7- ثمن السعادة

4.1K 81 0
                                    

ركزت ساندرين اهتمامها على المناظر التي أخذت تتوالى فيما كانت السيارة تنضم إلى السير المتدفق نحو الشمال.
كانت ليلة صافية, ذات هواء قارص, والأضواء المنبعثة من نوافذ الأبنية السكنية العالية, تتبارى مع النجوم البعيدة المتلألئة في كبد السماء.
-هل نتابع من حيث توقفنا؟
حدقت بمايكل مليا, فوجدت ظلال الليل تعزز تقاطيع وجهه.
خرج صوتها بتهكم غير معتاد:" لن يغير الحديث حقيقة أن شجار حام وقع بيننا بسبب قراري الالتزام بعقد التمثيل".
ضرب بقبضته مقود السيارة, فنظرت إليه غير مصدقة.
-يا إلهي! الموضوع لا يتعلق بمتابعة مهنة.
تمهل قليلا ليفسح الطريق أمام سيارتين ثم استطرد:
-الأمر يتعلق بنا, بأن نكون معا. وليس أن أجبر على قضاء الوقت في مدينة فيما أنت في مدينة أخرى تقع على الطرف الآخر من الكرة الأرضية. هل فهمت؟
-كان أمرا لا يمكن تجنبه.
رد مايكل وهو يكظم غيظه:" لم يكن ذلك ليحدث لو أخبرتني بأمر الدور في وقته لتعطيني فرصة لكي أضع خطة طارئة".
ألقى عليها نظرة حادة حملت مئات المعاني قبل أن يعيد انتباهه إلى الطريق.
-لن أسمح بحدوث ذلك مرة ثانية.
أخذت نفسا عميقا ثم زجرته ببطء:" عفوا؟ لن تسمح بحدوث ذلك؟".
رد بقسوة:" كلا. لن يكون هناك في المستقبل أي سوء تفاهم أو افتراضات. سنتواصل بصراحة, من دون أن نترك شيئا للتأويل".
جابهته وهي تشعر بالتعاسة:" أنا غير متأكدة من أن هنالك مستقبلا بيننا".
كان لسانها يستأهل القطع لتفوهه بهذه الكلمات الغبية.
جاء صوته ناعما ومليئا بالوعيد القاتل:" أوه. بلى. لدينا مستقبل يا حلوتي الصغيرة".
-كيف يمكنك أن تقول ذلك؟
-بسهولة.
-وماذا عن المسائل العالقة؟
أجابها مايكل متحديا:" عددي لي هذه المسائل؟".
أخذت ساندرين تعدد خطاياه على أصابعها:" أنت تضع رقابة على تحركاتي, وتتحرى عمن يعملون في الفيلم. وتخطط لصفقة إنقاذ وتجعلني أحد شروطها".
وأوضحت له في النهاية:
-الابتزاز... عمل إجرامي.
-أنت زوجة رجل ثري. والثروة التي بين يديه تجعل عائلته كلها هدفا للاختطاف وطلب الفدية والابتزاز. ولهذا أرسلت شخصا لحراستك.
-كان بإمكانك أن تعلمني بالأمر! ماذا سيكون موقفي برأيك لو شاهدت شخصا يلاحقني؟
رد عليها بحدة:" أتذكرين أنك رفضت الإجابة على أي من مكالماتي الهاتفية؟ أنا وظفت الأفضل. وليس رجلا هاويا يثير ذعرك بسبب عدم تستره".
سألته وهي تشعر بالإساءة:" وما الذي فعله؟ أرسل تقريرا عن... مع من تكلمت وإلى أين ذهبت وماذا فعلت... على عدد الدقائق والأيام؟".
صرخ بها حانقا:" لم يكن ذلك بسبب عدم ثقتي بك, بل من أجل حمايتك".
كانت مندفعة في الكلام, وبدا أنها لا تستطيع التوقف:" كان في ذلك تعديا على خصوصياتي. وأنا أكرهك لذلك!".
-اكرهيني إذن يا حلوتي الصغيرة, فعلى الأقل كنت أعرف أنك في أمان.
ردت وهي تحدجه بنظرات نارية:" أظن أن التأخير في الفيلم وتخطي المصاريف لميزانيته فرصة وقعت عليك من السماء, ووفرت لك الوسيلة والسلاح الذي صوبته إلى رأسي. لن أسامحك على ذلك أبدا".
-أبدا, وقت طويل.
-وقت سيطول مدى حياتي.
قال مايكل متشدقا:" أخبريني, ما الذي عزمت عليه بعد الانتهاء من تصوير الفيلم؟".
-زيارة عائلتي.
-وبعد ذلك؟
بعد ذلك, يأتي في المستقبل الضبابي, وهو أمر تعمدت ألا تعيره أي تفكير.
أقرت بصدق, وتجهمت من الصوت الغليظ الذي اخترق الهواء:"لا أعرف".
رفع كلتي يديه عن المقود, ثم عاود الإمساك به بشدة:" لا تعرفين الشيء التالي الذي ستقولينه لي, إنك كنت عازمة على الاتصال بي عبر محاميك".
-أعتقد أن ذلك كان احتمالا ممكنا.
-وليس الاتصال بي هاتفيا, أو العودة إلى البيت؟
استفهمت منه بامتعاض:" أين هو البيت, يا مايكل؟ لديك مساكن في مدن عدة. واضطررت ذات مرة أن أطلب من سكرتيرتك التحقق من مكان وجودك".
-يا إلهي. أنت تعرفين رقم هاتفي الخلوي الخاص وبإمكانك الاتصال بي حيثما كنت وفي أي وقت!
-ربما لم يكن لدي الرغبة في القيام بذلك!
-هل خطر في بالك أنني ربما أخذت كل ذلك في الحسبان, ولهذا صوبت, كما تقولين بسخرية, سلاحا إلى رأسك؟.
خفت سرعة السيارة إلى أن توقفت, أمام البوابة الأمنية التي تسمح بالدخول إلى مسكنهما. فتحت البوابة في غضون ثوان قليلة, واجتازتها السيارة إلى الداخل.
-ثقي أنني كنت عندها لأستخدم أي سلاح أمتلكه.
-الابتزاز يا مايكل.
-أنت لم تردي على مكالماتي. هل كنت ستدعيني أدخل, لو ظهرت على عتبة باب شقتك؟
-على الأرجح, لا.
على الأقل, ليس في البداية. ربما كانت ردة فعلها في الوهلة الأولى أن تصفق الباب في وجهه. الخطوة الثانية... استدعاء الشرطة؟ كلا, رفضت هذا الاحتمال في سرها. ولم تكن لتذهب إلى هذا الحد.
أهو على حق في إصراره على مصالحة قسرية؟ وأن يشاركها المسكن ذاته من دون أن يعطيها أي خيارات في هذا الشأن؟
وصلا إلى الفيلا في غضون دقائق. وحالما دخلاها, صعدت الدرج متجهة إلى غرفة النوم الرئيسية.
مضت أسابيع عدة وهي حانقة جدا من مايكل ومن نفسها ومن الظروف التي تسببت بهذا الشقاق بينهما. والآن تملكها نوع من الشك في صحة تصرفها وقدر من الندم .. والألم.
حالما وصلت غرفة النوم خلعت حذائها وسارت إلى النافذة الكبيرة. لم تبذل أي محاولة لسحب الستائر وراحت تنظر عبر الخليج إلى مطعم متلألئ الأضواء قائم على الماء.
ستغادر هذا المكان خلال أيام قليلة, والأرجح ألا تعود ثانية.. سيدني وعائلتها يستدعيانها. ستسر أمها لرؤيتها, وكذلك والدها, ولكن في مناسبات منفصلة وأماكن مختلفة. سوف تزورهم وتوزع الهدايا, تلقي التحية على أخوتها غير الأشقاء وتتظاهر بالانتماء إليهم.
أغمضت عينيها وحاولت أن تتجاهل الشعور بالوحدة في أعماقها. وخزات خلف جفونها انتهت بتدفق بعض الدمع الذي انساب على خديها.
####
نبهها إلى وجود مايكل صوت خافت, وحركة متأنية. وصلت لئلا يضيء النور. 
أحست ساندرين بع بدلا من أن تسمعه يدنو منها ويقف وراءها, ثم أمسك بها بكتفيها وشدها إلى الوراء نحوه.
-أتذكرين الاتفاق الذي عقدناه؟
-عن أي اتفاق تتكلم؟
-ألا نمضي ليلة منفصلين, إلا في ظروف قاهرة خارجة عن إرادتنا.
هذا صحيح. ولكن بطريقة ما, لم يكن أداء دور صغير في فيلم يصور في الطرف الآخر من العالم ليدرج في لائحة الظروف القاهرة.
سألته بهدوء من دون أن تحاول التظاهر بعدم الفهم:" كيف ستحل هذا الإشكال؟".
-دعينا نعيش كل يوم بيومه, ما رأيك؟
بقيت من دون حراك لبضع دقائق, ثم انزلقت يداه على ذراعيها وعقدهما معا حول خصرها. شعرت بشفتيه تلامسان خدها بقبلة رقيقة حساسة.
كان إحساسا بالجنة, أن تسند رأسها إلى كتفه وتبقى هكذا من دون حراك. . وأن تستمد الراحة في الملجأ الذي يوفره لها, وأن تهنأ بلمسة يديه وعناقه.
لم ينبس بأي كلمة, ولا هي فعلت. لم يتحركا, بل وقفا في مكانهما ثابتين لوقت بدا وكأنه دهر.
ثم أدارها مايكل برقة لتواجهه, فرفعت يديها لتحيط بهما عنقه فيما أحنى رأسه على رأسها.
عانقها بعاطفة محمومة, فأفلتت أحاسيسها من قيودها وتفجرت تجاوبا معه, واستسلمت لإحساس عارم جميل!
وبعد لحظات, انقطعا فيها عن العالم, استكانت بين ذراعيه, محاولة استعادة السيطرة على أنفاسها...و استعادة صوابها.
أخذا رحلة الطائرة التي تنطلق في منتصف الصباح من مطار كولانفاتا, ليصلا سيدني بعد ما يقارب الساعة.
مالت الطائرة النفاثة نحو المحيط, كاشفة عن منظر شامل للمدينة والميناء: ناطحات سحاب تتجاور مع البيوت الأنيقة المنتشرة على العديد من الخلجان الصغيرة الحالمة.
وأحست ساندرين بألفة مسقط رأسها عندما أخذت الطائرة بالهبوط. لقد ولدت وترعرعت وتعلمت هنا. و في هذا المكان تعيش عائلتها, ويعيش أصدقاؤها.
بإمكانها أن تسترخي لبعض الوقت, وتزور عائلتها وتقابل صديقاتها وشبع ميلها للتسوق.
كان يوما مشمسا وصافيا, لا تشوب زرقة السماء فيه أي غيمة تقريبا. بدا لها أن دهرا قد مضى منذ مغادرتها سيدني, لكن من ناحية أخرى شعرت وكأنها لم تغادرها إلا في الأمس.
كانت شقة مايكل تقع في الطابق العلوي من منزل قديم واسع مؤلف من ثلاثة طوابق, جرى ترميمه كليا و أعيد تصميمه معماريا على مثال الدارة الأصلية. يتألف كل طابق من شقة واحدة منفصلة, يصلها مصعد بدلا من الدرج الأصلي, وقد حافظ المنزل على الأبهة التي لا يحدها زمن, والتي اكتملت بالأثاث الأثري الرائع.
عشقت ساندرين الشقة منذ النظرة الأولى, وحتى هذه اللحظة. كانت تقطع الصالون الواسع إلى الأبواب الزجاجية العريضة التي تفصله عن الشرفة الطويلة لتستمتع بمنظر الخليج.
داعبها مايكل باحتراس بعد أن لحق بها, ثم أحاط وسطها بذراعيه وشدها نحوه:" بم تفكرين؟".
ردت عليه متأملة:" لا شيء على وجه الخصوص. شعور بالرضى لكوني في موطني ثانية".
-أترغبين بالاتصال بعائلتك, لتحديد موعد اللقاء؟
ردت عليه إيجابا, لكن ليسوا مجتمعين. لقد تعلمت باكرا في الحياة ألا تخلط بين الاثنين.
عرض عليها:" اختاري ما يروق لك, نخرج للغداء ثم العشاء, طالما باستطاعتي صرف بضع ساعات على الكمبيوتر كل يوم".
لاحظت بنظرها باخرة تمخر عباب المرفأ ولمحت سفينة شحن في الأفق:" أتريد أن تعمل بعد الظهر, اليوم؟".
-إلا إذا كان عندك فكرة أفضل؟
اعترتها رغبة لا تقاوم في الإيقاع به:" حسنا, مضى وقت طويل منذ قمت بتقليم أظافري, كما أن شعري يحتاج إلى بعض الترتيب, واحتاج إلى بعض مستحضرات التجميل".
جاراها في النكتة وهو يمط كلامه متفكها:" أنا أعمل, وأنت تتسوقين".
-هل أنت متأكد من عدم ممانعتك؟
-اذهبي يا حبيبتي. وعودي عند الساعة السادسة, ولنتناول العشاء خارجا.
يمكن أن تفك أمتعتها لاحقا. أفلتت من بين ذراعية وهي تطلق ضحكة خفيفة, ثم التقطت حقيبة يدها, وأرسلت له قبلة في الهواء قبل أن تهرع إلى الباب الأمامي.
تمتعت ساندرين بالتجوال بضع ساعات.
وراق لها في أحد المحلات الراقية حذاء رائع, فاشترته.
كان الوقت يقارب السادسة مساء, عندما توقفت سيارة الأجرة أمام الشقة. وبعد أن دقق الحارس بهويتها, صعدت إلى الطابق العلوي.
وجدت مايكل جالسا إلى طاولة مكتب أثرية في إحدى زوايا الصالون, فرفع رأسه عن شاشة الكومبيوتر حالما دخلت الغرفة. وكان قد بدل ملابسه وارتدى قميصا باللون العاجي وسروالا داكنا.
ظهرت على محياه ابتسامة دافئة وهو يطبق جهاز الكومبيوتر بعد أن لمح أكياس المشتريات ذات الألوان البراقة ولاحظ تسريحة شعرها الجميلة.
رحت ساندرين الأكياس على كرسي قريب منها قائلة:
-لقد اشتريت زوج أحذية.
ولوت أنفها ثم أردفت:" مرتفع الثمن جدا".
خرجت من حلقه ضحكة مبحوحة فيما هو يدنو منها:" هم مم. . . عطر جديد".
-لاحظت ذلك.
-أنا ألاحظ كل شيء يتعلق بك.
تماما مثلما طورت هي حاسة سادسة حادة فيما يخصه. رائحة النظافة التي تفوح منه, وعطر الصابون و الكولونيا اللذين يستعملهما, وأريج ثيابه المغسولة والعطر الرجولي الذي يميزه عن الآخرين.
-ما هو موعد الحجز في المطعم؟.
-الساعة السابعة.
-إذن من الأفضل أن أباشر فك الأمتعة وأستحم قبل أن أرتدي ملابسي.
دس يده خلف شعرها وأمسك بمؤخرة عنقها وأحنى رأسه عليها. جاء عناقه مليئا بالمشاعر والإثارة, و شابها شعور غامض بالأسف عندما أفلتها.
كانت ليلة صيف دافئة, فاختارت سروال سهرة من الحرير الأسود وقميصا مطرزا. وانتعلت حذاء خفيفا ذا كعب رفيع جدا. وأكملت أناقتها بحقيبة سهرة مطرزة تتناسب مع ملابسها ثم وضعت ماكياجا خفيفا.
اختار مايكل مطعما يقدم المأكولات البحرية, فطلبا بادئ ذي بدء طبقا من القريدس ثم اتبعا ذلك بالسمك المشوي.
-هل اتصلت بوالديك؟
انتابها شعور بالذنب لعدم قيامها بذلك وقالت:
-سوف أكلمهما في الصباح.
وضعت المقبلات أمامهما وأخذت تقضم القريدس وتتلذذ بمذاقه. ياللسماء! الصلصة مثالية.
-بوجودكما, أنت وراؤول, في استراليا, من يدير. . .
-العمل؟
-أتكلم مجازيا.
-يترأس هنري فريق عمل كفؤ جدا في غيابنا.
-متى سيعود راؤول إلى باريس؟
شاب ابتسامته شيء من الامتعاض:" ما هذا يا ساندرين, لعبة العشرين سؤالا؟".
هزت كتفها بعدم اكتراث:" أعتقد أنه فضول وحسب".
-مخططاته أقل مرونة من مخططاتي.
استفهمت منه من دون وجل:" وأنت مايكل! إلى متى ستبقى في استراليا؟".
حدجها بنظرة مباشرة وثابتة:" قدر ما يحتاج الأمر".
لم تتظاهر بعدم الفهم, ولكنها شعرت فجأة بالامتعاض وانقبضت معدتها بصورة مؤلمة.
-قد يستدعوني للعودة إلى الاستديو لإعادة تصوير لقطة من الفيلم. وهنالك أيضا الدعاية والتسويق...
-أنا بذاتي كنت أعمل كل يوم منذ وصولي إلى استراليا.
الكمبيوتر. بالإمكان, في هذا العصر الالكتروني, تلقي و إرسال كل المعلومات والتقارير بضغطة زر.
-لا داعي لكي...
قاطعها مايكل:" بلى, هنالك داع".
-مايكل...
جرجرت الكلام إلى أن توقفت. ورغم أن عينيها كانتا في عينيه, إلا أنها عجزت عن قراءة تعابيره.
-أتذكرين أننا تعاهدنا على أن نعيش كل يوم بيومه؟
نعم. لقد فعلا. ولكن, مع كل يوم يمر, كانت تدرك, كم سيكون صعبا عليها العيش من دونه. لقد عرفت أنها لا ترغب بذلك, من السهل إذكاء حدة العواطف. يكفي أن تنطق بالكلمات التي يريدها.
ولكن, يجب أن تكون هذه الكلمات مناسبة, ويجب أن يكون الوقت مناسبا, والمكان مناسبا أيضا.
عندما يكونان معا تمنحه جسدها وروحها بسخاء, وتتمنى أن يعرف ما يعنيه لها. ولكنها عاشقة صامتة, وكلمة أحبك, لم تتفوه بها منذ الليلة التي سبقت مغادرتها نيويورك.
جلب لهما النادل طعام العشاء الرئيسي, ونظرت ساندرين إلى طبق السمك الشهي, وطبق السلطة المعد بإتقان لتكتشف أنها فقدت شهيتها.
لهذا, فقدت قدرتها على الكلام أيضا. فكيف يمكن تبادل العبارات العادية مع شخص لا تستطيع منه فكاكا اليوم بطوله؟
ما كان عليها إلا أن تنظر إليه, لتفقد سيطرتها على مشاعرها وتنتقل إلى عالم آخر من الأحاسيس المثيرة والجامحة.
كان مثل لعبة صامتة يلعبانها معا, من دون أي تخطيط مسبق. تجري يبنهما مشاعر جاهزة للاشتعال مثل النار في الهشيم اليابس.
لطالما كان الأمر على هذا المنوال . هل اختلط عليها الأمر بين الانجذاب الجسدي والحب؟ وما هو الحب؟
إذا عزلت الرغبة الجسدية فما الذي يبقى؟ صداقة قوية؟ كانت لتجيب نعم, قبل أن يمنعها من تمثيل دورها في الفيلم. لأن الصديق كان سيسر لاجتيازها اختبار الأداء بنجاح.
مع ذلك, رغم أن الصداقة عامل مهم في الزواج, إلا أن الاقتران الشرعي ينطوي على الالتزام و الإخلاص والثقة والصدق. لأنك عندما تحبين, ترغبين بالالتزام, كما يحتاج نجاح هذا الاقتران إلى وجود الصراحة والثقة.
عندما وصل الحديث إلى الصراحة, غيرت الموازين ووقعت عقد عمل من دون معرفته وضد رغبته, ثم واجهته في اللحظة الأخيرة. واستقلت الطائرة وباشرت العمل, وليكن ما يكون.
كانت حينها غاضبة من تصلب موقفه. في الواقع, لم تعط الأمر ما يستحقه ن التفكير. كان جزء منها يكن تقدير لحرمة الزواج. كما أن مشاعرها تجاه مايكل لم تكن محط تساؤل.
ولكنها امرأة شابة مستقلة, تملك شقة, وسيارة, وتمارس مهنتين رائعتين, تحبهما. لقد عاشت مثل الطيور على حريتها, غير مسؤولة إلا عن نفسها.
لماذا تخيلت أن زواجها من مايكل لن يغير هذا الوضع؟.
أنبها صوت في داخلها, كوني صريحة! الحب هو القوة الدافعة الرئيسية في هذا الاقتران . كنت مأخوذة جدا بسحر كل ما في هذا الاقتران بحيث لم تركزي تفكيرك على المستقبل كثيرا.
عيشي ليومك! وهي فعلت, غير أنها كانت أكثر من راغبة في أن يطيح مايكل بصوابها, وغمرتها المتعة لفكرة أن يكون هذا الرجل شريك حياتها, ووثقت بأن الحب سيقهر جميع العقبات.
وفي عالم حاربت فيه النساء من أجل المساواة مع الرجال, كانت ترى أن الجمع بين الزواج والمهنة أمر بديهي. ولم يعترض مايكل على مشاركتها في بعض عروض الأزياء. فلم اعترض على لعبها دورا في الفيلم؟
لقد فعل ذلك! وأثبت بصورة قاطعة أنه لا ينظر إلى الزوجين كشريكين يمارسان مهنتين منفصلتين, ويعيشان حياتين منفصلتين أيضا.
-ألم تحبي هذا النوع من السمك؟
رفعت ساندرين نظرها إليه بسرعة:" أنا لست جائعة كثيرا".
أخذت بشوكتها بعض السلطة, واتبعتها بشيء من السمك ثم احتست رشفة شراب, على أمل أن يفتح ذلك شهيتها.
قال مايكل إنه استطاع الحصول على تذاكر لحضور مسرحية البؤساء. فردت عليه بابتسامة. لقد شاهدت فبلا, فيلمين مختلفين اقتبست قصتهما عن رواية البؤساء.
-هذا عظيم. متى؟
-غدا مساء.
كانت ترغب بمشاهدة فيلم ناجح آخر يعرض حاليا, وأخبرته بذلك, ثم قالت:ط ربما أطلب من أنجلينا مرافقتنا".
توقفت عن الكلام وهي تدرك مدى السعادة التي تستشعر بها أختها غير الشقيقة. وعلى أي حال, يجب أن تعتمد المساواة, وذلك بتوفير دعوة مماثلة لأخيها غير الشقيق:" طبعا. ولكن تحققي أولا من الليلة التي تناسب والدك ووالدتك لدعوتهما إلى العشاء, كضيفين علينا".
فكرت مليا:تداخلات العائلة تتطلب معاملة دقيقة.
كانت الساعة قد بلغت العاشرة مساء عندما غادرا المطعم, وأوقف مايكل سيارة الأجرة في غضون دقائق لنقلهما إلى البيت.
شعرت ساندرين باسترخاء لذيذ وهما يدخلان الشقة, فخلعت حذائها وحملته من رباطه بإصبعها.
-هل تريد قهوة؟
رد مايكل وهو يخلع سترته:" سأحضرها بنفسي. يجب أن أتحقق من ورود بعض المعلومات في الكومبيوتر".
-حسنا سأذهب إلى الفراش و أطالع قليلا.
حاولت أن تكبح شعورا بالخيبة انتابها. كان جزء منها يرغب في أن تستكين بين ذراعيه. لعلها لن تكون نائمة عندما يأوي إلى الفراش, وإن كانت نائمة, فسيوقظها.
غير أنها لم تتمكن من قراءة أكثر من فصل واحد, ثم انزلق الكتاب من بين أصابعها ووقع على الأرض. ولم تأت حراكا عندما اندس مايكل بهدوء إلى جانبها بعد مرور ساعتين.

نهاية الفصل

" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن