5-مخالب امرأة

5.3K 95 1
                                    

انتقيا مطعما صغيرا وحميما, واختارا طاولة في الخارج, تحت مظلة كبيرة.
رفضت ساندرين أن تطلب شيئا آخر غير المعجنات واكتفت بقهوة سادة.
-هل استمتعت بالطعام؟
نظرت إلى الرجل الجالس قبالتها, وكافحت موجة غامرة من الأحاسيس.
كيف يمكن له ترك هذا التأثير المزلزل عليها؟ يا لجاذبيته الفطرية.
-نعم, أشكرك.
التوى فمه بابتسامة ضعيفة:" جواب مؤدب جدا. أتريدين مزيدا من القهوة؟".
هزت رأسها نفيا. ثم راقبته وهو يلوح بيده للنادل كي يجلب ورقة الحساب.
-جاهزة للذهاب؟
سألها مايكل بعد بضع دقائق, فنهضت ساندرين على قدميها من دون جدال.
تمشيا معا في الشارع الرئيسي, يتوقفان من حين إلى آخر أمام واجهات المحلات. واشترت ساندرين بطاقات عدة ولوسيون مرطب وكريم واق من أشعة الشمس.
وأصرت على دفع الثمن بنفسها. واشترت بواسطة بطاقة اعتمادها ثوب سباحة وثوبا أزرق جميلا.
سألها مايكل وهما يضعان أكياس المشتريات في جناحهما بالفندق:" بركة السباحة أم المحيط؟".
لم تتردد أبدا:" المحيط".
لم يستغرق أمر تغيير ملابسها وأخذ المناشف وعبور الشارع إلى الشاطئ سوى دقائق معدودة.
كان البحر هادئا بأمواجه الصغيرة المتكسرة على الشاطئ. فيما بدا الخليج بصخوره الناتئة وسفحه المنحدر من ربوة خضراء آية في الجمال و العذوبة.
يا لها من نعمة! فكرت ساندرين بصمت وهي تفرش منشفتها تحت مظلة نصبها مايكل.
تمشيا بعد عشرين دقيقة عبر الرمال إلى طرف الماء, ثم سارا بضع خطوات فيه, حتى غمرتهما المياه الزرقاء, ليطفوا على السطح ثانية ويكربا عباب الأمواج, سابحين بموازاة الشاطئ.
فكرت وهي تتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تلف العديد من المنازل ذات الألوان الزاهية, المنتشرة على طول الشاطئ, أن سكينة لا متناهية تكتنف المحيط اللامحدود وإحساس بالتوحد مع الطبيعة يختلف تماما عن بركة السباحة.
كم من الوقت مر على آخر عطلة قضتها في نووسا؟ سنوات! أدركت ذلك بحسرة, وهي تتذكر كيف قضتها مع والديها خلال عطلة منتصف السنة الدراسية. سبقت تلك الأيام تمزق عائلتها بسبب الطلاق, وشعور المرارة الذي ملأ قلبها وتضارب الولاء مع اقتران كل من والديها بشخص آخر.
تكفلت المدارس الداخلية المقتصرة على طبقة معينة بتوفير ملجأ آمن لها, فلم تعد تشعر بالانتماء إلى أي من العائلتين. وجدت دائما الحب والترحيب في كل مرة تأتي فيها للزيارة. ولطالما اعتقدت أن ارتباكها ناجم عن حساسيتها للأمر.
عوضت عن ذلك النقص بالاعتماد على نفسها, والكفاح الدؤوب ثم النجاح. كل ذلك جرى بعصامية. واستطاعت أن تستخدم موهبتها في الخطابة والتمثيل, فبدأت في مسرحيات مدرسية وعرض الأزياء. ثم تولى ظهورها في إعلانات تلفزيونية, أما الباقي فأشبه بقصص الأحلام, عندما عرض عليها دور في مسلسل للتلفزيون الاسترالي. لقد كان قيامها بعرض أزياء في نيويورك ودعوتها إلى حفلة كان مايكل في مقدمة الحضور فيها, حدثين غيرا حياتها.
-هل عقدت العزم على الانفراد بذاتك؟
اتسعت عينا ساندرين لهذا الصوت المألوف والتفتت لترى مايكل قربها. لم يؤثر الشعر المبتل والماء الذي يسيل على وجهه على كمال قسماته المنحوتة أو يقللا من قوته التي تظهر من دون أي جهد.
-لا.
-أتودين استخدام يديك في شيء آخر مليء بالمغامرة؟
لم تستطع أن تقرأ تعابير وجهه, فيما عيناه تراقبانها بعزم بالغ, أربكها, فسألته:
-مثل ماذا؟
-ركوب الأمواج أو التزلج على الماء أو التزحلق السريع؟
-أنت تمزح من دون شك؟
تابع مايكل وكأنها لم تتكلم:" هل نستأجر زورقا ونستكشف الرياضات المائية؟".
قبضت بيدها حفنة من الماء ورشته بها, فحذرها:" أستطيع الاقتصاص منك".
-أنا أرتجف.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة:" يمكن تأجيل ذلك".
وظهر في عينيه وميض دافئ وهادف تمكن من زعزعة عزيمتها.
نظراتها المتشابكة مع نظراته جعلتها تحس به إلى درجة مخيفة وغامضة. لم تشأ أن تعلق في شباك جاذبيته, لأنها تؤثر على المنطق وتقضي على أي تفكير سليم.
استشعر مايكل ترددها, وعرف سببه, ولهذا قرر إعطاءها مهلة قصيرة للاسترخاء:
-سوف أسابقك إلى الشاطئ.
ساوى بين ضرباته وضرباتها, فخرجا من الماء سوية. التقط منشفته عندما وصلا إلى المظلة, قائلا:
-أترغبين بشراب؟
ردت ساندرين, وهي تحذو حذوه:" بعد أن أستحم وأرتدي ملابس جافة".
سحب مايكل المظلة من الرمل وأعادها إلى محل التأجير في طريق عودتهما إلى الفندق. وأشار عليها عندما وصلا المدخل:
-اصعدي أنت, وسألحق بك بعد عشر دقائق.
أومأت برأسها ثم عبرت الردهة إلى مكتب الاستقبال لأخذ مفتاح غرفتها. اتجهت إلى الحمام فور دخولها الجناح ثم خرجت إلى غرفة النوم فوجدت مايكل يحمل أكياسا عدة من محال معروفة.
-كنت تتسوق.
أعلن لها وهو يفرق الأكياس عن بعضها ويخرج محتوياتها:" ثياب نرتديها على العشاء".
التقط رزمة ملفوفة بورقة هدية ورماها على الوسادة قائلا:"خذي, هذه لك".
اكتشفت سروالا حريريا أسود للسهرة وبلوزة بلون الذهب المعتق.
شكرته بغمغمة مقدرة له هديته, وهي تراقبه يخرج سروالا أسود وقميصا حريريا أزرق اللون.
لو أفصح عن نيته في قضاء الليلة هنا, لجلبت بعض الملابس واستطاعت توفير بعض المال.
وفكرت, في أن المال ليس مشكلة, بالنسبة إليه.
جاء سروال السهرة والبلوزة على مقاسها تماما. وكانت تضع زينتها عندما رجع مايكل إلى الغرفة.
أشاحت ساندرين بنظرها عن المرآة لتقابل نظراته الوامضة وأثنت على اختياره:
-إنهما جميلان.
أقر بنبرة هازئة وهو يطرح المنشفة:" شكرا".
عادت لتركز انتباهها على وضع زينتها, وتجهد في تثبيت أصابعها وهي تضع اللون الذهبي الخفيف على جفنها العلوي.
أنبت نفسها في توبيخ صامت, وركزت اهتمامها بحزم على ماكياجها. واختارت أن تترك شعرها منسدلا على كتفيها.
أطرى عليها مايكل بعد أن عادت إلى غرفة النوم:" جميل. ولكن هنالك شيء ما ناقص". 
شعرت بالتوتر والجزع ونسبتهما إلى حساسيتها المفرطة على هذا الرجل بالذات.
كان هذا جنونا. لماذا تشعر وكأن حيوانا مفترسا جائعا يطاردها, وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها؟
استطاعت أن تقول بخفة:" ما هو؟".
أخذ يقترب منها, وأمسك بيدها اليسرى ووضع خاتم الزواج ثم ألحقه بخاتم رائع من الألماس على شكل اجاصة قائلا:" هذا".
خفضت ساندرين نظرها إلى يدها ورأت رموز امتلاكه لها وحارت بين أن تضحك أو تبكي:
-مايكل. . .
ضاع أي شيء أرادت أن تضيفه عندما ضغط على شفتيها بإصبعه:" دعينا نخرج لاحتساء ذلك الشراب, ما رأيك؟".
ضم صالون الفندق مجموعة من الزبائن, ورفع مايكل حاجبه عندما أصرت على طلب عصير برتقال:" أأنت بحاجة إلى صفاء الذهن؟".
-حتما.
-خائفة يا ساندرين؟
ردت عليه بتحد:" منك؟ لا".
كادت قهقهته المبحوحة تحطم معنوياتها وساورتها الرغبة بضربه عندما رفع كأسه قفي حركة إيمائية ساخرة.
استطاعت وهي تأخذ رشفة من العصير المنعش أن تغير موضوع الحديث:" كيف حال جدتك؟".
-إنها سيدة رائعة.
ماذا يمكنها أن تقول؟ واستقرت بعد ثوان على قول:" هذا لطف منها".
-لقد وعدتها أن نعرج لزيارتها بعد عودتنا.
لم ترغب التفكير في ذلك مقدما. كان يكفيها أن تفرغ من كل نهار على حدة.
-هل تريدين كأس عصير آخر؟
هزت ساندرين رأسها نفيا ثم راقبته يضع كوبه الفارغ على الطاولة قائلا:
-أنذهب لتناول العشاء؟
وقع اختيارهما على مطعم ايطالي, الأفضل في المدينة. طلب مايكل بعض المقبلات الايطالية التقليدية ثم استقر رأيهما على اسكالوب لحم العجل, اتبعاه بحلوى الليمون الشهية.
قالت وهما يتمشيان في الطريق:" لا أعقد أن باستطاعتي أكل أي شيء قبل ظهيرة الغد, على أقل احتمال".
لقد أمضت ساعات رائعة ذكرتها بالأمسيات السابقة التي قضياها معا في تناول الطعام اللذيذ.
قالت وهي تبتسم له بدفء:" كانت أمسية لطيفة, شكرا".
كانت تعابيره دافئة أيضا وحملت تانك العينان الرماديتان المشعتان وميضا لم تأبه بتفسيره:
-هذا من دواعي سروري.
اقترحت عفويا:" دعنا نتمشى قليلا".
أمسك يدها ببساطة, ولم تسحبها من يده.
هل هما مثل زوجين متحابين؟
بطريقة ما لم تعتقد ذلك, فلغة جسديهما لم تكن تنطق بذلك.
داعب بكسل شرايين رسغها الرقيقة. وعندما حاولت أن تحرر يدها, رفعها إلى شفتيه ولثم أصابعها.
رفعت ساندرين رأسها وتلاقت نظراتهما:" أتحاول إغوائي؟".
-هل نجحت؟
بصورة فائقة.
-أتعودين إلى خيار الالتزام بالصمت, يا صغيرتي؟
منحته ابتسامة خلابة:" طبعا".
-نظرا إلى أن أي شيء يقال قد يدفعني إلى الغرور؟
-تقريبا.
سارا على جانب واحد من الشارع, وهما يتمهلان من حين إلى آخر عندما يلفت انتباههما شيء ما معروض في محل, ثم عبرا الشارع وعادا أدراجهما إلى الفندق.
كانت الساعة قد بلغت الحادية عشرة عندما تقدمته إلى جناحهما, وخلعت حذاءها فورا ثم مدت يديها إلى حزام سروال السهرة.
كان من الصعب الحفاظ على الكثير من الحشمة بحضوره, فانسحبت إلى الحمام.
لم يسعفها بشيء ارتفاع حاجبه ولا ابتسامته البطيئة, وهي تندس بين الشراشف.
-لقد فات الأوان على ادعاء الخجل يا حبيبتي؟
-ربما لا أشعر بالراحة لاستعراض نفسي.
-هل أنت؟.
ارتسم العبوس الخفيف على جبينها:" هل أنا . . . ماذا؟".
زم مايكل فمه بصبر وهو يستدير لمواجهتها مسندا رأسه على يده:" تشعرين بعدم الراحة معي".
كان قريبا منها أكثر مما يجب, وخطيرا أكثر من اللازم. أصبحت ترصد كل نفس تأخذه. بدأت خفقات قلبها تتسارع.
أقرت ساندرين بصوت مبحوح:" أشعر بعدم الراحة مع نفسي عندما أكون معك".
واتسعت عيناها عندما رفع يدا وضرب طرف أنفها بسبابته بخفة, ثم سألها:
-أهذا أمر سيء؟
شدت أصابعها في محاولة للسيطرة على مشاعرها المتأججة.
استفهمت ساندرين بصوت مخنوق قليلا:" أنت تفعل ذلك متعمدا, أليس كذلك؟".
-وما الذي أفعله يا صغيرتي؟
-تغويني.
أخفض رأسه وهمهم:
-هل تريدين أن أتوقف؟
كادت تجيب بنعم.
كنها عادت ورفعت ذراعيها وشبكت يديها خلف عنقه واستسلمت لعناق زوجها.
مر وقت طويل قبل أن يستلقيا, ويغطا بسهولة في نوم هانئ, لم يستيقظا منه إلا في الصباح عندما جلب لهما النادل الفطور.
سأله مايكل وهو يشرب ما تبقى من عصير البرتقال, ثم يصب لنفسه فنجان قهوة سادة:
-ماذا تريدين أن تفعلي اليوم؟
كانت ساندرين تتضور جوعا فيما هي ممتلئة بدفء حميم بسبب الإشباع العاطفي.
-نذهب إلى ميلين و مونتفيل وجبال غلاس هاوس.
-كنت أخشى أن تقولي ذلك.
سألته وهي تتصنع البراءة:" لماذا؟ هل هناك ثمة شيء آخر يدور في ذهنك؟".
-باستطاعتنا أن نبقى هنا, ونطلب غداء في ساعة متأخرة ثم نعود إلى الساحل.
قضاء بضعة ساعات أخرى معه في الجناح سيضعف دفاعاتها, التي لم تعد تتحمل المزيد, فعارضت بصرامة:" إنه يوم جديد. دعنا نستغله على أفضل صورة".
-هذه نيتي بالضبط.
-دعنا من المبالغة. لقد فككنا عقدة.
احتدت نظراته وقال:" أهذا ما عنى لك ذلك؟ فك عقدة؟".
رفعت ساندرين فنجانها إلى فمها, واحتست منه القهوة, ثم ردت:" مايكل, هل ترغب بالقيام بعملية تحليل؟ هل تريد أن أضع نظاما لتسجيل النقاط, لكي أعطيك درجة إضافية؟".
أراد أن يسحبها من قدميها إلى غرفته لكي يحول هذا الفتور إلى حرارة متوقدة.
لقد تجاوبت معه في كل خطوة, طوال الليل وفي الصباح, وهو مستعد أن يراهن على ذلك بحياته. لكنها في وضح النهار, تتصرف بشكل مختلف لحماية ذاتها. وهذا لا يضيره ما دام يمتلكها في المساء.
قال متشدقا:" لا أتذكر أنك تنغمسين في التمثيل كثيرا. كما أننا لم ننغمس البتة في سيناريو من نوع ما, هل شعرت بذات السعادة التي شعرت بها. أنا لا أرى سببا لمعاودة الكرة الآن".
-الثقة أمر جميل.
صحح مايكل بشيء من السخرية:" المعرفة. . . معرفتك".
أقرت في سرها بحسرة أنه يعرفها تماما, مما يعطيه أفضلية جائرة.
أنهيا الفطور في صمت,ثم استحما وارتديا ملابسهما, قبل أن يدفعا حساب المنتجع ويغادرا بسيارتهما.
كان نهارا جميلا بسماء صافية, لا يشوبها إلا القليل من الغيوم. وأنبأت أشعة الشمس بارتفاع درجة الحرارة, فيما كان يخرجان من نووسا ويتجهان إلى الجبال.
كان من السهل جدا أن تتذكر حبها لمايكل والبهجة التي عرفتها معه. ولم يتطلب الأمر غير نظرة عابرة وذاكرة حية, حتى فاض قلبها حبا. وأصبح مايكل محور تركيزها. إنه تواصل روحي, ينغص راحة بالها.
تشنجت لبضع ثوان مما جعلها تبتلع ريقها بصعوبة.
يا للسماء, فكري بأمر آخر!
توقفت السيارة فجأة, وامتدت ذراعه لتشكل حاجزا يحميها وهي تندفع إلى الأمام, وسمعت مايكل يشتم بصوت خفيض.
-ما الذي حدث؟
سألت ساندرين بدهشة وذهول فيما جمدت السيارة مكانها بعد صرير عجلاتها. إلا أنها وجدت الجواب بنفسها حين رأت كلبا صغيرا يفر إلى المرعى المقابل.
تمتم مايكل بغضب وهو يرمقها بنظرة شاملة:" حيوان غبي, كان يمكن أن يقتل, هل أنت على ما يرام؟".
هزت رأسها من دون أن تتكلم, فاحتدت نظراته وأضاف:" أأنت متأكدة؟".
وأمسك ذقنها ثم أدار رأسها نحوه, وأخضعها لتقويم شامل.
لن تدعه يعرف أنه سبب عدم هدوئها, وليس الحادث الذي كاد يقع.
وضعت يدها على حنجرتها لتخفي نبضاتها المتسارعة, وتنفست الصعداء في صمت, عندما أفلتها وحل انتباهه مجددا إلى الطريق.
وصلا مونتفيل عند الظهيرة فتجولا في بضعة محلات, اشترت منها هدايا لأقاربها, ثم تمتعا بتناول غداء شهي في مقهى يطل على الوادي قبل أن يعودا أدراجهما إلى الشاطئ الذهبي.
كانت الرحلة ممتعة, وأفصحت عن ذلك حالما دخلا الفيلا عند الساعة السادسة مساء.
تساءل مايكل متشدقا, ومبتسما بخبث:" كل ما فيها".
ردت ساندرين بتحفظ:" معظم ما فيها".
وسمعته يضحك بصوت منخفض قبل أن يقول:" هيا نبدل ملابسنا ونخرج لتناول العشاء".
خالفته الرأي, وهي تقوم ذهنيا محتويات الثلاجة:" يمكنني تحضير العشاء هنا".
قرر مايكل بحزم:" حجزت طاولة في مطعم فندق حياة".
نبهته ساندرين فيما كان يدفعها إلى الأمام باتجاه الدرج:" يجب أن أراجع الدور الذي أؤديه".
-سنرجع إلى البيت عند التاسعة, حينها يمكنك الانزواء على مقعد ومراجعة الحوار.
كان مطعم حياة مليئا بالزبائن, فقادهم النادل إلى طاولة قريبة من نافذة تشرف على قناطر النهر الجميلة.
طلب مايكل شرابا, ثم اختارا أطباق السلطة والطبق الرئيسي, ولكنهما أجلا طلب الحلوى.
كانت ساندرين تستمتع بأكل القريدس عندما سمعت صوتا ناعما مألوفا. ها هي كايت ليندن, أنثى فاتنة بحق, تبدو بملابسها السوداء مثل عارضة أزياء خرجت لتوها من بين صفحات مجلة فوغ العالمية, وكان شعرها وماكياجها صورة عن الكمال. ورأت غريغور إلى جانبها.
قالت كايت وهي تطبع قبلة في الهواء موجهة لساندرين:" عزيزتي, تصوري أن ألتقي بك هنا".
ألقت ساندرين نظرة سريعة على غريغور ولمحت وميضا في عينيه, مما جعلها تستنتج أن لدى كايت هدفا. وهذا الهدف هو إيقاع مايكل في شباكها.
وافقتها ساندرين وهي ترمي مايكل بنظرة استهزاء من شبه عينيها المغمضتين:" يا لعجائب الصدف".
-أرجو أن لا يكون في انضمامنا لكما أي إزعاج؟".
ارتمت كايت على أحد الكراسي من دون انتظار الرد على سؤالها:" إنه شيء رائع. ينبئ بأمسية مميزة".
راح غريغور و كايت يطالعان لائحة الطعام, وأصر غريغور بعد أن طلبا الأطباق التي اختارها:" سأطلب زجاجة أخرى من المرطبات".
التفتت كايت نحو ساندرين وسألتها بصوت ينم عن اهتمام مصطنع, جعل ساندرين تعجب بمقدرة كايت التمثيلية:" هل أنت على ما يرام يا عزيزتي؟ تبدين شاحبة قليلا".
رسمت ساندرين على وجهها ابتسامة حلوة وردت:" هل تعتقدين ذلك؟".
-يقيم غريغور حفلة ليلة السبت. ويجب أن تحضراها.
رد مايكل بتصنع وهو يرفع كأسه دلالة على تقديره للدعوة:" لسوء الحظ, سنكون حينها في سيدني".
حقا؟ تساءلت ساندرين في سرها, إنها تعتزم زيارة عائلتها هناك, ولكن لم يخطر ببالها أن مايكل سيرافقها.
أخفت كايت شعورها بالخيبة وقالت:" يا للعار".
أحست ساندرين أن كايت تشحذ مخالبها متهيأة للانقضاض وهي تتابع:" يفترض أن تكون لقطات التصوير غدا ممتعة. ستصور ساندرين مشهدا جميلا".
تمهلت قليلا ثم تابعت:" لا بد أنه يصعب عليك مواجهة أمر تواجدها مع أحد".
رد مايكل بابتسامة قاتلة وبصوت ناعم يحمل في طياته الوعيد:" ليس لدي مشكلة في ذلك, لأنني الرجل الذي تزوجته".
راقبت ساندرين كايت وهي ترفرف بأهدابها وتعلق:" أنا أعشق الرجل المتسلط".
قال غريغور متدخلا:" حقا, يا عزيزتي؟ إنك تدهشينني, فعهدي أنك حريصة على اتخاذ القرارات في علاقاتك".
لو كانت النظرات قاتلة, لوقع غريغور صريعا, ولألقي القبض على كايت بتهمة ارتكاب جريمة قتل.
وبسبب هذه الألاعيب المبطنة التي تشعر بها النساء برغبة في القيام بها, وجدت ساندرين تصرف كايت, من جهة, مسليا, ومن جهة أخرى أرادت أن تفقأ عينها! وفكرت بامتعاض بأن الغيرة إحساس لا مفر منه.
ألقت نظرة سريعة على مايكل والتقطت الوميض الخافت الظاهر في عينيه الرماديتين. هل فضح أمرها إلى هذا الحد؟ لقد اكتسب القدرة على قراءة ما يدور في خلدها بدقة بالغة منذ اللحظة الأولى, فيما بقي هو كتابا مغلقا تقريبا.
جاء النادل بأطباق كايت و غريغور الرئيسية, بينما ركزت ساندرين على التهام سمك السالمون.
-إلى متى ستمكثين في سيدني؟
-أنا . . . 
كانت على وشك أن تضيف, لا أعرف على التأكيد, غير أن مايكل قاطعها.
-إلى أن ينتهي تصوير الفيلم وتنجز الحملة الدعائية له.
تمادت كايت في لعبها بغنج:" وبعد ذلك؟".
التفت مايكل إلى ساندرين مبتسما بأدب وأمسك بيدها ثم رفعها إلى شفتيه:" نيويورك ثم باريس".
حاذري! قالت ساندرين في سرها, من الواضح أنه يلجأ إلى الأسلحة الثقيلة.
علقت كايت وهي تتنهد حسدا:" الفرنسية. . يا لها من لغة رومانسية! الحصول على زوج يعبر عن رغباته بلغته الأم. . يجعلني أفقد صوابي".
رد غريغور متشدقا:" لقد تزوجت عدة مرات وفي كل مرة كان زوجك من جنسية, بحيث يظن المرء أنك امرأة متعددة اللغات".
-حيوان.
-أنا لا أقول إلا الحقيقة, كما أعرفها. يا عزيزتي.
حولت كايت انتباهها إلى ساندرين:" أديت تجربة للدور الرئيسي في فيلم لوكاس الجديد. وأظن أني سأحصل عليه".
مسدت شعرها بيدها وأضافت:" هل تحضرين لعمل آخر؟".
أعادت ساندرين وضع السكين والشوكة على المائدة, واحتست ما تبقى في كأسها من شراب:
-تهاني.
-لم تجيبي على سؤالي.
فكرت مليا قبل أن تجيب, لأنها كانت تعي أن مايكل صب كامل اهتمامه على يدها:
-ليس لدي أي مشاريع فورية.
-أتريدين قهوة حبيبتي؟
هزت رأسها نفيا, فصرف النادل وأعلن:" نرجو المعذرة, لأننا على وشك المغادرة. يجب أن أتفحص بعض المعلومات في الكومبيوتر وعلى ساندرين مراجعة حوارها".
ثم نهض على قدميه قائلا:" عمتما مساء".
جلب لهما البواب سيارتهما في غضون دقائق, فجلست ساندرين على المقعد إلى جانبه وأسندت رأسها إلى الخلف.
-لا تعليق؟
أدارت رأسها قليلا نحو مايكل وقالت بامتعاض:
-كلا. لا شيء البتة.
وسمعته يضحك بصوت خفيض مبحوح.
سألها وهما يدخلان ردهة الفيلا:" أين تفضلين مراجعة دورك؟".
كانت ترغب بخلع حذائها والجلوس على أحد المقاعد الوثيرة, فأجابت:
-هنا.
خلع سترته وعلقها على أحد كتفيه:" سأضع الكومبيوتر على مائدة غرفة الطعام. هل تحضرين القهوة أم أقوم أنا بذلك؟".
-حضر القهوة أنت. سأصعد إلى غرفتي لأغير ملابسي.
كان مايكل لا يزال منكبا على جهاز الكومبيوتر عندما عادت إلى غرفة نومها قبل منتصف الليل بدقائق, وخلدت إلى النوم في غضون دقائق من وضع رأسها على المخدة.
لم تسمعه يندس في الفراش إلى جانبها. ولم تع أن ذراعه تشدها إليه.

نهاية الفصل

" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن