9-تحدي اللبؤة

4K 72 0
                                    

كان يوما حافلا, فكرت بذلك وهي تركن السيارة في المرآب. أعادوا تصوير المشهد الأخير مرارا وتكرارا, و بدلا من أن تتمكن من مغادرة موقع التصوير حوالي منتصف النهار, هاهي الآن الساعة السابعة مساء.
كانت متعبة وتعاني من صداع, وتتضور جوعا, وكل ما ترغب فيه هو حمام ساخن في الجاكوزي وموسيقى لتهدئة أعصابها.
حمدت ربها بصوت هامس عندما دخلت الشقة.
فاجأتها مايكل وهو يخطو لمقابلتها:" كنت على وشك ترتيب بعثة إنقاذ".
لاحظ قسماتها الشاحبة, والهالات السوداء حول عينيها, وتهدل كتفيها فتتساءل عما أصابها خلال النهار. وما إن أحاطت يداه بكتفيها وقبل وجنتها بخفة وحنان حتى أطلقت لمشاعرها العنان, ودفنت وجهها في عنقه.
أصر طوني على إعادة اللقطة مرارا, بحيث فقدت القدرة على العد بعد المرة الخامسة عشرة.
كانت رائحته ذكية, وملمسه لطيفا وكان من الممكن أن تستند إليه هكذا العمر كله. رفعت رأسها بعد دقائق وتملصت من بين ذراعيه.
-سوف أنقع نفسي في المغطس.
ماء فاتر وزيوت عطرية وموسيقى ناعمة. أغمضت ساندرين عينيها, فأخذ التشنج يتسرب تدريجيا من عظامها.
لم تشعر بمايكل يدخل غرفة الحمام, ولم تحس بوجوده إلا عندما مسح خدها بأصابعه.
فتحت عينيها بأقصى ما استطاعت وفغرت فمها دهشة.
رفعت يدها لكي تنزع السماعات من أذنيها, فأصر على إبقائهما في مكانهما ووضع يديه على كتفيها, ليدلكهما بلطف خفف من توتر عضلاتها المتشنجة.
تنهدت بارتياح, وسرت في جسدها حرارة لطيفة وأخذت بالاسترخاء. شعرت أن رأسها أصبح خفيفا, وظنت بشيء من التشوش أن السبب هو عدم تناولها أي طعام منذ وجبة الغداء.
لم يكن لدى ساندرين أدنى فكرة عن الوقت الذي أمضته في الماء المنعش. بدا لها أنه لم يكن طويلا.
سألها مايكل, وهو يحملها بين ذراعيه إلى غرفة النوم:" كيف تشعرين؟".
-بالاسترخاء.
أضاء مصباح السرير الجانبي, وأزاح أغطية السرير ووضعها في الفراش, ثم انضم إليها.
كل ما كانت ترغب فيه هو النوم بين ذراعيه, وإراحة رأسها على صدره, واغتراف القوة والراحة من حنانه الذي لا ينضب.
شعرت بيديه تشدانها إليه أكثر فهمست اسمه في شبه احتجاج.
طلب منها بصوت مبحوح:" ما عليك سوى إغماض عينيك واتركي الباقي لي".
وعندما خلدت إلى النوم, احتضنها بشوق, وأرخى شعرها المنسدل المتحرر من كل قيد, نهرا من الحرير على وسادته.
انتظر مايكل ساعة قبل أن ينسل خارج الفراش بحذر. كان يزمع تحضير وجبة العشاء, وتركها نائمة لمدة ساعة لا غير.
كانت مستلقية كما تركها عندما رجع إلى غرفة النوم, فوقف بهدوء عند السرير وأخذ يراقبها بضع دقائق وهي نائمة.
إنها تتمتع بروح متمردة, واستقلالية جديرة بالثناء. هذه الصفات بالذات جعلته ينجذب إليها, مثلما جذبه صدقها الأصيل والطبيعي. لم تستهوها ثروته مثلما استهوت أخريات. كان من النادر أن تحبه امرأة لما هو عليه وليس كوريث لثروة آل لانييه.
هل تدرك كم هي غالية عنده؟ إنها الهواء الذي يتنفسه, الشمس التي تضيء نهاره والقمر الذي ينير ليله.
ولكن الحب وحده لا يكفي, ولم يكن من الغباء ليتخيل بأن عقد الزواج والخاتم كافيان لضمان سعادة تدوم مدى العمر.
تحركت ساندرين وفتحت عينيها لتشاهد الرجل الواقف عند السرير, فابتسمت له ابتسامة رقيقة متمهلة.
احتجت بصوت مبحوح:" ما كان يجب أن تدعني أنام. كم الساعة الآن؟".
-حوالي الساعة العاشرة. هل أنت جائعة؟
أجابت على الفور, من دون أدنى تفكير:" أتضور جوعا".
-لقد حضرت طعام العشاء.
اتسعت عيناها من الدهشة, وسألته:" هل قمت بذلك فعلا؟".
استوت جالسة على السرير, ثم ضحكت معلقة على ابتسامته الخبيثة:" أعطني خمس دقائق".
استغرق استعدادها سبع دقائق, وتأملت ساندرين المائدة بتلذذ وهي تجلس إليها.
-يالسعادتي, لديك موهبة خفية.
استفهم مايكل هازئا:" تقوليها بصفة المفرد؟".
هتفت استحسانا وهي تحتسي جرعة من العصير وتتلذذ بمذاقه:
-بصيغة الجمع, حتما بصيغة الجمع.
التهمت ساندين الطعام بمتعة وتلذذ, ولم تترك لقمة في صحنها. راقبت مايكل وهو يتوجه إلى جهاز الستريو ويضع فيه قرصا مدمجا, ثم يعود إليها وينهضها عن الكرسي.
استفهمت منه بضحكة خافتة فيما كان يقودها إلى وسط الغرفة ويقربها منه:" ما الذي تفعله؟".
كانت موسيقى الأغنية التي يغنيها مطرب شعبي جميل الصوت, بطيئة وكلماتها مثيرة للأحزان.
هذا رائع, رائع جدا, وتنفست ببطء فيما كان يحضنها. داعب ظهرها بأنامله نزولا على طول العمود الفقري, فيما كانت تشبك ذراعيها حول عنقه.
أدناها منه أكثر, فمالت برأسها إلى الخلف وتركته يعانقها عناقا بطيئا وحلوا, لم ترغب البتة في أن ينقطع.
شهقت ساندرين بصمت عندما رفعها بين ذراعيه, ثم حملها إلى غرفة النوم.
******
-تحركي يا عزيزتي. أقرب قليلا, الآن, ابتسمي!
إذا تلفظ المصور مرة أخرى بكلمة ابتسمي فسوف تبدأ بالصراخ!
###### 
كانت تلك نهاية يوم طويل جدا, مليء بالمقابلات الصحفية من التاسعة إلى الحادية عشر صباحا. وتلا ذلك تصوير لقطات الأزياء للنسخة الأسترالية من مجلة أزياء شهيرة, كما حضرت بعد ذلك حفلا خيريا أقيم في فندق ميراج شيراتون, وتخلله عرض أزياء مختصر.
ستقام الليلة حفلة رسمية لإطلاق حملة الدعاية للفيلم, يحضرها رجال المجتمع والمال والشخصيات الرسمية, الذين دفعوا بسخاء كي يلتقوا ويختلطوا مع المنتج والمخرج والممثلين.
كان كل ذلك جزءا من إستراتيجية التسويق التي تهدف إلى أن تترك حملة الدعاية وقعا و أصداء. أجرى كل من غريغور و كايت مقابلات صحفية في فندقهما, كما ستظهر إعلانات في التلفزيون وصالات السينما.
لم يكن لساندرين مرتبة النجوم, ولكنها جذبت الأنظار, لموهبتها في التمثيل وعرض الأزياء. وزواجها من مايكل لانييه, كفل لها تغطية صحفية كاملة.
تمتمت كايت بشيء من السخرية:" تظاهري يا عزيزتي, من المفترض أن تكوني ممثلة, مثلي إذن!".
ردت عليها بلطف:" مثلما تفعلين... يا عزيزتي؟".
أسر غريغور لساندرين همسا:" إنها حقا فقاعة مضحكة يائسة, لكنها مميتة".
ردت كايت بامتعاض:" أستطيع الفوز بأي رجل أرغب به".
عارضها غريغور قائلا:" كلا, معظمهم يا عزيزتي. وليس جميعهم".
-اذهب واشرب البحر.
-أنا لا أقوم بأعمال مستحيلة علميا.
-يمكنك أن تجرب.
نادى المصور وهو يشير بيده نحو المرفأ السياحي وأحد اليخوت الفاخرة بصورة خاصة:
-سوف ننتقل إلى هناك.
كم من الوقت سيستغرق التصوير قبل أن تتمكن من الانسحاب؟ من المؤكد أنهم لا يحتاجون إليها مدة طويلة؟
-حسنا يا ساندرين, بإمكانك الذهاب. كايت, غريغور, أريد التقاط بضع صور داخلية لكما.
شكرا للسماء! تكاد ترتكب جريمة قتل من أجل الحصول على شراب مثلج مريح لتهدئة أعصابها المشدودة.
قالت كايت بتهكم:" ما أسعدك, لقد تخلصت من الأغلال؟".
للوقت الحاضر. نزلت من اليخت وخرجت بسرعة من المرفأ.
قطعت جسر المشاة وتوجهت إلى جناحهما.
وجدت مايكل يجلس إلى طاولة مكتب صغيرة, وقد طوى أكمام قميصه, وحملق في شاشة جهاز الكومبيوتر. التفت إليها ثم رفع حاجبه, حين اتجهت مباشرة إلى الثلاجة وأخرجت منها زجاجة عصير.
سألها وهو ينهض على قدميه ويدنو منها:
-أكان يومك عصيبا إلى هذا الحد؟
فتحت زجاجة العصير وصبت محتوياتها في كوب ثم احتست جرعة كبيرة:" أوه. نعم . والليلة ستكون أسوأ".
شعرت بيديه فوق كتفيها وتنهدت عندما أخذ يدلك العضلات المشدودة ببراعة.
-ذكرني أننا سنغادر غدا بالطائرة.
صحح وهو يقبل صدغها بنعومة:" سنمضي يومين في سيدني, ثم نعود إلى بيتنا".
لكلمة البيت رنة جميلة. وارتسمت في ذهنها صورة شقتهما في نيويورك المطلة على حديقة سنترال بارك, وتنهدت ثانية وهي تشعر أن بعضا من توترها قد زال.
-لدي بعض الأمور التي يجب أن أنهيها هناك. سيستغرق ذلك أسبوعا, أو أكثر بقليل, وبعد ذلك سنمضي بعض الوقت في باريس.
قالت ساندرين بحماس:" أظن أني واقعة في حبك".
-تظنين فقط يا حبيبتي؟
فتحت فمها لكي تحتج ثم أغلقته ثانية وقالت:" كنت متصنعة".
-إذن يستطيع المرء أن يأمل.
استدارت ببطء لتواجهه ورأت وميض التهكم الظاهر في عينيه الداكنتين, فحاولت أن تضرب صدره بقبضتها. وفي اللحظة التالية, صرخت وهو ينتزع الكأس من بين أصابعها ويحملها على كتفه.
-ما الذي تفعله؟
اتجه نحو الحمام, فسألته:" مايكل؟".
-سوف تأخذين حماما.
لمحت المشاعر الجامحة الظاهرة في عينيه, فهزت رأسها قائلة:" ليس لدي الوقت لذلك".
-بلى, لديك الوقت.
تساقطت المياه على رأسها وسمعت ضحكته المبحوحة وهي تلعنه, ثم توقفت عن الحراك واستمتعت بالحمام.
شعرت بالراحة, فيما الحرارة تدب في جسدها, وتأوهت بصوت مرتفع عندما استرخت أعصابها كليا.
نظرت ساندرين إليه بارتياب خبيث بعد أن خرجت من الحمام وقالت بصيغة الجزم وليس السؤال:
-لقد خططت لذلك.
-مذنب.
سحبت مجفف الشعر من خزانة الحائط وقالت:" سوف نتأخر".
-كلا, لن نتأخر.
أقرت ساندرين عندما دخلا البهو السفلي الكبير, أن التأخر خمس دقائق ليس مهما.
بدا مايكل مهيبا في بذلة السهرة وشعرت ساندرين بالاطمئنان على مظهرها وهي ترتدي فستان السهرة الحريري, العاجي اللون, وحذاء السهرة المناسب.
كانت أبواب قاعة الاحتفالات مفتوحة على مصراعيها. ولاحظت ساندرين الحضور الكثيف لنجوم مجتمع منطقة الغولد كوست, وحشدا من النساء أللوائي جئن بكامل زينتهن وقد ارتدين فساتين السهرة الأنيقة ووضعن المجوهرات الثمينة. كما لاحظت أن جميع الرجال, من دون استثناء, يرتدون بذلات سهرة سوداء أنيقة.
لمحت ساندرين ستيفاني التي تبادلت معها الابتسام وانضمت إليهما في ثوان قليلة:
-وزعت أماكن الجلوس مسبقا, ووضعتكما مع كايت ليندن و غريغور أندروز و رئيسة هيئة التبرعات مع زوجها وأنا. ووضعت المحافظ وزوجته مع طوني على الطاولة المجاورة لطاولتنا. وسيجلس على الطاولتين الأخريين رؤساء أقسام الاستديو وعدد من ممثلي فريق التسويق.
رأت ساندرين ملامح ستيفاني تتصلب قليلا, وعرفت السبب بسرعة, عندما انضم راؤول إليهم.
استطردت ستيفاني متجاهلة راؤول بعد أن ابتسمت له ابتسامة مجاملة:
-كان المصور سعيدا بكل شيء اليوم. سنأخذ, طبعا, المزيد من اللقطات الليلة. على أي حال, سنحاول أن نتجنب التطفل الزائد عن الحد. والآن, أرجو أن تعذروني؟
علق مايكل على موقف شقيقه:" يظهر أن لديك تأثير سيئا على هذه المرأة الشابة".
رد راؤول باعتداد:" أرضى بالتأثير السيئ عوضا عن عدم التأثير إطلاقا".
استدارت ساندرين نحو راؤول ومازحته قائلة:" يعجبك الأمر هكذا؟".
-إنها لا تريد التحدث معي وتتجنب الرد على اتصالاتي الهاتفية. 
تظاهرت بالتفكير الملي وقالت:" يخيل لي أنك تدبرت لقاءات عدة مع إدراة التسويق؟".
وأضافت عندما لمحت وميضا في عينيه:" في غياب مايكل, وفي سبيل انجاز العمل... بالطبع".
انطوت ابتسامته على تحسر ما.
-بالطبع!
-امرأة شابة أخرى من الصنف النادر الذي لا يتأثر بثروة عائلة لانييه أو منزلتها الاجتماعية.
-أعتقد أننا يجب أن ندخل ونجلس في مقاعدنا.
أشار مايكل متسائلا:" من البديهي, أنك تدبرت أمر الجلوس إلى مائدتنا".
رد راؤول إيجابا بالفرنسية وكتمت ساندرين ضحكة, فيما كان عضو اللجنة المنظمة يدقق في بطاقات الدعوة ويشير إلى مقاعدهم.
لم يجدوا أثرا لكايت و غريغور, وأبعدت ساندرين عن بالها فكرة أن كايت تهدف إلى دخول مسرحي.
لم تكن ساندرين مخطئة في ظنها. فحالما تراقصت الأضواء معلنة وشك البدء بمراسم الحفل والتشريفات, اجتاحتها كايت قاعة الاحتفال مع غريغور, والمصور في أذيالهما.
خطت الممثلة نحوهم بثوبها العاري الظهر, وقد التصق بجسمها التصاقا, توقف هنا وهناك من أجل الكاميرا المسلطة عليها.
-أرجو ألا نكون قد تأخرنا؟
كان هنالك تفاوت بين ابتسامتها الجميلة الدافئة وصوتها المقطوع الأنفاس الذي يشبه صوت طفلة صغيرة.
أدركت ساندرين بامتعاض أن كايت, الممثلة, تؤدي دورا أمام جمهور الحاضرين. واختارت كايت الجلوس, من بين المقاعد الخالية, على مقعد بين مايكل وراؤول.
حافظت ساندرين على ابتسامتها بصعوبة, واحتست جرعة من شرابها المثلج.
احتلت ستيفاني مقعدها لثوان قبل أن يصعد مدير الحفل المسرح ويقف وراء الميكروفون.
كانت ساندرين مولعة بالرجل الجالس إلى جوارها, وقد بدا محط الأنظار بسبب ما يمثله من قوة جسدية.
استفهمت كايت وهي تحاول أن يبدو طلبها عاديا:" أتمانعين يا عزيزتي إذا أخذت بعض الصور مع مايكل؟".
تأملت ساندرين بسخرية: النجمة والرجل الذي أنقذ الفيلم من كارثة مالية محققة, وشعرت أنها مثل لبؤة غيورة.
تدخلت ستيفاني قائلة بترفع مهين:" لقد أعطى السيد لانييه أوامر بألا تلتقط له أي صور من دون أن تشمل زوجته أيضا".
اقترح راؤول بنبرة مطاطية:" ربما صورة جماعية؟ تشمل مديرة التسويق؟".
ألقت ستيفاني عليه نظرة حادة وقالت:" لا أعتقد أن ذلك ضروري".
جادلها راؤول بلطف:
-ولكن أظن أنه أمر ضروري, فالتسويق هو جزء أساسي في أي إنتاج سينمائي, أليس كذلك؟
حذار! نبهته ساندرين بصمت. إن ستيفاني نبتة حديدية وليست زهرة هشة, ولن يتحقق شيئا من محاولة إيقاعها في الشرك.
وافقته ستيفاني:" التسويق بأكمله".
فكرت ساندرين مليا بأن التفاعل بينهما قابل للانفجار. راؤول رجل لجوج لا تلين عزيمته, فيما لم يبدر عن ستيفاني أي إشارة غير الرغبة في تجنبه بأي ثمن. من سيربح المعركة؟
مد مايكل يده وشبك أصابعه بأصابع ساندرين, فاستدارت نحوه والتقطت العاطفة الجياشة الظاهرة في نظراته المبطنة.
قالت له بصوت هامس:" أراهن بكل مالي على راؤول".
وافقها مايكل:" فعلا, رغم شكي بأنه لم يحقق انتصاره بسهولة".
بدأ إبهامه بمداعبة عروقها الحساسة, فاختل توازنها الداخلي. وهذا ما تعمد أن يفعله.
هتفت ساندرين:" أنا بحاجة لإصلاح زينتي".
ابتسم مايكل متفهما, مدركا تأثيره عليها والسبب الكامن الذي دعاها إلى هروب مؤقت.
-تبدين جميلة, كما أنت تماما.
ردت عليه بابتسامة خبيثة, وهي تدرك أنها تكذب:"لن يوصلك المديح إلى أي مكان".
كانت سريعة التأثر بكل شيء فيه. صوته, واللغة الفرنسية الناعمة التي يرطن بها كثيرا, وحركات جسمه الانسيابية, وطريقته في الابتسام, وهذه التقاطيع المنحوتة التي ترق حينما ينظر إليها.
ظنت أن الاستقلالية مهمة, ولكن لا شيء في حياتها يفوق حبها لمايكل أهمية. لقد كان على صواب منذ البداية. لماذا تختار البعد عنه إلا إذا جعلت الظروف من وجودهما معا شيئا مستحيلا؟
لقد اشتاقت له ولملامساته طوال تلك الليالي التي أمضتها وحيدة في سريرها الخالي. لقد تمتعت بالدور الذي لعبته في الفيلم, ولكن ذلك الاكتفاء لم يكن ليعوض بعدها عن زوجها.
دفعت ساندرين باب الحمام, لإعادة ترتيب زينتها وتجديد نشاطها. وفيما كانت على وشك الخروج, دخلت كايت الغرفة.
رفعت حاجبها في إيماءة تقدير وارتسمت على فمها ابتسامة غاضبة:" أنا مندهشة حقا يا عزيزتي لاستطاعتك تحمل ترك مايكل وحيدا".
شعرت ساندرين بالغثيان من الألاعيب التي تقوم بها هذه الممثلة:" أنت تعتبرين إغواء زوج امرأة أخرى, نوعا من التحدي, أليس كذلك يا كايت؟".
رفعت يدها وأجابت:" للفاكهة المحرمة يا عزيزتي مذاق أحلى من أي شيء مبتذل وموفور. وأجد محاولة انتزاع الفاكهة عن الشجرة أمرا ممتعا على الدوام".
ونظرت إلى ساندرين بإغراء, قبل أن تضيف:" ... للعلم والخبر".
لقد طفح الكيل عند ساندرين, فأعادت وضع البودرة وأحمر الشفاه في حقيبتها ثم أغلقتها قالت:" إذا نجحت بإغواء مايكل, بإمكانك أن تأخذيه".
اتجهت إلى الباب وتوقفت لحظة على صوت كايت:
-ألن تتمنى لي حظا سعيدا؟
ردت عليها بصورة غير مهذبة وهي تخطو بسرعة نحو قاعة الاحتفال:" سأتمنى لك الجحيم".
ضمها ضجيج الأصوات لحظة عودتها إلى قاعة الاحتفال, وأجبرت نفسها على السير ببطء فوق الأرضية المغطاة بالسجاد.
كانت مديرة اللجنة وزوجها غائبين عن المائدة, وكذلك ستيفاني و غريغور. ولم يكن جالسا إلى المائدة غير مايكل وراؤول, اللذين وجدتهما غارقين في الحديث.
ألقى مايكل نظرة سريعة عليها ولاحظ التوتر الخفيف البادي على وجهها, وحدد سبب ذلك بدقة.
-كايت؟
استطاعت أن تبتسم ابتسامة فيها امتعاض:" لقد أوضحت لي أنك هدفها".
-حقا.
بدا سعيدا بذلك. اللعنة عليه.
-إذا اخترت أن تلعب لعبتها, فمبروك لك.
أخذ يدها ورفعها إلى شفتيه:" هل لك أن تخبريني لماذا قد أفعل ذلك يا حبيبتي؟ أنت تعرفين أن كل ما أبتغيه هو أنت".
-ربما يجب أن تخبر كايت بذلك.
طبع قبلة على عروق رسغها الناعمة, فوجدت ساندرين صعوبة في السيطرة على الرعشة التي كادت تقصم ظهرها.
كانت تشعر بأنها تغرق ببطء كلما نظرت إلى عينيه, فالدفء الظاهر في نظراته يحول عظامها إلى هلام. كان عليها أن تسيطر على نفسها وإلا ستتجاوب معه وتسيء التصرف أمام الحضور.
رأت الوميض في عينيه الداكنتين إذ أدرك أنها تتجاوب معه في داخلها. أرخت أهدابها وحاولت يدها أن تتملص منه دون جدوى, لأنه ببساطة نقل يدها ووضعها على ساقه.
كانت حركة على نفس الدرجة من الخطورة, فانغرزت أظافرها في العضلات الصلبة في تحذير صامت.
أعلمها مايكل:" لقد دعينا إلى حفلة في ملهى الفندق الليلي. وسيحضر جميع العاملين في الفيلم والتسويق".
كادت تتأوه بصوت مرتفع وقالت متوسلة:" أخبرتني أننا سنسافر في الصباح الباكر".
ضحك بصوت مبحوح:" الساعة الحادية عشرة والنصف".
حذرته:" الإفطار قبل الساعة التاسعة صباحا, أمر غير وارد".
-أتخططين لقضاء الوقت في النوم يا حبيبتي؟
لوت فمها فلكلمة النوم معان كثيرة.
قام المصور بالتقاط الكثير من الصور لهم, وناور راؤول بذكاء ليكون إلى جانب ستيفاني. فيما دست كايت نفسها بين راؤول ومايكل . أما غريغور فوقف إلى جانب ستيفاني.
بدأ ينفرط عقد الحفل عند الساعة الحادية عشرة. وبعد نصف ساعة توجهوا في مجموعات صغيرة إلى النادي الليلي.
دعاها غريغور:
-هيا نحتفل يا عزيزتي.
سألته كايت بتكشيرة مصطنعة:" لماذا لا تراقص ساندرين؟ أنا أريد أن ألعب مع الكبار".
حذرها غريغور:" لكل منهما امرأته. لا تفعلي ذلك يا حلوتي".
-توقف عن إفساد متعتي.
تحول راؤول نحو ستيفاني وأشار إلى جمهرة الراقصين:" أتريدين اللهو والانضمام إلى هذا الهرج؟".
-معك؟
-طبعا معي.
-أنا حقا لا أميل إلى الرقص.
وضعت كايت يدها على ذراع مايكل واستعملت أظافرها لتضغط عليها قليلا وهي تميل رأسها وتبتسم بإغراء:
-لا أعتقد أن ساندرين ستمانع إن أخذتك بعيدا عنها.
ثم التفتت إلى ساندرين وهي تتحداها علنا على الاعتراض:" هل ستمانعين يا عزيزتي؟".
وضع مايكل يده فوق يد كايت وأزاحها عن ذراعه. كانت تعابيره مهذبه ولكن بدت في نظراته صلابة لا تلين:" للأسف, أنا من يمانع".
لم يرف جفن لكايت.
-بما أن الفيلم أصبح جاهزا للعرض, أظن أن الهدف من الاحتفال أن يسترخي كل منا قليلا.
رد مايكل متهكما:" فسري كلمة يسترخي".
لاحظت ساندرين التشديد في نبرة صوته وكادت تشعر بالأسف على كايت.
لمحت الممثلة بدلع متعمد:" هنالك الحفلة التي تلي الحفلة. وهي حفلة خاصة جدا, إذا كنت تدرك ما أعني".
هل تدرك كم يبدو تصرفها مبتذلا, وكم هو حقير وقبيح؟ هنالك مبالغة في التشديد على الأمور المادية, أصابت معدة ساندرين بالتشنج وجعلتها تشعر بشيء من الحزن حيال كايت.
-كلا.
ردت كايت بملء فمها:" كلا؟".
إن بقيت دقيقة أخرى فسوف تقدم على أمر تندم عليه:" أرجوكم أن تعذروني دقائق؟".
سألتها ستيفاني:" هل تمانعين في ذهابي معك؟".
استغرق شق طريقهما عبر زحمة الساهرين في النادي الليلي, والوصول إلى الحمام بضع دقائق.
علقت ستيفاني وهي تتفحص أظافرها:" عشر دقائق, خمس عشرة دقيقة على الأكثر, وسأغادر هذا المكان. لقد أنجزت التزاماتي العملية والاجتماعية".
ثم أضافت:" جاءت النتيجة جيدة, والحملة الإعلانية تشد انتباه الجمهور".
تحرك الصف وتقدما معه خطوات قليلة.
-لقد علمت أنك ذاهبة إلى سيدني غدا.
أومأت ساندرين برأسها:" لبضعة أيام فقط, ثم نعود إلى البيت".
تمتمت ستيفاني:" نيويورك, لقد زرتها مرة. إنها مدينة ذات إيقاع سريع, وهوية دولية غالبا".
-لهذه المدينة إيقاع خاص بها.
-مميز.
-مثل رجال عائلة لانييه.
أعلنت ستيفاني بنبرة جافة:" واحد منهم, بشكل خاص".
ابتسمت ساندرين لها بخبث. وسألتها وهي تلاحظ تقطيبه وجهها:" ملحاح, أليس كذلك؟".
-شيء من هذا القبيل.
-بالطبع, أنت لا تحبينه.
-يجعلني أشعر بالارتباك.
-الارتباك جيد.
عارضتها ستيفاني:" كلا. إنه مثل وجع الضرس".
انطلقت ساندرين بالقهقهة وقالت:" حظا سعيدا".
-لراؤول كي يحظى بي؟ أم لي لأتمكن من الفرار سالمة؟
ردت ساندرين بخبث:" سأقامر وآخذ الاحتمال الأول".
-ولا في حياته.
أحست بحتمية في هذه الجملة الصغيرة, وتساءلت ما أو بالأحرى من الذي قضى على ثقة ستيفاني بالرجال.
صعقهما صوت الموسيقى عندما عادتا إلى النادي الليلي, وانضمت ستيفاني إلى المجموعة التي تمثل فريق التسويق, فيما اتجهت ساندرين إلى حيث مايكل.
حالما دنت من مائدتها, لفت كايت ذراعها حول عنقه وقبلته. عرفت أنه تصرف متعمد ومقصود, ولكنه أغضبها بصورة تفوق الوصف.
أظهر مايكل وقارا وهو يفصل ما بينه وبينها, بينما حولت كايت نظرها إلى ساندرين وعلى وجهها ابتسامة براقة.
-لقد قلت إنني أستطيع الحصول عليه, يا عزيزتي.
تدبرت أن ترد عليها بالنبرة ذاتها:" من حيث أقف, لا يبدو لي وكأنه يرغب بك".
-كلبه.
-أستطيع نعتك بالمثل.
أمسك مايكل يد ساندرين وشبك أصابعها بأصابعه وهو يضغط بلطف محذرا, غير أن ساندرين تجاهلت ذلك.
اقترح باستياء:" يستحسن أن نغادر هذا المكان".
ولكنه كظم غيظه عندما رمقته ساندرين بابتسامة ماكرة.
رفعت يدها ومسحت شفتيه بقبضتها:" لماذا؟ أنا أستمتع بوقتي هيا راقصني".
ضاقت عيناه واكتست وميضا شريرا وهو يقودها إلى حلبة الرقص, وهمس في أذنها:
-أنت فتاة متحررة.
ردت بسخرية خفيفة:" المواجهة أفضل بكثير من التراجع".
فغرت فمها قليلا وهو يشدها إليه ويضمها بين ذراعيه.
رد متشدقا وقد أخذ يتمتع بالطريقة التي تسارعت بها ضربات قلبها, والبحة التي اكتنفت صوتها:
-أتظنين ذلك؟
خف إيقاع الموسيقى وهما مندمجان معا لدقائق طويلة.
برضى متبادل أخذا يدوران على رؤساء الأقسام, إلى أن وصلا في النهاية إلى راؤول.
قالت له مودعة, وهو يلثم خدها:" نوما هنيئا".
دخلا بعد دقائق قليلة جناحهما. كان يوما طويلا, إلا أنها شعرت بشيء من الرضى بعد انتهاء كل شيء.
اتجهت نحو الحمام وأزالت ماكياجها ثم ارتدت ثوب نوم حريري وعادت إلى غرفة النوم واندست في الفراش.
انضم إليها مايكل بعد دقائق عدة, وأطفأ المصباح الجانبي, ثم احتضنها.
كان الالتصاق به والشعور بضربات قلبه المطمئنة تحت خدها, نعمة من الجنة. عانقها بصدق... عناق دافئ و قصير.
أسند ذقنه على قمة رأسها, فاكتفت بإغماض عينيها وخلدت إلى النوم في غضون ثوان.

نهاية الفصل

" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن