تجلس بغرفة الصغيرة تضعها على طرف الفراش, وهي تجلس خلفها تبتسم برقة, تمشط شعرها القصير لتسريحة طفولية,
فتقسم شعرها لنصفين, ترفعهما على هيئة أذني قطة,
يتناسبان مع فستانها الرقيق بلونه السماوي القصير, مُظهرًا ساقيها المكتنزتين,
أما الصغيرة فتزم شفتيها الحمراوين, مع انعقاد حاجبيها بعبوس حانق,
عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتبرم واضح, تُشبه حازم حين يعبس..
فحلا لا يُعجبها ما تفعله لها, مرددة أن هازم لا يفعل ذلك, لا يرتدي ذاك..
وهي تريد أن تكون مثله بكل شيء..
وجيلان تُقنعها بشتى الطُرق أنها فتاة جميلة, بل تُحضر لها ملابس مُشابهة لملابسها..
ووسط تذمرات الصغيرة وتململها بجلستها, سمعا صوت حازم يقول:" ما هذا؟.."
رفعت رأسها تنظر إليه فوجدته يقف مستندًا بجسده لإطار الباب, يلف ساق على الأخرى, ينظر إليهما بحاجبين معقودين بعدم رضا واضح..
وحين لمحته الصغيرة أشرق وجهها كعادتها, تقفز من جلستها,
تريه ملابسها, هاتفة:" هازم.. جيلي أحضرت فستان.."
فتمتعض ملامحه أكثر, قائلاً بنزق:" أرى ذلك.."
نظراته تتفحص فستانها الطفولي, فيزم شفتيه بقوة, مع قوله الحانق لجيلان:" فستان قصير يُظهر ساقيها بسخاء.. وتسريحة شعر سخيفة.. هذا لا......"
قطع حديثه وقوف جيلان, تنظر إليه نظرة نارية متوعدة,
تقول من بين أسنانها بتشديد:" فستان حلا رائع.. والتسريحة جميلة.. أليس كذلك حازم؟.."
والمذكور لا يؤيد ذلك, بل لا يُعجبه على الإطلاق, فيزفر بقوة,
مغمغمًا بامتعاض:" بل تسريحة مريعة.. تبدو كأذني قرد أبله.."فتعيد جيلان حديثها, مع رؤيتها لحلا تراقب انفعالات وملامح حازم:" جميل أليس كذلك؟.."
زم شفتيه للجانب, مهمهمًا بموافقة مقتضبة, قبل أن يعود ماسحًا الصغيرة بنظراته, وتتركز على ساقيها,
متسائلاً:" الفستان.. ألن ترتدي أسفله جوارب على الأقل؟.."
ارتفع حاجب جيلان بترقب, فيتململ بوقفته أكثر,
هاتفًا بضيق:" ماذا؟.. وما بها البناطيل إنها جيدة, ومريحة, بل جميلة.."
_حازم..
والنبرة متوعدة بنفاذ صبر, فهي تُحاول مع حلا منذ مدة, ولن تسمح له بإفساد الأمر,
لكنه لا يتوقف عن الحديث, مقتربًا منها عيناه تلمعان بخبث مُعتاد, يميل بوجهه,
هامسًا بعبث:" ألم تجربي ارتداء البناطيل؟.. إنها رائعة تُحدد مظهر الساق بجاذبية غامضة, تجعلني أتساءل بفضول عن شكل الساق بدونها.. تُثير الخيال.. وذلك أروع من رؤيتها كسلعة مكشوفة.."
عقدة حاجبيها مضيقةً عينيها بتركيز, تتساءل ببطء:" هل تقصد أن ساقيَّ سلعة مكشوفة للناظرين!.."
تحركت حدقتاه للجانب, ينظر بطرف عينه بعيدًا عنها, يهز كتفه بلامبالاة, مغمغمًا بتبرم:" لا تأخذي الحديث بمحمل شخصي.. أنا أتحدث بوجه عام.."
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بقوة, تكور قبضتها بقوة, وقد اشتدت شفتاها وأصبحتا كخط حاد, ترفع سبابتها بوجهه,
قائلة بتشنج واضح متوعدة:" حازم.. إن لم تتوقف عما تفعله.. وتُفسد ما أفعله لن أمررها.. سأسافر لبعض الوقت إلى البلاد وعندما أعود إن وجدت الصغيرة عادت لما كانت تفعله.. سأخنقك بيديَّ.."
ثم أضافت آمرةً تشير بيدها للباب:" والآن اخرج.."
_لماذا؟..
والسؤال ببراءة,
ورده كان دفعة منها, تقول بنفاذ صبر:" وقت فتيات دون حازم وتفكيره المنحرف.."
وبتفكيره المنحرف يبتسم باتساع, يتحرك مع دفعها, ويميل عليها برأسه, يهمس بتلاعب:" وقت للفتيات.. ألن يكون هناك وقت للكبار فقط يمكنني........"
وقطع حديثه حين دفعته بعنف, ثم أغلقت الباب بوجهه, هاتفة بحدة:" وقح.."
والوقح يهتف من خلف الباب بتظلم:" أنتِ تتنمرين عليَّ.."
ولم يرى ضحكتها المكتومة, وحلا تراقبها بفضول,
تقترب منها متمسكة بساقها, فيتهدل كتفاها بيأس, فيبدو أن الموضوع إن لم يكن ميؤوس منه, فهو صعب.. صعب جدًا إصلاحه..
**************
أنت تقرأ
الشريد (مكتملة)
Action"بلا وطن.. بلا عائلة شريد يبحث عن انتماء.. ومعكِ وجدت مدينتي المفقودة, مدينة بأسوار عالية مُبهجة للنظر, كلما حاولت تسلقها؛ أجدني أنزلق عائدًا لنقطة البداية, لكني لم أيأس؛ لأصل للقمة وأظفر بها.. أنا الشريد بلا مأوى, ما من مأوى يستطيع أن يحتويني, فبت...