تنفست ساندرين الصعداء, فإنهاء العمل في السابعة نعمة. لم يرتكب الممثلون أخطاء, بل على العكس, استطاعوا أن يتألقوا إلى درجة جعلت طوني يشعر بالرضا والاستحسان.
كان قد أخذ منها الحر والتعب مأخذا, وذاد الطين بلة تأخر الوقت وشعورها بالعطش والجوع. عزمت أن تشرب نصف لتر من الماء, حالما تنزع عنها ثياب التمثيل التاريخية, وتلحقه بشراب منشط, وأن تقضم تفاحة طازجة.
شعرت بتحسن ملحوظ بعد انقضاء ثلث ساعة, حيث ارتدت سروال جينز وقميصا قطنيا خفيفا, وانتعلت صندلا عالي الكعبين. عقدت شعرها إلى الخلف ولم يتبق أمامها غير التحقق من موعد التصوير في اليوم التالي لتنطلق إلى البيت.
اتجهت نحو المخرج ولمحت مايكل مستغرقا في حديث مع رجل, بدت قامته الفارعة مألوفة لديها.
نظر كلا الرجلين إليها في الوقت ذاته, واتسعت عينا ساندرين دهشة بعد أن عرفته. ما الذي يفعله شقيق مايكل الأكبر هنا؟ التقت راؤول لانييه, لآخر مرة منذ ثلاثة أشهر في باريس. حينها, حياها بحرارة وبمحبة.
أدركت أنه يمعن النظر إليها بصورة مبطنة, وهي تدنو منهما.
سألها مايكل:" هل انتهى عملك لهذا اليوم".
-كنت أتحقق من برنامج التصوير ليوم غد.
ثم التفتت إلى الرجل الواقف إلى جانبه وحيته بتمعن مماثل:" راؤول! كيف حالك؟".
فرد عليها بلطف:" بخير, وأنت؟".
أجابت بتهذب شكلي:" على أفضل ما يرام".
ثم أضافت وهي تبتسم بابتهاج:" متى وصلت؟".
-هذا الصباح.
قد تحصل على جواب مباشر إذا طرحت سؤالا مباشرا.
-هل جئت في زيارة اجتماعية؟
-ليس تماما.
أعلمها مايكل بنبرة تحمل في طياتها شيئا من السخرية:" سيشاركنا راؤول في الاجتماعات حول مسألة التسويق, لم يتوجه إلى سيدني للمباشرة في مفاوضات تتعلق بمسألة أخرى".
علقت ساندرين بهزء وهي تدرك تأمل راؤول لها:" تتولى الاهتمام بالأعمال".
-نعم.
-أنا لم أطلب من مايكل تمويل الفيلم لإنقاذه.
-أعلم ذلك.
-تعني أنك تريد أن تضمن أنه لم يقدم على استثمار سيء.
لم يكن ذلك سؤالا, بل قولا.
-هذا واضح.
لم يزحزح راؤول نظره عنها:" تناهى إلي أنكما تصالحتما".
رد مايكل متصنعا الجد:" نحن بصدد ذلك".
وعقب راؤول قائلا:" وأنت يا ساندرين, هل تعيرين زواجك من أخي الاهتمام ذاته؟".
-يشاركني مايكل منزلي.
أرادت أن تصدمه, ولكن لم تظهر قسمات وجهه الصلبة أي انفعال. ورد قائلا:
-ولكن هذا لا يجيب عن سؤالي.
-هذا أقصى ما ستحصل عليه من رد.
استدارت على عقبيها وابتعدت عنهما. واحد من الأشقاء لانييه يكفي, أما اثنان فأمر لا يحتمل.
كانت ساندرين في منتصف الطريق إلى لبيت عندما رن هاتفها الخلوي.
أعلمها مايكل من الطرف الآخر:" سيلتقي راؤول مندوبة التسويق على العشاء. وقد دعانا للانضمام إليهما".
-كلا.
-سأصل البيت في غضون ساعة.
-كلا يا مايكل.
ذهب تشديدها على الرفض أدراج الرياح, لأنه كان قد أقفل خط الهاتف.
رمت هاتفها على المقعد المجاور. اللعنة عليه! ولعنته مرة ثانية وهي تركن السيارة في المرآب وتصعد الدرج بخفة.
عندما دخل مايكل غرفة نومها بعد ساعة, كانت قد استحمت وارتدت ملابسها ووضعت لمسات الماكياج الأخيرة.
ألقى عليها نظرة تقويمية مطولة ثم رفع أحد حاجبيه وقال:
-أتتهيأين بهذه الملابس للدخول في معركة؟
كان اللون الأسود يحيلها إلى كائن آخر. إذ يبرز بشرتها, ويعطي شعرها الفاحم بريقا وجاذبية. أما عيناها البنيتان فتزدادان فتنة.
التفتت إليه قائلة:" يمكنك أن تقول هذا. أين ومتى سيجري هذا العشاء الحدث؟".
-بعد ساعة, في فندق ميراج.
وضعت أحمر الشفاه في حقيبة السهرة ثم أغلقتها بعصبية, ثم وضعت سلسلتها المعدنية الطويلة على كتفها وقالت وهي تسير نحو الباب:
-سيستغرق الوصول إلى ماين بيتش 20 دقيقة. سأنتظر في الردهة لأشاهد أخبار المساء.
نزلت الدرج واتجهت إلى الردهة ثم أدارت جهاز التلفزيون وأخذت تذرع الغرفة ذهابا وإيابا. استبد بها القلق, فلم تقوى على الجلوس.
بعد نصف ساعة انضم إليها مايكل في الردهة فقطع أنفاسها مظهره الأنيق بالبذلة السوداء و القميص الأبيض وربطة العنق الداكنة.
إنه يمتلك جاذبية جسدية تذيب العظام. يا للسماء, كيف يمكن التعامل مع رغبة قلبية جامحة ينكرها العقل.
حيته تحية صامتة, وقالت:" أقوم بهذا فقط من أجل ستيفاني".
-حضورك على العشاء؟
ارتسمت ابتسامة عريضة على فمها وأجابت:" نعم, فليس من العدل رميها وحيدة بين الذئاب".
استفهم منها بهزء فشل في إخفائه:" الذئاب, يا ساندرين؟ أليس في ذلك شيء من المبالغة؟".
-كلا.
رد وقد اعترى صوته بعض الخشونة:" أنا متأكد من أن ستيفاني قادرة على الاهتمام بنفسها".
-في مواجهة راؤول؟ هل تمزح؟
سيكون أمرا جديرا بالاهتمام رؤية ستيفاني تتعامل مع أكبر الأخوة لانييه. فمن المفترض أن تتمتع امرأة تربي طفلها وحدها بالشجاعة والإقدام.
قال مايكل وهو يعبر الغرفة:" أنا متأكد من أنك ستتمتعين بلعب دور الحامي عنها".
سحب الكأس من بين أصابعها ووضعه على الطاولة القريبة منهما. وفي الوقت ذاته, أدناها منه, وعانقها.
تمتم مايكل بعد أن أفلتها:" يستحسن أن نذهب وإلا تأخرنا".
لبثت ساندرين في مكانها بضع ثوان من دون حراك, عيناها متسعتان ووجهها شاحب رغم الماكياج.
ارتعشت قليلا, ولعنته في سرها للعجز العاطفي الذي أوصلها إليه. ثم تقدمته إلى المرآب وجلست إلى جانبه فيما كان يصعد خلف مقود السيارة.
أقيم منتجع شيراتون ميراج على شبه جزيرة وهو يطل مباشرة على المحيط. وقد اشتهر بتصميمه المبتكر وكثرة استخدام الرخام فيه والشلال الظريف والمناظر الخارجية الهادئة المشرفة على حوض سباحة واسع والمطعم المحاذي لشاطئ المحيط.
دخلت ساندرين البهو الرائع وهي تسير إلى جانبه فنهض راؤول عن الأريكة الكبيرة المبطنة وتقدم لملاقاتهما.
ولم تجد أي أثر لستيفاني.
أشار راؤول بسخرية مقنعة قليلا:" أو ربما لم تأت جليسة الأطفال, أو أن طفلها أصيب بوعكة صحية".
استنتجت ساندرين بتهكم, أنه تحرى عن تفاصيل حياة ستيفاني. ولا بد أنه فعل ذلك قبل مغادرته باريس, كإجراء لا بد منه في أسلوب عمل آل لانييه.
شعرت أنها مجبرة على الدفاع عنها:" أظن أن ستيفاني لو عرفت أنها ستتأخر لبعض الوقت لاتصلت".
رن هاتف خلوي في هذه اللحظة, فأخرج راؤول من جيب سترته الجهاز الصغير. أنهى المكالمة بعد دقيقتين ببضع كلمات مجاملة.
-يبدو أن السيدة سومرز تأخرت بسبب عطل في سيارتها وستصل في غضون عشر دقائق.
دخلت ستيفاني الصالون مبكرة دقيقة واحدة, ولاحظت ساندرين تصرفها الهادئ غير المضطرب, وهي تتجه نحوهم.
نقلت نظراتها بين الرجلين وابتسمت بحرارة لساندرين وهي تقول:" يجب أن أعتذر, أرجو ألا أكون قد سببت أي ازعاج لكم؟ أنذهب إلى طاولتنا؟".
استحسنت ساندرين بصمت أسلوب ستيفاني, مديرة التسويق الشابة. فهي لم تكن من النوع الذي يحجم عن الإمساك بزمام الأمور.
أدركت ساندرين أن شيئا ما سيتغير لصالح مايكل حين قادهم النادل إلى الطاولة, حيث أوضحت له ستيفاني أنها هي المضيفة.
لم يكن بالإمكان تفسير تعابير وجه مايكل, فيما اختار راؤول أن يبدي تهذيبا باردا.
وبعد تصفح لائحة الطعام, واختيار المقبلات والأطباق الرئيسية, استرخى مايكل في مقعده ورمق الشقراء الجذابة الجالسة قبالته بنظرات متفحصة.
بادرها الحديث قائلا وهو يتنحنح بين جملة وأخرى:
-هل لك أن تطلعينا يا سيدة سومرز, على إستراتيجيتك التسويقية. . . لهذا الفيلم بالذات.
طلبت منه مسؤولة التسويق وهي تبتسم قليلا أن يخاطبها باسمها الأول, قبل أن تضيف:" عندما نستلم من الاستديو نسخة الفيلم النهائية, سندعو ثلاثين شخصا لمشاهدة عرضه في سينما خاصة. وبعد ذلك, نعقد اجتماعات لمناقشة السوق المحتملة وتحديد أي الأعمار سيستهويها هذا الفيلم".
راقبت ساندرين ستيفاني وهي تتوقف عن الحديث لكي ترفع الكوب وتأخذ رشفة من الماء المثلج. كانت يدها ثابتة, وبدت متمالكة لنفسها, وأظهرت وقارا واتزان يثيران الإعجاب وهي ترمق كلا الرجلين مثلما كانا يرمقانها.
سيتبع ذلك مزيد من المناقشات تتناول المشاهد التي يجب اختيارها للدعاية, واللقطات المزمع إرسالها للصحف, وما سيعرض منها في محطات التلفزيون وغيرها.
استفهم مايكل, فيما أمالت ساندرين رأسها بصمت:" عالميا؟".
أكدت ستيفاني كلامها:" طبعا! كما سنعمل على تكثيف الحملة عبر تصوير لقطات أزياء لإحدى مجلات الأزياء الراقية لضمان التغطية الإعلامية في المجلات الأسبوعية الرئيسية محليا".
تدخل راؤول:" والتي سيظهر فيها الممثلون الرئيسيون فقط؟".
حاولت ستيفاني تصحيح الموضوع:" ليس دائما يمكننا أن نلفت انتباه الجمهور, بالتركيز على الممثلين المحليين, لتغطية مشاركتهم في الفيلم".
نجحت ساندرين في إخفاء ابتسامة واهنة إعجابا بمقدرة ستيفاني على الكلام. وواصلت الأخيرة قائلة:" كما ستشد صور لمايكل و ساندرين في حفل اجتماعي انتباه الجمهور وتعزز موقع الفيلم. سيثير ارتباط ساندرين بمهنة عرض الأزياء نوعا من الاهتمام أيضا, أليس كذلك؟".
جلب النادل أطباق المقبلات المطلوبة, فانقطع الكلام.
وللحظة تصورت أنها لمحت نظرة استحسان في عيني راؤول, إلا أنها قررت أن مخيلتها قد جمحت قليلا.
تابعت ستيفاني شرحها:" سننظم مقابلات صحفية في فندق النجمة, أو في أي مكان خاص. سنستأجر مكانا مناسبا في محاولات مكثفة للفت انتباه الجمهور وشده.
علق مايكل قبل أن يبدأ في أكل المقبلات:" هذا يترك انطباعا مؤثرا".
-التأثير في النفس, هو وظيفتي.
قاطعها راؤول متشدقا:" أخبريني, أليس لديك التزامات عائلية تتعارض مع تكريس وقتك الكامل لتسويق هذا الفيلم بالطريقة المناسبة؟".
كادت ساندرين ترفس ساقه من تحت الطاولة بشدة, وهي تتساءل, ما هي اللعبة التي يلعبها.
ردت ستيفاني برباطة جأش:" لا بد أنك تعرف أني أم مطلقة ولدي ابنة تبلغ من العمر ثلاث سنوات. إن حدثت أي أزمة, فسأتعامل معها بأفضل طريقة ممكنة".
ثبتت نظرات خارقة على راؤول وتابعت:" والأولوية لابنتي دائما. هل هذا يجيب على سؤالك؟".
يا الهي! تنفست ساندرين بثقل.
-نعم.
-حسنا.
رمى مايكل شقيقه بنظرة تقييمية وجزية ثم حول انتباهه إلى طبق المقبلات أمامه.
تدخلت ساندرين لتغيير وترطيب الأجواء:" هل وجدت صعوبة في إيجاد جليسة الليلة؟".
-إذا أخذنا بالاعتبار أنه لم يكن أمامي وقت طويل, فالجواب نعم.
-يتوقع الأخوة لانييه تجاوبا فوريا ردا على أقل نزوة من نزواتهم.
انتبهت إلى نظرات مايكل الثاقبة ولكنها تجاهلتها.
علقت ستيفاني بنبرة جافة:" حقا؟ ومع ذلك تزوجت واحدا منهم؟".
-اعتقدت أنها فكرة جيدة حينها.
-افتتان شامل, تحطم على صخرة الواقع لاحقا؟
ردت ساندرين بابتسامة خبيثة, فقد بدأت تستمتع بالسهرة:" شيء من هذا القبيل".
سأل راؤول بسلاسة:" أترغبين بمزيد من العصير سيدة سومرز".
ردت ستيفاني باللهجة نفسها:" نادني ستيفاني, وكلا شكرا لك".
-مؤسف.
-بسبب رفضي العصير؟
راقبت ساندرين راؤول وهو يسند ظهره إلى المقعد. شكت في أن تحدثه أي امرأة من معارفه في أي شيء.
-بسبب سعيك إلى التعامل مع هذا اللقاء على أساس آخر غير العمل.
احتجت ساندرين بسرعة:" هذا غير منصف".
أضافت ستيفاني وهي تطوي فوطة الطعام وتضعها إلى جانب صحنها:" وغير مبرر. لقد ألححت على هذا الاجتماع الليلة".
التقطت حقيبتها وركزت نظراتها على مايكل:
-لقد أعلمتكما بإستراتيجيتنا التسويقية, ولذلك لم يعد وجودي هنا ضروريا. تمتعوا بتناول العشاء.
شاهدت ساندرين الشقراء الجذابة وهي تبتعد عن المائدة وتخطو سريعا نحو المكتب الرئيسي, حيث توقفت لبرهة أبرزت خلالها بطاقة الاعتماد, ثم اختفت خلف الباب.
علق مايكل ساخرا:" أهذه حالة خفيفة من الأسلحة الثقيلة يا راؤول؟".
رفع حاجبه ورأى شقيقه يحدق فيه بعينين ضيقتين, وأضاف بتأمل:" هل ستدعها تذهب هكذا؟".
رمى راؤول فوطته على الطاولة وهب على قدميه:" كلا. لا أظن أني سأفعل".
-كان هذا تصرفا غير...
أكمل مايكل جملتها بهزء جاف:" ... لائق بصورة مريعة".
-نعم, كان كذلك.
-أرجو أن يلحق بها.
-حتى وإن فعل, أشك أن ذلك سيجدي نفعا.
أبدت ساندرين رأيها وهي مستاءة من تصرف راؤول غير المبرر ومن ابتهاج مايكل اللاحق.
رفع كأسه واحتسى قليلا من العصير وقال:" ألا تظنين أن راؤول سيصلح ذات البين؟".
-ليس بسهولة.
ومضت عيناه فرحا بينما راح يتمعن في قسمات وجهها المعبرة:" ألا تعتقدين أن شقيقي قد يستفيد من حب امرأة جيدة؟".
ردت ساندرين مدافعة:
-ماذا حدث للوجه الآخر للعملة؟ أليس من المفترض أن تستفيد المرأة من حب رجل جيد؟
-طبعا.
-من سوء الحظ أن تفكير رجال عائلة لانييه يعود إلى قرن سابق.
ضاقت عينا مايكل جزئيا وقال:" ما يعني هذا بالتحديد؟".
رفعت يدها في إشارة معبرة وأجابت:" لقد سررت بردة فعل راؤول تجاه ستيفاني. ما الذي يحدث لو تطور الأمر بينهما وأصبح جديا؟ هل تتخيل راؤول سيشجع ستيفاني على الاستمرار في ممارسة مهنتها؟".
رمقها بنظرات تقييمية ثابتة وهو يسند ظهره إلى الكرسي, ثم رد بنبرة غاضبة وبهدوء خادع:
-مثلما أنت مصممة على ذلك؟
-أنت لم تستوعب الأمر بعد, أليس كذلك؟
-ما الذي يجب أن أستوعبه, بالضبط؟
-الموضوع لا يتعلق بهذا.
ليتها تحمل نصا مكتوبا! لقد فكرت مليا بكل كلمة أرادت أن تقولها. تبا! كان لديها متسع من الوقت, ولكن أين ذهبت كل هذه الكلمات المنمقة الآن؟ أدراج الرياح, وأخذت معها سلامة عقلها.
تنفست ببطء لتهدئة روعها وقالت:" الأمر يتعلق باقتناص الفرصة السانحة وبذل الجهد للتوصل إلى أفضل نتيجة ممكنة. ليس من أجل الشهرة أو الثروة, بل لإبراز الموهبة".
توقفت عن الكلام بضع ثوان قبل أن تضيف:
-وبسبب شعور داخلي بأن قدرك أن تكون الوسيلة لإيصال النص المكتوب والأفعال والعواطف في الفيلم إلى المشاهدين الذين يقدرون هذا الدور تماما.
بقي مايكل صامتا. وامتد الصمت دقائق, بينما جلب النادل أطباق الطعام الرئيسية, ثم انسحب بعد أن تمنى لهما التمتع بالطعام بلغة فرنسية منفرة.
التقط مايكل شوكته وغرزها بطريقة فنية في جزرة مقطعة على شكل زهرة وقال:
-أنت لم تتمهلي للتفكير. فلو حصلت على الدور, يعني ذلك أن تكوني في استراليا في حين أكون أنا منهمكا باجتماعات العمل في باريس؟
ردت معترضة:" هل تعرف كم ممثلة أجرت اختبارا لهذا الدور؟ كانت فرصتي للفوز بهذا الدور مثل فرصة إبليس في الجنة".
كان يتصرف بهدوء, متمالكا نفسه, ولكنها أحست بالغضب المكبوح تحت السطح. وذكرها بلطف خادع:" لقد فزت بالدور, ووقعت العقد أيضا, ثم انتظرت لتخبريني بالأمر عرضيا, قبل يومين من ذهابي إلى باريس".
غرز شوكته في حبة بطاطا صغيرة, ومسحها بالصلصة ثم تأملها بتلذذ ظاهر. رفع رأسه بعد ذلك فاخترقتها نظراته الثابتة.
-أتوقعت مني أن أقول, لا بأس يا عزيزتي. اتصلي بي. أراك الشهر القادم؟
تشنجت أعصاب معدتها بصورة مؤلمة, فمررت أحد أظافرها على طول حافة فوطتها المطرزة وأجابت:
-كان التوقيت خاطئا وموقع تصوير الفيلم أيضا. كنت أعرف أنك ستحتج, ولكني أملت أن تتفهم.
-بما يكفي لأوافق على بقائك بعيدة عني لفترة طويلة؟.
-لم يكن الأمر ليتعدى أسابيع قليلة.
أعاد تذكيرها:" في وقت لم يكن باستطاعتي تحويل مهام العمل إلى شخص آخر لكي ألحق بك. إن كنت تذكرين, لقد اخترنا ألا تكون علاقتنا مفتوحة, من أجل الالتزام بزواجنا واستمراره. وقررنا ترتيب أمورنا بحيث لا نفترق عن بعضنا بعضا".
-هل تلمح إلى أنني أهتم بالتمثيل, أكثر مما أهتم بك؟
-هذا نفي لأمر تؤكده أفعالك.
اتهمته ساندرين فيما رفع حاجبه في تهكم صامت:" لقد تصرفت وكأنني إحدى ممتلكاتك. شخص من المفترض أن يكون حاضرا رهن إشارة منك!... لم أقصد في غرفة النوم؟".
علق مايكل متشدقا:" لقد ارتحت لسماعي ذلك".
-هل قطعت عليكما حديثا ما؟
حولت ساندرين نظرها إلى صاحب الصوت ذي اللكنة الخفيفة و تكلفت الابتسام.
-لاشيء غير معركة حامية في حرب مستمرة.
-جلس راؤول على مقعده:" هل ترغبين في أن ألعب دور الوسيط؟".
-ردت عليه بلطف:" كلا".
-وأنت مايكل.
-لا فائدة, سوف تستمر.
شيء ما شيطاني حث الكلمات التي انسابت بسهولة على لسانها:
-تدور المعركة بين امرأة هوائية متقلبة المزاج ورجل طاغية ومتسلط.
سرد مايكل ما اتهمته به ساندرين بسخرية واضحة وهو يرمق أخاه بحنق.
-لقد وصفتني منذ لحظة بأنني استحواذي, لدي حب التملك. هل لحقت بستيفاني؟
-نعم.
-أظن أنك قدمت لها الاعتذار.
أوضح راؤول بنبرة جافة, جعلت ساندرين تظهر ابتسامة رضا:" اعتذار رفضت قبوله".
-هاجمتك بأسوأ الكلام. ألم تفعل؟
-شيء من هذا القبيل.
سأل مايكل مداعبا:" إذن, متى تنوي مقابلتها ثانية؟".
-من ناحيتها, لا سبيل إلى ذلك إطلاقا.
قالت ساندرين بتصنع:" دعني أحزر. غدا؟ وما هي دواعي ذلك؟".
رفع راؤول حاجبه محتجا:" هل أنا بحاجة لأي دواع؟".
صرفت النظر عن الأمر. طبعا, إنه لا يحتاج لذلك. كل ما عليه فعله هو أن يستعمل قدرا من سحره الطبيعي لتنهار النساء عند قدميه. ولكنها أدركت أن ستيفاني قد تثبت أنها الاستثناء.
استفهم راؤول وهو يقوم بتقطيع قطعة لحم البقر الطرية:
-كم من الوقت سيتطلب إنهاء الفيلم؟
أخبرته ساندرين:" لدي يوم آخر من التصوير. ربما يومان على أقصى حد ولكن طوني يأمل أن ينجز العمل في غضون أسبوعين".
-فهمت أنك ستبقين رهن الطلب, تحسبا لإعادة تصوير بعض اللقطات, والدعاية والترويج.
-نعم.
تحول راؤول إلى مايكل وقال:" هل تنوي البقاء على الساحل, هنا؟".
قاطعته ساندرين قائلة:" سيدني. لدي عائلة هناك, وإذا اتصل الاستديو بي, أستطيع أن آخذ أول رحلة بالطائرة إلى هنا وأصل في اليوم التالي".
استفهم مايكل بهدوء:" لم تنسي يا حبيبتي؟".
اتسعت ابتسامتها وأصبحت أكثر بهجة وهي تسأل:" أنت؟".
سخر منها بخفة:
-يا لهذه الشجاعة!
يا لهذا الغباء! صححت في سرها: أتظن أنها تستطيع التفوق عليه كلاميا؟ أو بدنيا أو عقليا؟
-أتريدين حلوى؟
ردت بحزم وهي تدرك الحاجة إلى أن تكون قاطعة:" قهوة".
استدعى مايكل النادل وتداول مع راؤول قليلا, ثم طلب الحساب.
-لقد دفع الحساب يا سيدي.
-أعتقد أنك مخطئ.
-كلا يا سيدي. أشارت علينا السيدة التي تناولت العشاء معكم أن تحول فاتورة الحساب على بطاقة اعتمادها.
أخفت ساندرين ابتسامتها. لقد تمكنت ستيفاني من تسجيل هدفين. من جهة خذلت راؤول لانييه, ومن جهة أخرى اتبعت الإساءة بالتحقير, وذلك بتوليها دفع فاتورة الحساب.
علق مايكل بنبرة جافة:
-يبدو أن السيدة سومرز, امرأة شابة لا يستهان بها.
-فعلا.
لاحظت شيئا من السخرية في رد راؤول السريع وعجزت عن كبح ضحكة صامتة.
-أنا في صف ستيفاني.
نظر إليها كلا الرجلين شزرا. فحث راؤول شقيقه وهو ينهض عن مقعده:" خذها إلى البيت, وكمم فمها".
ومضت عينا مايكل بالانشراح, وقال وهو يكبح ضحكته:" هذا ما أنوي أن أفعله".
رافقهما راؤول إلى مدخل الفندق الرئيسي وانتظرهما إلى أن جلب الحاجب السيارة.
داعبت ساندرين راؤول وهي تلقي عليه تحية المساء وتصعد إلى السيارة:" بأحلام طيبة".
لم تكن تعابير وجهه مقروءة. وأطلقت ضحكة خفيفة, فيما كان مايكل يتحرك بالسيارة نزولا إلى الشارع. إن لم تكن مخطئة, لقد قابل راؤول من يتمتع بقوة شكيمة, وهي ستستمع بمراقبة هذه اللعبة.نهاية الفصل
أنت تقرأ
" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين
Romance-ماذا تفعل هنا الليلة؟ -أريد الثمن! -وثيقة الزواج لا تحولني إلى متاع تملكه. -لا أريد المناقشة ولا المفاوضة. أريد فقط إما نعم وإما لا... استفهمت ساندرين بشجاعة: "وإذا رفضت؟" -سوف أغادر هذا المكان. ويخرج من حياتها؟ كما خرجت هي من حياته؟ لماذا يتملكها...