكنك لا تعلم أنني لست تلك اليائسة التي ستقبل بالقليل..
أنا جيلان من لا يكتفي بي متحديًا الجميع لا أقبل به.. وأنت لست سوى خانع منافق لجدك.."
اتسعت عيناه من حديثها, وقد علم أنها قد سمعت حديثهما سابقًا، يظن كرامتها قد جرحت،
فحاول تلطيف الجو, قائلاً بروية:" جيلان ما سمعتِه ذلك اليوم لم يكن... أعني سأفهمكِ الأمر.."
تلجلجه بالحديث جعلها تمقته أكثر، تزم شفتيها بقوة،
قبل أن تقول بجدية:" لا أهتم لما ستقوله.. أنا سأتزوج حازم الأسبوع المقبل وأردت إعلامكم بالأمر..
إن أردتم القدوم لمباركة الزواج مرحبًا بكم.. من فضلك اعطني جدتي.."
لكنه عاد يهدر بجنون:" توقفي عن تلك الحماقة.. لا تكوني تافهة؛ فتفعلي ذلك للانتقام مني.. أنتِ تحبينني.. تتمنين أن تكوني لي.."
تافهة!..
ذلك المغرور يراها تافهة ستنتقم منه فقط..
اشتدت شفتاها حتى أصبحتا كخط حاد, مغمضة عينيها تهدأ من ثورتها،
ثم قالت بصوت مكتوم:" لا تعطي نفسك أكبر من قدرك سيد فاتح.. أنا لا أحبك.. ربما تفاهتي كانت معجبة بك.."
حديثها أصاب غروره الواثق بأنها غاضبة، فقال بتسلط العالم أنها ستعود باكية:" لن تفعليها.."
_عُرسي بعد أسبوع, وددت أن أُرسل دعوة, لكن العائلة لا تحتاجها..
ونبرتها وصلته جادة رُغم سخريتها المتهكمة بشأن العائلة،
جعلت ملامحه تكفهر بغضب, يكاد من يراه يظنه قد يقتلها,
قائلاً بقسوة:" إن فعلتها انسي أننا عائلتكِ.. يبدو أن جدي محقًا.."
ثم أغلق الهاتف بوجهها..
يدور حول نفسه بجنون غاضب, والجدة تنظر إليه بنظرات مذعورة,
تسأله:" ما الذي يحدث فاتح؟.."
وهو وسط ثورته يريد تحطيم أي شيء, يكور قبضتيه, يكاد يسحق هاتف الجدة من فرط عصبيته,
هادرًا بحدة:" لا شيء.. مجرد تراهات تتفوه بها.."
ثم ألقى الهاتف بعدم اهتمام, يتحرك بعيدًا, عيناه قاتمتان يتوعدها إن فعلتها لن يُمررها.. فقط سينتظر..
نظرت بصمت للهاتف دون أي تعبير على وجهها, فقط انعقاد طفيف بحاجبيها,
أنت تقرأ
الشريد (مكتملة)
Ação"بلا وطن.. بلا عائلة شريد يبحث عن انتماء.. ومعكِ وجدت مدينتي المفقودة, مدينة بأسوار عالية مُبهجة للنظر, كلما حاولت تسلقها؛ أجدني أنزلق عائدًا لنقطة البداية, لكني لم أيأس؛ لأصل للقمة وأظفر بها.. أنا الشريد بلا مأوى, ما من مأوى يستطيع أن يحتويني, فبت...