محافظة الحلة الساعة الثامنة ونصف صباحا
ركبت فتاة شقراء بعمر الخمس سنوات السيارة وهية بقمة فرحها وكيف لا تفرح وهية ذاهبة مع والدها لكي يشتري لها الدمية التي لطالما حلمت بها جلست على المقعد الامامي ولكنها لا تبدو جالسة فهي كثيرة الحركة .. لها شعر ذهبي وكأنه نسيج من خلاصة الذهب وعيون عسليتين براقتين يولج منهم نور الصباح المشرق كانت قصيرة القامة طويلة السان قليلة الصبر
وهية تغني بكل فرح وتلعب .. فتح باب السائق ليركب رجل طويل القامة جميل البنية حاد النظرة يرتدي سترة زرقاء انيقة تفوح منه رائحة العطر .. جلس على المقعد تنهد ولتقط نفسه وقال بصوت وقر مناديا الطفلة :
- مريم أبنتي الزمي الهدوء قليلا احتاج ان اجري مكالمة مهمة في الهاتف.
ترنحت مريم ونظرت له نظرة فيها ما يشبه الزعل ثم قالت :
- حتى انك لم تقبلني يا ابي!
ابتسم الاب واقترب منها وقبلها على خدها الناصع ليزداد اشراقا ثم عاد الى المقعد وأخرج الهاتف قام بالاتصال بشخص ما مقيد في هاتفة المدير العام بأتدء الحديث قائلا :
- الو كيف الحال استاذ لعلك بخير انا ابراهيم ، سأتوجه الان لبغداد هل انت هناك لانني كما قلت لك احتاج لراتبي.
بدت علامات الشحوب على وجه ابراهيم وكأن الأمور لم تسر على مايرام مع طرف المكالمة الاخر ثم تنهد وقال:
- سيدي اعلم عن الضروف اعلم عن الوضع الامني السيء الذي يمر به البلد ولكن لم يتبقى بحوزتي مال وانتم لم تسلمونني اجور منذ أشهر ، انا وعائلتي نعاني قليلا ارجو منك ان تتفهم ذلك.
في هذي الاثناء بدء راديو السيارة يبث أغنية بصوت خافت كانت هذه الاغنية هية المفضلة لدى مريم .. مسكت مريم عتلة الراديو بكل فوضوية لترفع الصوت
صرخ والدها غاضبها :
- اخفضي الراديو والزمي الصمت يا طفلتي فأنا أتحدث بالهاتف.
ثم عاد للمكالمة بقوله :
- اعتذر استاذي فطفلتي المشاغبة من دلالي لها لم تعد تطيعني ، حسنا نحن على الاتفاق سأكون هناك عند الساعة العاشرة.
اغلق الهاتف ووضعه الى جنبه وقال بفرحة مكبته :
- من الفتاة الجميلة التي ستحصل على تلك الدمية اليوم ؟
صرخت مريم بسرعه :
- انا ومن غيري انا.
سارت السيارة ورفع والد مريم صوت الراديو لتبدء الاخبار التي كانت هي مصدر الازعاج الاول بالنسبة للطفلة مريم ، بدأ المذيع الممل بالقول قتلى هنا وجرحى هنا انفجار هنا وحرب هناك .. فجاءة اقتربت يد الرجل من الراديو وغير المحطة وهوة يقول بصوت سرح وبال شريد:
- هل يجب على المرء ان يبتدء صباحه بموت هذا وجرح ذاك ، ومن عاد يكترث فنحن نموت بالالوف كل يوم .
بعد مسيرة ساعة وصل الرجل الى بغداد صار يجوب شوارع بغداد الجميلة وهوة يحدث ابنته .. كانت والدتك تحب هذا المكان وكنا انا ووالدتك نزور هذا المكان بانتظام وكان هذا وهذاك .. كانت الفتاة تحدق من نافذة السيارة الى الشوارع ببال شريد كأنها تبحث في ثنايا الشوارع عن والدتها .. حتى وصلوا الى المكان المنشود .. ركن الاب سيارتة ونظر الى فتاته قائلا بصوت حازم:
- مريم .. سأذهب لخمسة عشر دقيقة اياك ان تنزلي من السيارة او ان تفتحي الباب لاي شخص.
نظرت الفتاة بعين ابيها قائلة بصوت ودود :
- لا تتأخر يا ابي فأنا جائعة ولا احب ان انتظر كثيرا .
جاءها الرد سريعا :
- ومن قال انني استطيع التأخر على أجمل فتاة رأتها عيني .
ثم قبلها قبلة عجولة وترجل من السيارة .. مضى الاب نحو الجهة المقابلة للشارع .. كانت مريم تنظر بنظرة ملاحقة وهي تراقب ابتعاد ابيها ، جلست مريم تستمع الى اغاني الراديو تارة وتارة تراقب من النافذة ذلك العصفور الجميل الذي كان يشرب الماء
من ارضية الرصيف المجاورة .. لم تتعدى سوى دقائق معدودة حتى بدأ الضجر يتغلب عليها كأي فتاة بعمرها محملة بالطاقة تكون سريعة الضجر ولاتطيق الانتظار .. أخفضت مريم زجاج النافذة لتراقب العصفور عن كثب علها تتغلب على مللها ، مدت يداها الحريريتان خارج النافذة محاولة التقرب من ذلك الطير اللطيف ، أحست بتجاوب الطير معها .. بحركته بزقزقته بكل تعابيره ، أخرجت مريم رأسها من النافذة محاولة النظر عن كثب للطير كأنها أميره من اميرات قصص الاطفال اللواتي يداعبن الطيور ويحدثن النوارس ، كان المكان هادئ جدا وكأن الشارع خالي لم تسمع اي صوت للسيارات العابره او للمشى او بالاحرى كان انسجامها مع الطير هو ما يخيل لها ان لا احد على هذا الكوكب سوا هي والعصفور
وفجأءة وبدون اي سابق انذار دوا صوت قوي وبدأت النيران
بالارتفاع من الجهة المقابلة للشارع
هرب الطير بعيدا !
أدخلت مريم رأسها بسرعة داخل السيارة وهي تراقب بخوف و صمت شديد وكأنها مذهولة مما يحصل ، الناس تتراكض والنيران ترتفع والدخان بكل مكان
دماء سارية والمكان يفوح براحئة خانقة
كأنها رائحة الموت ، بكت مريم من شدة الخوف وهي تراقب اشلاء البشر المتساقطة على الارض ، بدت بالصراخ بصوت يرتجف : أبي أبي هيا تعال بسرعة انا خائفة جدا.. أين أبي!
أنت تقرأ
فشل وطني
Mystery / Thrillerانا ملحد ويساري وشيوعي وكافر وطائفي ومجنون ومكتئب في نظرك .. وانا مؤمن غير منتمي لأي جهة أو اي تيار سوا الوطن في نظري .. هذا ما يختلف بين نظرة الحر والعبد المغيب يا سيدي ، كان هذا جوابي بعد حوار طويل مع احدهم وانا في عمر السابعة عشر سنة .. عندها ع...