كان هناك رتل من السيارات يصطف عند المدخل الرئيسي, وتحركت إحداها نحوهما بعد أن أشار مايكل بأصابعه.
استغرقت سيارة الأجرة عشرين دقيقة قبل أن تتوقف أمام شقتهما, فودعا راؤول على عجل, وأخذا طريقهما عبر الردهة باتجاه المصعد.
حالما أغلق عليهما باب المصعد, ضغط مايكل الزر المناسب, ثم شدها إليه وقبلها قبلة قصيرة.
عندما دخلا الشقة, وقفت بضع ثوان وهي صامتة, تنظر إليه بعيني واسعتين. كانت ترغب بقول الكثير له, ومع ذلك بدا أن الكلمات علقت في حلقها.
كان عزيزا, حميما. كان حياتها, ومن دونه, ستختلج الشعلة في داخلها وتنطفئ.
ومض شيء ما في عينيه, ووقفت في مكانها من دون حراك وهو يمرر أصابعه في شعرها ويميل برأسها إليه.
قالت من دون تكلف, في حين انفرجت شفتاه بابتسامة رقيقة:" لم أكن لأحتمل فقدانك".
-هذا لن يحدث.
-اليوم, ظننت للحظة أن ذلك قد يحدث.
لن ينسى أبدا, مهما طال به العمر, التعابير التي بدت في عينيها والشحوب الذي كان على وجهها, عندما دخلت عليه في غرفة الطوارئ. داعب وجنتها بإبهامه وقال:
-أعرف ذلك.
اختلج حلقها, فالتعابير البادية في عينيه لم تكن غير انعكاس لعواطفها. قالت بصوت مبحوح:
-ربما يجب أن ترتاح.
-أتظنين ذلك؟
-مايكل...
وتوقفت عن الكلام, فيما كان يحني رأسه على رأسها و تستقر شفتاه على خدها.
-ما رأيك؟
-لا أستطيع التفكير عندما تفعل ذلك.
-هل من المهم أن تفكري؟
-أنا أريد...
انقطع تنفسها عندما عانقها مجددا. هذا هو قدرها: أن تحضنها ذراعي الرجل الذي تعتبره توأم روحها, و لا أهمية لأي شيء آخر.
هتف مايكل برقة:" ما الذي تريدينه يا حبيبتي؟".
ردت بعفوية:" أنت, ولكن أولا...".
علت نبرة صوتها قليلا ثم خفتت فجأة. شعرت أنها تذوب بين ذراعيه, وبحركة رشيقة رفعها عن الأرض.
احتجت وهي تسمع ضحكته الخشنة:" ذراعك".
مازحها مايكل وهو يسير بها نحو غرفة النوم:" أتخشين أن تعيقني؟".
-أخشى أن تؤلمك.
أزاح أغطية السرير ثم أنزلها عليه...
وفقد الإحساس بالمكان والزمان. وضاع مايكل في أحضان تلك التي تدعى ساندرين, امرأته وزوجته... و حياته.
استولت عليه فكرة واحدة, منذ اللحظة التي قابلها فيها, مشاعر فورية تقطع الأنفاس. رغم ذلك, كانت تعني له أكثر من ذلك بكثير. وأحس في أعماقه بتلك العاطفة البدائية المجردة, ذاك الشعور الغريزي بأنهما خلقا لبعضهما البعض, وكأنهما تعارفا منذ أمد بعيد.
هذا جنون. حاول طرح هذه الأفكار عن ذهنه. إن عقله راجح, منطقي وتحليلي. ومع ذلك, أدرك بصورة مخيفة أنه, لو لم يحضر الحفلة التي أقامها صديقه في منزله, لما التقاها أبدا. وهي في المقابل قادها خيط القدر الرفيع إلى هذه الحفلة التي اعترفت بملء إرادتها, أنها لم تكن خيارها الأول لقضاء السهرة.
من بين النساء اللواتي التقاهن جميعا, لم يجد أي واحدة تماثل ساندرين من حيث السحر الأنثوي, لا من قريب ولا من بعيد.
لفته جمالها وتقاطيع وجهها, وعيناها البنيتان الواسعتان, وفمها الذي يفيض عذوبة. ووقف طويلا عند نحول قوامها الذي جعل المصممين يعتبرونها عارضاتهم المفضلة.
وعدا عن ذلك, فتنته ابتسامته الصادقة الدافئة وحبها للحياة, وطريقة تمايل ذقنها عندما تضحك, والتواء رأسها قليلا عندما ترمي شعرها إلى الوراء, فوق كتفيها, ونبرة صوتها الذي تكتنفه البحة عندما تثار عاطفيا. و... لأنه رجل... رائحة جسمها التي تجعل منها امرأة فريدة.
