4-انتقام من نوع آخر

5.7K 97 0
                                    

أفاقت ساندرين شيئا فشيئا, وأخذ النشاط يدب في أوصالها ببطء. واستعدت للقاء يوم جديد, نافضة عنها رداء النوم الثقيل.
تنبهت وهي تتنهد بارتياح, إلى أنه يوم الأحد, وليست مضطرة أن تنطلق إلى الاستديو في الصباح الباكر.
وبعد هنيهة, لاحظت أنها لم تكن في السرير ذاته أو الغرفة التي انتقلت إليها الليلة الفائتة.
والأدهى من ذلك, أنها لم تكن بمفردها.
أحكمت ذراع رجل شدها إلى جسمه القوي, وكان رجلا طافحا بالقوة والإثارة.
كانت يد مايكل تحتضنها, فأحست بإيقاع دقات قلبه المنتظمة قرب كتفها.
رباه, الرحمة!
لم يعنها دعاؤها بأن يكون ذلك حلما لا غير, فلا أحد يحلم وعيناه مفتوحتان.
كانت أفكارها تعكس أحاسيسها المتناقضة فيما هي تفكر بما يجب أن تفعله.
إن حافظت على انتظام تنفسها وتحركت ببطء, قد يلاحظ مايكل ذلك, وتتمكن من التحرر من قبضته والنهوض من السرير.
إنه تصرف سخيف وعنفت نفسها بصمت بعد ثوان, إذ شدد قبضته عليها بصورة لا إرادية, ما إن تحركت.
ماذا ستفعل الآن؟
أتغرز مرفقها في أضلاعه؟ أم تلكمه على ذراعه؟ ربما الاثنين معا؟ نعم, هذا قد ينجح.
همس صوت عميق بالقرب من أذنها بتشدق:" أتخططين للهجوم علي؟".
ردت عليه بصوت مرتعش, وهي تحاول تسديد ضربة قاسية إليه بمرفقها:" لقد حزرت تماما".
. . . ولكنها أخطأت الهدف عندما نجح في تجنب الضربة. فصرخت به غاضبة:" اتركني!".
سألها متهكما:" من فضلك؟".
-اذهب إلى الجحيم.
-إذا كنت تريدين أن تلعبي. . . 
ردت عليه بلهجة حقودة, فيما كانت تتلوى لتحرير نفسها من قبضته من دون فائدة:
-أنت تستمتع بهكذا تصرفات, أليس كذلك؟
-ليس تماما. أفضل أن تكون المرأة سلسة وطيعة بين ذراعي.
-أنت تحلم.
-هل تريدين أن أثبت لك كيف أستطيع بسهولة تغيير رأيك؟.
بقيت ساندرين مستلقية من دون حراك, وهي تحاول أن تسيطر على التسارع الفجائي في تنفسها.
عانقها برقة. . . 
-هل هذا ضمن الاتفاق الذي أصريت عليه؟
انقلب على ظهره بحركة رشيقة. بدت قسماته داكنة بسبب شعر ذقنه الظاهر, وبانت في عينيه نظرات مترصدة, تقويمية, تتفحصها بصورة غير واضحة.
قدرت وهي ترتعش, أنه خطر جدا.
إنه يماثل نمرا كسولا, فاتر الهمة, لكن منظره يوحي بالشراسة والقوة. فإذا ما تلفظت بكلمة واحدة, أو أقدمت على حركة في غير محلها ستتلاشى البرودة بسرعة.
أقل ما يقال عن وضعها إنه معلق بطرف خيط رفيع جدا.
رفع يده ومسح خدها بقفا أصابعه, ثم أدارها ليمسك بذقنها وقال:" هذا تفسيرك وليس تفسيري".
-لقد انتقلت إلى غرفة أخرى بمزاجي.
-وأنا أعدتك إلى هنا.
استفهمت منه بتهكم متعمد:" ألانك لا تحب أن تنام بمفردك؟".
أومأ موافقا فسألته:
-هل تتوقع مني أن أصدق ذلك؟ وعنك؟
ران صمت لبضع ثوان, وعندما تكلم, جاءت نبرة صوته حريرية.
-تعاودني ذكرى الليالي الطوال التي أمضيناها معا, يا حبيبتي.
وهي فعلا كذلك. الليالي التي كانت فيها زوجة طيعة.
ردت ساندرين ببطء, بعد أن لمحت ابتسامته المتحسرة:" كان ذلك في ما مضى".
رفعها بحركة رشيقة لتقف على قدميها ثم نهض بدوره من السرير:
-إذن. في هذه الحالة, لنرتدي ملابسنا وننزل لتناول الفطور.
قررت أن تحمل ملابسها إلى الحمام. وما هي إلا ثوان, حتى استقرت بأمان خلف باب الحمام الموصد, في خلوة تامة.
لم يكن للأبواب الداخلية أقفال, فاستحمت بسرعة وارتدت ملابسها ثم خرجت لتجد غرفة النوم خالية.
نزلت ساندرين الدرج, وقد شدتها رائحة القهوة الطازجة, من المطبخ. لقد بدا مايكل على سجيته تماما, في سروال جينز أسود وقميص أبيض. كان مظهره رجوليا من دون أي تحفظ.
ذكرتها حركاته بالأوقات التي أمضياها معا في تحضير الفطور, وبالصحبة الهنيئة بينهما. حينها كانت تقرصه, دون رحمة, وتثني على مهارته ثم تنطلق بضحكة مبحوحة فيحملها إلى عالمه. 
أما الآن, فقد ملأت كوبين بعصير البرتقال بصمت وصبت القهوة ووضعتها على طاولة الطعام.
وضع مايكل أمامها صحنا من العجة, يتصاعد البخار منه ثم جلس على المقعد قبالتها.
شعرت وكأن معدتها تشنجت, وانزعجت كثيرا إذ بدا أن شهيته لم تتأثر البتة.
صب مايكل المزيد من القهوة في كوبه الفارغ وأضاف السكر ثم أزاح صحنه جانبا واسترخى في مقعده:
-لدينا اليوم بطوله. ماذا تقترحين أن نفعل؟
أعادت وضع فنجانها على الطاولة وبادلته النظرات الحادة بمثلها:" أعتزم التسوق".
-ماذا بالتحديد؟
ردت عليه بإيجاز:" الطعام. أشياء ضرورية. . الخبز والحليب والبيض والفاكهة".
-وبعد ذلك؟
-أركب السيارة وأستكشف المنطقة قليلا.
نهض مايكل وأخذ ينظف الطاولة:" سأقود السيارة, وستلعبين دور المرشد".
-عفوا؟
ألقى نظرة هازئة نمت عن طول أناته وصبره عليها:" سوف نذهب إلى السوق أولا. ثم ننطلق في رحلة استكشاف".
-منذ متى أصبحت (أنا) (نحن)؟
كان صمته معبرا, فضلا عن قسمات وجهه, فحولت نظراتها عنه, وانشغلت بتنظيف المائدة.
-وماذا لو كنت أفضل أن أبقى وحيدة؟
-كفى إيذاء يا ساندرين.
لم يتطلب منها تنظيف الصحون من بقايا الطعام ووضعها في غسالة الصحون غير دقائق قليلة, ثم تأبطت حقيبة يدها ووضعت نظارات شمسية على رأسها وسارت إلى المرآب غير مهتمة إن تبعها مايكل أم لم يفعل.
لم يكن شراء حاجيات المنزل يتطلب أكثر من خمس دقائق, لكن ساندرين تلكأت في اختيار الفواكه وأنواع الخس ثم ارتأت أن تقصد فرنا محليا لشراء الخبز الطازج بدلا من شرائه من المحلات.
أضاف مايكل بضعة أصناف اختارها بنفسه, وبدا مرحا قليلا عندما رفضت أصنافا أخرى.
رجعا إلى الفيلا بعد نصف ساعة ووضعا المشتريات في المطبخ ثم عادا إلى السيارة.
-إلى أين؟
ردت ساندرين فيما كان مايكل يمر بالسيارة عبر البوابة:" هنالك الجبال والشواطئ و أماكن اللهو. وما عليك سوى الاختيار".
-نووسا.
ألقت عليه نظرة مجفلة:" إنها تبعد ساعتين بالسيارة إلى الشمال".
هز كتفه قليلا غير مبال:" أهناك مشكلة في ذلك؟".
-لا, لا أظن ذلك.
وصل إلى ميدان واسع وأخذ يدور حوله:" أرشديني يا ساندرين".
أرشدته للخروج إلى الطريق السريع, فانضما بسيارتهما إلى فيض السيارات المتجهة شمالا, ثم انعطفا بعد ساعة إلى شاطئ سانشاين.
وبعد فترة وجيزة, قاد السيارة عبر أراض مزروعة بقصب السكر و الأفوكادو و الفريز و الأناناس ومجموعة متنوعة من الأشجار المثمرة.
قرأت ساندرين الدليل السياحي:
-جبال غلاس هاوس. بلدات مونتفيل و فيلني, تشتهران بمناظرهما الطبيعية والأشغال اليدوية ومقاهي الشاي الظريفة.
-نقصدهما غدا.
عبست وألقت عليه نظرة سريعة. كان من الصعب تحديد معنى تعابيره لأنه وضع على عينيه نظارات شمسية غامقة اللون وصب تركيزه على الطريق أمامه.
سألته:" ماذا تعني. . . غدا؟".
أوضح مايكل متسلحا بالصبر:" سوف نعرج عليها في طريق عودتنا إلى الساحل".
-هل تنوي قضاء الليلة في نووسا؟".
-أهناك مشكلة؟
أجابته بحدة:" ثق تماما بأنها مشكلة. أولا, لم أحمل معي ملابس".
-إنه موقع سياحي والمحلات مفتوحة. وسوف أشتري ما تحتاجين إليه. 
التفتت إليه بغضب لم تفلح بمداراته:" هل خططت لهذا الأمر؟".
رد عليها بجواب منطقي:" بدا لي أن العودة إلى الساحل الليلة, لنعود أدراجنا في الغد, تصرف غبي".
-ولكنك لم تطلب رأيي!
-وأعطيك الفرصة لتتمنعي؟
حدجته بنظرة حارقة:" أنا أكره أن أكون مختطفة".
-اعتبري الأمر مغامرة.
يا لها من مغامرة!َ إن استطاعت أن تمضي الساعات القادمة من دون أن تضربه. فسيكون ذلك معجزة.
-لو عرفت أن هذا ما يدور في بالك, لجلبت معي السيناريو. ربما لم يخطر لك أنني سأتابع التصوير يوم الثلاثاء ويجب أن أحفظ الحوار!
-عرفت من مصدر موثوق أن الحوار قليل, وما عدا الحاجة إلى إعادة تصوير المشاهد, ستنتهين من لعب دورك عند الظهيرة.
-أنا أكرهك.
-الكراهية عاطفة قوية, وهي أفضل من عدم الاكتراث.
-لقد تجاوزت لتوك مفترق الطريق.
رد عليها مستهزئا وهو يخفض سرعة السيارة ويستدير بها:" السبب في ذلك تشتيت انتباه المرشد".
زمت شفتيها وأحجمت عن قول أي كلمة أخرى غير إرشادات مقتضبة وواضحة.
اختار مايكل الفندق الأكثر فخامة على طول شارع هاستينغ الرئيس ووضع السيارة في موقف السيارات, ثم قادها إلى ردهة الاستقبال.
اكتشفت ساندرين أن جناحهما يطل على النهر. والمنظر الهادئ يخالف منظر الشاطئ الذهبي.
أعلن مايكل حلول وقت الغداء:" دعينا نذهب إلى مكان ما لتناول الطعام".
التفتت ساندرين إليه:" أنا لا أرغب في الاشتراك في اللعبة التي اخترت أن تلعبها".
-وما هي بالتحديد؟
أقرت بنبرة جافة:" أنت مناور فائق الحنكة".
-أهذا مدح أم هجاء؟
-كلاهما معا.
رد عليها بحسرة مفكرا:" شكرا. ما هي اللعبة التي تتخيلين أنني ألعبها؟".
-نوع من الانتقام.
لم يتظاهر بعدم الفهم:" أتقصدين إبقاءك مترقبة حتى أتم الصفقة؟".
-نعم.
رغب في قطع المسافة بينهما وهزها إلى أن تطلب الرحمة. ولكنه بدلا من ذلك, دس يدا في جيب سرواله وقال بعد أن تحكم بطبقة صوته:
-ما رأيك لو قلت لك, الليلة؟
انقبض شيء ما داخل معدتها وانعقد بشكل مؤلم وقاس:" ولماذا الانتظار؟ لم ليس الآن؟".
-هل لديك طلبات محددة؟
يا  للسماء! كيف أمكنها أن تتكلم بمثل هذا الصوت الهادئ فيما هي ترتعش في داخلها مثل ورقة في مهب الرياح؟
-نوريني.
-أنت الذي يمسك زمام المبادرة.
وقفت من دون حراك تماما, ونظراته الثابتة لا تتزحزح.
اللعنة عليه, إنه لن يمد لها يد العون.
اجتازت الغرفة بخطوات بطيئة وثابتة إلى حيث يقف.
حثها صوت رفيع, تظاهري باللامبالاة, ودعيه يشعر أنه لا يعني لك شيئا.
لقد جرها هذا القدر من التحدي إلى تنفيذ رغباته الشيطانية. وفيما هي تغلي في داخلها بدا هو في قمة السعادة.
أغمضت ساندرين عينيها للحظات ثم فتحتهما ثانية. لم يكن مايكل بمثل هذا البرود يوما.
هنالك جزء منها يتلهف إلى زوجها. ودت أن تضيع في عالم الأحاسيس العاطفية والروحية, فيتشاطران معا وحدة الجسد والروح.
كان أمرا جيدا. . . وصححت . . . أكثر من جيد.
أمسكت يد ذقنها ورفعتها كي تنظر إليه. مسح بإبهامه خدها بتمهل.
ابتلعت ساندرين ريقها لا إراديا. أرادت أن تبتعد عنه ولكن العينين الرماديتين الداكنتين أجبرتاها على التحديق بهما.
ثم أحنى رأسه وعانقها. . 
* * * 

سألها برقة:" كل شيء على ما يرام؟".
ماذا باستطاعتها أن تقول. لم تجد كلمة مناسبة واحدة, واستطاعت أخيرا أن تقول:" عاجزة عن الكلام".
أوضح سؤاله ببطء:" أقصدك أنت".
-لا بأس.
أنت تكذبين, أنبها صوت في داخلها. فما زالت تتوجعين من معاناة لا علاقة لها بالألم الجسدي.
لاحظ مايكل الكآبة في تينك العينين الجميلتين المضيئتين, وتسارع نبضها فمال إليها وطبع قبلة على خدها, ثم أزاح بلطف خصلة شعر منسدلة على خدها.
أرادت ساندرين أن تغمض عينيها وتحجب عنها مرآه, ولكنها لم تستطع. وعوضا عن ذلك زمت شفتيها بصمت مدعية الاحتجاج والعتاب.
أعلنت وهي تنزلق عن السرير بحركة واحدة رشيقة, قاصدة الحمام:" وقت الغداء, أنا جائعة".
لم ترغب بالشجار. فهي لا تملك الطاقة أو الميل في هذه اللحظة لتفعل أي شيء.
وقفت تحت رذاذ ماء الدوش لتغتسل, ثم فتحت الباب الزجاجي ومدت يدها والتقطت منشفة. عندما خرج مايكل من الحمام كانت ساندرين قد ارتدت ملابسها ورفعت شعرها فوق رأسها, وأخذت بوضع أحمر الشفاه.
ارتدى ملابسه, ومرر أصابعه في شعره المبتل ثم مال برأسه مازحا ولوح بذراعه إلى الباب قائلا:" تفضلي أمامي".

نهاية الفصل

" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن