الفصل الثاني عشر
(غدر)
كان المطر ينهمر بغزارة، والرياح الباردة تهز الأشجار في الحديقة المحيطة بالمكان بقوة، وكان أمام تقوى خياران، أما تبقى في ذلك المكان وتنسي العودة إلي البيت أو تجتاز الباب وتتحمل العواقب.
وقفت أمام مستشفي تنتظر أن تمر سيارة أجرة أمامها، شعرت بالخوف وقد أصبح الطريق موحشًا، حتى حارس البناية أتجه إلي الداخل هربًا من البرد وبقيت وحيدة.
تفحصت السماء فإذا بقطع سوداء مظلمة تتدجى وتتكثف ويملس بعضها في أحشاء بعض، حاولت أن تتصل بوالدتها لكن هاتفها خارج نطاق الخدمة، قررت أن تتصل بجدها فوجدت هاتفه مغلقًا، ومرة خارج نطاق الخدمة، حسمت أمرها أن تتصل بوالدها لأحسن حظها كان هاتفه متاح زفرت بضيق لنفاذ صبرها لعدم رده، عاودت الأتصال بيه مرة أخري وجأءها الرد ذلك المرة فقالت تقوي بخوف:
-الو يا بابا.
أجابها بنبرة متسائلة:
-في حاجة يا تقوي؟!
-لسه مخلصة الدرس بتاعي، ومش لقيت حاجة تروحني والدنيا مطرة.
فقال بنبرة أقرب لفحيح الأفاعي:
-وأمك فين؟!
أجابته بنبرة تلقائية:
-برن عليها وتلفونها مش مجمع.
تشكلت ابتسامة كبيرة أظهرت أسنانه الصفراء قائلا:
-حالا أنا جاي اديني العنوان.
......................................
مر الوقت والطريق يزداد وحشية،كانت تقوي تقف ممسكة بمظلتها تحتمي بها من المطر تنتظر وتترقب، وفجأة سَمعت صوتًا، فألتفتت لتجد أستاذ "أمجد" يقترب، ويرفع معطفة الأسود فوق رأسه ليحتمي به من المطر وهو يقول:
-تقوي المكان هنا هادي، ووقوفك كده خطر عليكي.
-مستنية و.............
قاطع حديثهم وقفت سيارة أجرة أمامهم، فتح محمود الباب وترجل من السيارة الأجرة ثم أقترب منهما، وأقبل علي أستاذ أمجد يصافحه بحرارة، ثم وجه حديثه إلي تقوى قائلا:
-يالا يا تقوي يا بنتي الوقت إتاخر.
سارت خلفه بعد أن شعرت أن الخوف داخلها قد تلاشي، فوجوده أشعرها بالآمان.
فتح محمود لها باب السيارة الخلفي ثم دار حول السيارة سريعًا بعد أن أشار إلي أمجد ليحييه مرة أخرى، صعد السيارة ثم أعطي الأمر إلي السائق كي يقود السيارة.
إنقضاضة واحدة من الخلف كانت كافية؛ ليشل حركتها بشماله، وباليمني كمم فمها بقطعة قماشية تحوي مخدرًا قويًا سريع المفعول، وقبل أن تُفيق من صدمتها تخلي عقلها عن وعيه في لحظات، وتراخت ذراعاها المُتشبثتان بقبضته بذهول حول فمها، وتنازلت قدماها عن حملها مُلقية بنفسها نحو صدره كهدية ثمينة.
ضوضاء تشوشٌ يصاحبانها، أحاطا بعقلها، غمامة سوداء باهتة تزحف بعيدًا عن وعيها؛ لتسمح بتأوهات خافتة مُتلاحقة تنطلق من صدرها لتبدأ ذاكرتها باسترجاع للحظات الأخيرة قبل أن تفقد الوعي، تشنج جسدها فجأة بعدما عملت حاسة الشم خاصتها وهي تلتقط بقايا الرائحة النفاذة الذي كانت مخلوطة بقطعة القماش العريضة التي كممها بها، والتي مازالت عالقة حول جيدها.
يبدو أنه أراد أن تظل فاقدة وعيها لفترة طويلة، فبم يكتف بكتم أنفاسها، بل قام بعقد القماش حول أنفها وفهما، ولسبب ما تهدلت العقدة، وسقطت حول عنقها العارية.
عندما وصلت حواسها لتلك النقطة قاومت ثُقل جفنيها بفزع، وهي تحاول فتح عينيها مرات ومرات، وجسدها يتشنج من جديد في اختضاصة أكثر فزعًا وقوة من سابقتها، وهي تستشعر عُري شعرها ونحرها ومن ثم جسدها أسفل الغطاء الباهت المُلقي فوق جسدها بإهمالٍ.
ذلك الألم شديد النزع الذي يضغط حول معصميها جعلها تستوعب أن يديها مكبلتان بشيء ما فوق رأسها، الرؤية مازالت مُشوشة قليلًا من أثر المُخدر وكأن كل الصور تتداخل وتمتزج بشكل مموه مزعج يزيد من صداع رأسها، مقاومتها لما يُكبل يديها يزيد تدريجيًا مع زيادة نبض قلبها الذي يضخ الدم في عروقها بجنون، وقد تمكن منها الرعب، قبل أن تفتح عينيها تمامًا، وتُدرك وضعها الصعب.
غرفة ضيقة بجدارن قائمة عارية تمامًا من الصور المُعلفة والستائر، لا يكسوها سوي طبقات الغبار، نافذتها الصغيرة جدًا والوحيدة تقبع هنالك بعيدًا في الزاوية أسفل سقفها المُرتفع بقليل، موصودة بألواح خشبية تُكافح أشعة الشمس المولوج من بينها.
الفراش المُكبلة فوقة حديدي يتحرك بصرير مُزعج كلما حاربت وهي تحاول جذب رسغيها من قيدها الحديدي المُثبت بأحدي أعمدة الفراش.
استجمعت قوتها، وأغمضت عينيها وهي تشد يديها بقوة وجنون لا تُبالي الألم المُستشري بها، مرة وثانية ثالثة.
وفجأة توقفت عندما سمعت صوت الساخر الذي جذب انتباهها نحو الباب الخشبي العريض في زاوية من تلم الغرفة الغربية التي تبدو كأنها جزء مُقتطع من مكان أخر أكبر منه.
-ياريت لما تخلصي قوليلي.
تجمد بصرها ذاهلة فوق سطح وجهه البارد النظرات، تحجر الدمع بعينيها وعلقت أخر قطرة منه بأهدابها وهي تهمس قائلة:
-بابا تعالي فكني مين عمل كده؟!
كان واقف مُستندًا بكتفه إلي حافة الباب المفتوح عاقدًا ذراعيه فوق صدره، قائلا بإعتراض:
-لا مش هفكك قبل ما خد اللي أنا عايزة.
ثم اقترب منها ببطء حتي وصل إلي الفراش الصغير، انحني لأسفل
جاذبًا سلسلة معدنية طويلة
ينتهي أحد أطرافها بُكلابة تحيط بقدمها اليمني، فأما الطرف الأخر فمُثبت بحلقة حديدية في الجدار المجاور بجانب الفراش مباشرة.
أنها أسيرة حرفيًا، هي مُحتجزة تحت رحمته، هذه المرة الأولي لها أن تذوق شعور الإحتجاز، دون أن تعرف لماذا؟.
احتفظ محمود بمنتصف السلسال الطويل مُعلقًا داخل قبضته مُلقيًا إليها بالتعليمات ببساطة، وكأنه يُحدثها عن الطقوس قبل أن يُلقيه علي الأرض بدري مكتوم:
-هتفضلي هنا، لو صوتي محديش هيسمعك، يعني تنفذي اللي عوزة من غير صوت يطلع تمام.
تحجرت الدموع في مُقلتيها قائلة بصوتها المُتحشرج:
-أنا مش فاهمة حاجة يا بابا أنا زعلتك في حاجة بتعاقبني عليها.
نظر إليها في صمت ثم ألتفت ليخرج من تلك الغرفة دون أن ينبث بإي كلمة.
أجهشت في البكاء وهي تقول:
-طب أنا عوزة أروح الحمام.
ألتفت إليها وهو ينظر لها بسخط:
-السلسلة طويلة تخليكي تخشي الحمام بابه جنب باب الأوضة.
أنهي جملته بإشارة من سبابته تجاه الباب المفتوح............
*****
تتبع>>>>
أنت تقرأ
بلاك بيوتي-رواية "مكتملة"
عاطفيةرواية أجتماعية ورمانسية ذات طابع ديني، تحمل قضية أجتماعية ونصائح دينية. من أجواء الرواية: عرف الحب طريقه إليها، فتركت العنان إلي قلبها أن يعرف الحب، فكانت هي المنتصرة بقلبه. مواعيد النشر كل يوم الأثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع جميع الحقوق محفوظ...