-مايكل؟
خفض نظره إليها وحاولت أن تكبح الرعشة الخفيفة التي تكاد تقضي على تحكمها الواهن برغباتها.
وقال بخبث لا يرحم:" لا يمكننا أن نتحدث الآن".
-لكل قاعدة استثناء.
داعب أنفها بإصبعه, وقال:" إذن, ما الذي تريدين قوله ولا يمكن تأجيله.. هيا؟".
وضعت إصبعا على فمه وضغطت على شفتيه, لتوقف فيض أي كلمات يمكن أن يضيفها, وشعرت بالدموع تترقرق في عينيها وبوخز مؤلم في أعماق قلبها.
-أحبك!
قبل أصابعها واحدا واحدا وكادت نظراته الدافئة تذيبها وهو يقول:" شكرا يا حبيبتي".
طمأنته والدموع تطفر من عينيها وتعلق على أهدابها ثم تنساب على وجنتيها:" لطالما أحببتك, وسوف أحبك دوما".
مسح دموعها بإبهامه:" هل انتهيت من الكلام؟".
أومأت برأسها وحاولت استعادة رباطة جأشها. اخترقته نظراتها التي انطوت على عمق جعله يمسك أنفاسه.
مد يده واخرج علبة من قاعدة السرير ثم تحول إليها وأمسك بيدها اليسرى:" لدي شيء لك".
وجدت أنه خاتم جميل مرصع بالماس, يكمل تماما مجموعتها من الخواتم.
قالت ساندرين بأنفاس متقطعة وهي تكاد تبكي:" إنه خاتم جميل, شكرا. إن الدائرة ترمز إلى الأبدية. ولكن ليس لدي شيء لك".
نجحت العاطفة الدافئة التي بدت في نظراته في تذويب عظامها. ورد مايكل برقة:
-أنت مخطئة, فأنت هديتي و أغلى من أي شيء يمكن أن تجلبيه لي. فأنا أحبك يا حبي.
أصبح صوته مبحوحا وهو يقربها منه ليعانقها.
-أنا أعشقك, أنت حياتي وحبيبتي. أنت كل شيء بالنسبة لي.
الحب يعني التفاهم والتعاطف والثقة, وأشياء كثيرة أخرى.
استلقيا معا ملتصقين, تحيط وسطه بذراعها وتريح خدها على صدره.
أخذت الشمس في المغيب, وسريعا سيهبط الظلام. كانت الخيالات تتراقص على الجدار بشكل لا تفك ألغازه.
أقرت في داخلها, أن الأمور استقرت. اخيرا, لقد انتهى تصوير الفيلم, وأنجزت الدعاية. وغدا ستستقل الطائرة مع مايكل إلى نيويورك, وفي الأسبوع التالي سيسافران لقضاء عطلة في فرنسا.
سماء باريس في فصل الشتاء ملبدة بالغيوم الرمادية التي تمطر باستمرار, ولكن لا شيء يمكن أن يخفي سحر الحب في مدينة العشاق. إنها المدينة المناسبة لمحاولة إنجاب طفل.
-هل أنت مستيقظ؟
شعرت به يتقلب ليدنو منها, وسألها:" هل تريدين أن أطلب بعض الطعام؟".
-ما شعورك حيال الأطفال؟
-عموما؟
ردت بعد ثوان قليلة:" أطفالنا".
استحوذت الآن على انتباهه, وسأل:" هل تحاولين أن تخبريني بأمر ما؟".
-ليس هناك ما أخبرك به... بعد.
رفع رأسه وهو يميل إليها, وأجاب:" التفكير بك وأنت حامل بطفلي يغمرني بالمتعة".
-يغمرك بالمتعة؟
انهال عليها بالقبلات المتمهلة, قبل أن يقول:" أظن أنه يجب البدء بالعمل على ذلك".
-الآن؟
-هل لديك مانع؟
لم تحر جوابا. عوضا عن ذلك, أظهرت له ما تنوي فعله.. قريبا.النهاية
أنت تقرأ
" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين
Romance-ماذا تفعل هنا الليلة؟ -أريد الثمن! -وثيقة الزواج لا تحولني إلى متاع تملكه. -لا أريد المناقشة ولا المفاوضة. أريد فقط إما نعم وإما لا... استفهمت ساندرين بشجاعة: "وإذا رفضت؟" -سوف أغادر هذا المكان. ويخرج من حياتها؟ كما خرجت هي من حياته؟ لماذا يتملكها...