بدت سيدني مدينة مألوفة, وكذلك شقتهما الواقعة في منطقة "دويل باي" . كان هناك أمور تريد القيام بها, بضعة أعمال من الضروري إنجازها, كما رغبت بقضاء بعض الوقت مع والدها.
رن هاتف مايكل الخلوي حالما بدأت ساندرين تفك بعض الأمتعة التي سيحتاجها خلال اليومين التاليين, وخبا صوته إلى نبرة خافتة عندما انتقل إلى الصالون.
عاد إلى غرفة النوم بعد دقائق وبدأ يفك أمتعته:" رتب لنا راؤول اجتماعا مع شركة أينريك, غدا بعد الظهر".
صفقة جديدة باشرها راؤول الذي وصل إلى سيدني البارحة. وإذا نجحت, فستقضي إلى تأسيس فرع لشركة لانييه في أستراليا.
-سأتصل بـ لوكاس لكي يلاقيني على الغداء, إن لم يكن مرتبطا.
ناولها مايكل جهاز الهاتف:" افعلي ذلك الآن. سوف نلتقي راؤول لتناول طعام العشاء, وقد نتأخر في العودة".
طلبت الرقم, وشعرت بسرور لتلقيه المكالمة بنفسه, ثم اتفقا على مكان وزمان اللقاء.
قالت ساندرين بارتياح:" لقد تم الأمر".
لم يكن أمامها غير 20 دقيقة لتغيير ملابسها و إصلاح زينتها, وتمكنت من القيام بذلك أقل.
ارتدت سروال سهرة من اللون الأحمر القاتم, وسترة من الحرير الأسود, فأضفت بهاء على بشرتها وشعرها اللامع الذي تركته منسدلا على كتفيها.
نزل راؤول في فندق ريتز كارلتون الذي يقع على جادة دويل باي , والتقيا في المقهى الملحق لتناول الشراب قبل انتقالهم إلى المطعم.
ألقت ساندرين نظرات عرضية على ما حولها في الغرفة وهي تحتسي, فيما ناقش مايكل راؤول الخطة التي سيعتمدانها أثناء الاجتماع الذي سيعقد في الغد, وتناولا التفاصيل الدقيقة وهم يلتهمان المقبلات.
استرعى أمر ما انتباه ساندرين, فيما كانوا يتناولون الطبق الرئيسي. بهرتها آلات التصوير, ولمحت بعدها شكلا مألوفا ترافق مع ضحكة رنانة, تمنت ألا تسمعها أبدا, مرة ثانية.
فكرت للحظة... أملت أن تكون مخطئة. ولكن لا, هاهي, بدخولها الملفت للأنظار. كايت ليندن, هذا لا يصدق! كانت تعرف أن كايت و غريغور سيسافران هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة, ولكن من بين كل الفنادق في سيدني, هل اختارت هذا الفندق مصادفة... أم أنها قامت ببعض التحريات الدقيقة؟
أقرت ساندرين بصمت مرير وهي تنظر إلى أداء كايت, أنه أداء رائع, غير أنه لم يخدعها البتة, كما لم يخدع مايكل أو راؤول بينما كانت تدنو من مائدتهما.
حيتهم كايت بحماسة و ابتهاج:
-يا للسماء, من كان يظن أننا سنلتقي مجددا, وهنا, من دون كل الأمكنة الأخرى.
رمت نفسها على الكرسي الذي سحبه لها المسئول عن المطعم, ثم لوحت بيدها للنادل في حركة أنيقة:
-ألا تمانعون انضمامي إليكم؟
طلبت من النادل وهو يقدم لها لائحة الطعام و بعد أن تفحصتها بسرعة وأعادتها له, أن يجلب لها زجاجة أخرى من الشراب و أضافت:
-لن آكل كثيرا, أجلب لي سلطة القيصر.
سألها راؤول:" هل أنت بمفردك؟".
وراقبتها ساندرين وهي تزن في رأسها أيا من الأخوين لانييه ستغوي.
حذرتها في صمت:" تجرأي وحاولي مع مايكل, وسوف أقتلع عينيك من محجريهما.
قال كايت وهي تستعمل دلعها المعهود زيادة عن اللزوم:" لقد هجرني غريغور... المنافق. كان يمكنني طلب الطعام إلى غرفتي ولكني لم أرغب بالبقاء وحيدة".
أدركت ساندرين أن كايت تستثمر الدعاية الواسعة وترتع في ملذات الشهرة.
-إذن, ما الذي نحتفل به؟
رد مايكل ببلادة مقصودة وهو يمسك يد ساندرين و يرفعها إلى شفتيه:" الحياة... و الحب".
قبل أطراف أصابعها, ثم طوى يدها داخل يده.
يا الله! هذا تصرف لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا. كما أن هذا الوميض العاطفي الظاهر في عينيه نجح في تذويب عظامها.
قالت كيت بتهكم مستتر:" هذا تغير كبير منذ دخول مايكل على الخط لأول مرة, منذ شهر. كان باستطاعتي, في شقة طوني حينها, أن أقسم بأنكما عدوان و لستما زوجين".
ردت ساندرين:" إذا لم يمر الأزواج بخلافات بين حين و آخر, يصبح الزواج مملا".
-حقا؟
تدخل راؤول:ط هل يريد أحد القهوة؟ يجب أن أقوم ببعض الاتصالات الهاتفية.
-وأنا مثله, يجب أن أرى ما وردني من رسائل على الانترنت.
نجح مايكل في جذب انتباه مدير الاستقبال ثم تحول نحو كايت:" يمكنك أن تبقي في كل الأحوال وتنهي شرابك".
لم يتمكنا من الذهاب بسهولة, فقد راح المصور يتعقبهما في كل مكان, ويلتقط لهما العديد من الصور. وإذا لم تكن ساندرين مخطئة, فإنها لحساب واحدة, أو أكثر من الصحف المحلية.
كان مايكل يصب اللعنات في سره. وعندما وقع على الحساب, وقف على قدميه, وأعاد محفظته إلى جيبه.
قال كايت مودعة:" سفرا ميمونا, يا عزيزتي".
-شكرا.
طوق مايكل بذراعه خصر ساندرين, فيما كان راؤول يشيعهما إلى المدخل الرئيسي, منتظرا صعودهما إلى سيارة الأجرة.
علقت ساندرين, بينما كانت السيارة تندس في حركة المرور بسرعة:" إنها صدفة أليس كذلك؟".
أجاب مايكل باقتضاب:ط قطعا, إنه أمر مبهم".
عرضت عليه ساندرين بعد خمس دقائق:" قهوة؟".
وأضافت:" نحن لم نتناول شيئا, أما إذا أردت أن تجري بعض الاتصالات...".
-الشيء الوحيد الذي أريد أن أفعله, هو أنت.
ارتسمت ابتسامة عريضة على فمها, فيما كانت عيناها تلمعان, وهي توجه إليه الكلام:
-لست واثقة من أنني أحب أن أعد شيئا.
ثنى إصبعه مومئا إليها:" تعالي هنا".
وكتمت ضحكة رنانة, تحولت إلى صوت هامس بهيج:" عليك أن تجد سببا أفضل للمباشرة بعروضك".
-أوه. لا أعتقد أن لديك سببا للاعتراض.
وألقت بنفسها بين ذراعيه, وشعرت بهما تضمانها بشدة.
-حقا؟
-حقا.
قال لها مقلدا إياها بعذوبة, ومضى بعناقها بشغف جعلها تتقد هياما.
وانتهيا إلى غرفة النوم..
وقفت سيارة الأجرة خارج كارلتون – ريتز وفيما كان مايكل يدفع أجرة السائق, كانت ساندرين تخرج من السيارة.
دخلا سوية الردهة الرئيسية, وتناولا القهوة بصحبة راؤول, ثم هبت ساندرين على قدميها, وطبعت قبلة سريعة على وجنة مايكل.
-الساعة الثالثة؟
فأجاب مايكل, وهو يحني رأسه, وعلى شفتيه ابتسامة غمرت روحها بالدفء:" تمتعي بوقتك".
قالت, وقد تكور فمها بخبث:" آمل ذلك".
أرادت أن تشتري هدية مميزة لجدته, وأن تعرج بعد ذلك لمقابلة والدها.
وجدت وشاحا حريريا, ملائما جدا لتشتريه. وعندما انتهت من ذلك, دخلت المطعم الذي اقترحه لوكاس. ولم تكد تجلس, حتى قاده النادل إلى طاولتهما.
تأملها من فوق إطار نظارتيه, وسألها:" لديك موضوع تريدين مناقشته معي؟".
-شانتال.
وضع لوكاس يده على يدها, وقال بسخرية:" أمك لن تتغير. إنها شانتال".
ثم أضاف:" لديك مايكل, إنه كنز, يجب أن تحبيه وتحسني معاملته".
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية حينما غادرا المطعم. عانقت ساندرين والدها عناقا متوترا ساعة الوداع.
شعرت بحاجتها إلى الاتصال بالأصدقاء, فتمشت باتجاه الفندق. وألقت بنفسها على أريكة, وطلبت قهوة, ثم بادرت باستخدام هاتفها النقال.
كان قد مر عليها وقت غير يسير. ولكنها لم تشعر بذلك حتى رمقت ساعتها, بعد انتهاء آخر مكالماتها, فأدركت أنها تجاوزت الثالثة.
أين مايكل؟ دققت ساندرين في ساعتها للمرة الثالثة خلال ربع ساعة. لم يعتد التأخير.
-هل أستطيع أن أقدم لك شيئا سيدتي؟
ابتسمت ساندرين للنادل ابتسامة صغيرة, وهزت رأسها:" شكرا".
بدأ العبوس يغضن جبهتها. إنها لم تخطئ مكان الاجتماع قطعا, فقد أوصلها مايكل قبل ثلاث ساعات.
لعله علق هناك. نعم, لعل الاجتماع قد مدد لوقت إضافي.
وبدأ العبوس يشتد. إذا كان ذلك صحيحا, فلماذا لم يتصل بها؟ وبسرعة أخرجت هاتفها الخلوي من حقيبتها, لتتأكد من وجود رسالة محتملة. لكنها لم تجد شيئا البتة.
لا بأس, ستحاول هي الاتصال به. بضع كلمات مطمئنة, هي كل ما تحتاجه. وبدون مزيد من التردد, ضغطت الأرقام وانتظرت. لم يكن هناك سوى جهاز تسجيل, فتركت له رسالة, وأرجعت الهاتف إلى الحقيبة.
راؤول! ربما بإمكانها الاتصال براؤول. لكن رقمه ليس مدونا في ذاكرة هاتفها.
إن لغداء العمل صيتا سيئا, بسبب ما يأخذه من وقت. وفي أي دقيقة سيصل مايكل, ويعتذر و يشرح لها سبب التأخير إلا إذا لم يكن باستطاعته ذلك. شعرت وكأنما تلقت ضربة محبطة على قلبها. كانت هناك سيناريوهات متعددة تمر في مخيلتها. فتختبر, وتستبعد الواحد بعد الآخر!
وفجأة, قطع صوت الهاتف مخاوفها المتزايدة, فأخرجته من حقيبتها, وأجابت بلهفة:
-راؤول, ساندرين.
-مايكل.
أكد راؤول لها:" إنه بخير. تعرض لحادث سيارة بسيط, وقد أصر رجال الشرطة على إخضاع الجميع للفحص الطبي".
-يا إلهي. وأين؟
ذكر لها اسم مستشفى خاص.
-خذي سيارة أجرة, وسأكون في الانتظار.
ولكن القشعريرة اجتاحت عظامها, وهي تقول:" أنا في طريقي الآن".
كانت الدقائق التي أعقبت الاتصال, الأطول في حياتها. كلما تخيلت ما يمكن أن يخفيه عنها راؤول.
-إنه بخير, إنه بخير.
كررت ذلك في سرها مرات عديدة, فيما كانت سيارة الأجرة تناضل في حركة المرور الخانقة.
ماذا لو لم يخبرها راؤول بالحقيقة؟ يا إله السماء! ماذا لو كانت الحادثة مروعة؟
تجمدت ساندرين, ومرت صور مرعبة لحوادث شاهدتها في التلفزيون, أمام عينيها. لقد رأت أجساما مهشمة تستخرج من سيارات متصادمة, وتنقل في سيارات الإسعاف للمستشفى.
كم تحتاج من الوقت؟ عاينت المكان وقدرت خمس دقائق أخرى للوصول. هذا إذا لم تكن هناك زحمة سير.
إلا أن السيارة جعلتها سبعا. وأسرعت بإلقاء قطعة نقدية في يد السائق, وفتحت الباب غير مكترثة بالباقي.
هرولت إلى الممر’ وتوقفت مرغمة, بانتظار أن تفتح أبواب المدخل الزجاجية تلقائيا.
لم تنبه ساندرين لقاعة الانتظار, كل ما رأت هو راؤول الذي قطع الغرفة باتجاهها, فهرعت نحوه.
-إنه الآن عند الطبيب.
هدأها راؤول. وأمسك بمرفقها وهو يقودها عبر ممر.
-إنه بصحة جيدة, ولكن الجرح يحتاج إلى بضعة غرزات.
انقبضت معدتها بمجرد التفكير بتمزق الجلد أثناء عملية الغرز.
-ما مقدار ما لحقه من أذى؟
أعطاها راؤول ذراعه وأعاد طمأنتها:ط بضع غرزات وخدوش صغيرة".
وأشار إلى باب في جهة اليمين:" إنه هنا".
كادت نبضات قلب ساندرين تتوقف هنيهة, ثم تسارعت بشكل قوي, عندما خطت داخل الغرفة. كان الطبيب قد أخفى مايكل جزئيا عن ناظريها, فتحركت بسرعة إلى جانبه, وعيناها تتفقدان هيئته, وقامته الطويلة, في محاولة لتقدير مدى إصابته.
صاحت من دون وعي, وهي تتطلع إلى ملامحه المتناسقة وعظام وجهه العريضة, وصدره العاري:" مايكل".
لم تر هناك خدوشا. أو رضوضا ظاهرة. شعرت بارتياح في ما كان الطبيب منشغلا بعلاج ذراعه اليسرى, وبخياطة ما بدا كأنه جروح عميقة. وشحب لونها, عند رؤيتها الإبرة.
قدمها مايكل:" زوجتي".
فتوقف الطبيب عن العمل, ورمقها بنظرة سريعة.
-زوجك بخير. بضعة أضلاع مرضوضة وذراع مجروحة. سأنهي عملي في غضون دقائق قليلة وبإمكانك بعدها أن تأخذيه إلى البيت.
شعرت ساندرين بأن الدم قد اختفى من وجهها,عندما جنح بها الخيال بعيدا. وتصورت رد الفعل لحظة الصدمة.
باختصار, وفي لحظة متناهية القصر, خطر في ذهنها كيف كان من الممكن أن تجري الأمور.
واعتصر ذلك فؤادها, فالحياة بدون مايكل ليست حياة على الإطلاق.
جذبها مايكل باتجاهه, فيما كانت يداها تتمسكان بكتفيه بشكل غريزي, وعانقها عناقا حارا.
أنبها بمحبة, وبصوت خامد عندما رأى شفتيها ترتعشان:" لا تكوني سخيفة".
حاولت أن تبتسم, لكنها عجزت عن ذلك.
تحولت عينا مايكل إلى لون قاتم, فأمسك بيدها وتعلق بها, وأخذ إبهامه يلامس عروق رسغها. نظرة واحدة إليه فقط, جعلتها ترغب في أن تضمه إليها بشدة.
بدأ الاسترخاء يجري في عروقها, وأعقبه شعور بالمحبة, التملك الدائم. كان قلبها, كعواطفها, ملكا لهذا الرجل. ولا شيء غير ذلك يهمها.
قال الطبيب وهو يضع ضمادة, ويقوم بتثبيتها:" انتهينا. هذه الخيوط يجب أن ترفع بعد أسبوع".
هب مايكل واقفا على قدميه, واختطف قميصه عن ظهر الكرسي, ووضعه على جسمه. وحاول أن يزرره, قبل أن يرتدي سترته.
-دعينا نرحل من هنا.
قال راؤول, وهم يغادرون المبنى:" سأتدبر أمر سيارة الأجرة, وأوصلكما في طريقي إلى المطار".
فرمقته ساندرين بنظرة سريعة و سألته:" هل ستعود إلى غولدن كوست ؟".
فأجاب وهو يبتسم ابتسامة ساخرة:" نعم".
-هكذا إذن.
-هل تعنين ذلك حقا؟
كانت عيناها تتأملانه بحبور:" نعم".
ستخوض ستيفاني معركة إذا ظنت أنها ستتخلص من راؤول بسهولة. إن رجال عائلة لانييه يقاتلون من أجل ما يريدون.
-أتفهم الإشارة.
-إذن ادعي لي بالحظ, ساندرين.
-وهل أنت بحاجة إليه؟
كانت تعابيره باهتة و قاسية.
وفكرت بصمت, إنه يقدر لستيفاني أنها لم تعطه الفرصة لنصر سريع.
رفعت يدها, ومسحت بأصابعها وجهه الصلب قائلة:" سيكون لك ذلك راؤول".
رمقها بابتسامة عكست الدفء والحنان:" شكرا".نهاية الفصل
أنت تقرأ
" دائرة الخطر " للكاتبة هيلين بيانشين
Romance-ماذا تفعل هنا الليلة؟ -أريد الثمن! -وثيقة الزواج لا تحولني إلى متاع تملكه. -لا أريد المناقشة ولا المفاوضة. أريد فقط إما نعم وإما لا... استفهمت ساندرين بشجاعة: "وإذا رفضت؟" -سوف أغادر هذا المكان. ويخرج من حياتها؟ كما خرجت هي من حياته؟ لماذا يتملكها...