الجزء الثاني (ثورة) / بين مصدق ومكذب

54 7 9
                                    

يوم الخميس ريف محافظة ديالى الساعة الرابعة مساءا
 
في بستان ما وتحت ظلال الاشجار كانت تجلس جميع سيدات القرية يتداولن الحديث فيما بينهن ، لم يكن حديثهن عن اخر صيحات الموضة او عن المكياج كما تتخيلون سادتي .. فتلك  النساء التي احدثكم عنهن من نوع الكادحات التي يربن ايتامهن عوضا  عن اضافرهن ..اللواتي يحملن سلال الثمار واوعيه الحليب عوضا عن الحقائب الفاخرة ، اعتقد قد رسمت الصور  في مخيلاتكم الان .. نعم هي الصورة صحيحة انهن المكسوات بالاسود المعصوبات الرأس السمراوات البشرة المناضلات بلا منازع ، قطع حديثهم وصول حافلة على الشارع القريب من البستان وبدء بعض الشباب الترجل منها .. كانت الامهات ينظرن الى الحافلة بأنتظار أبناءهن طلاب الجامعة .. ترجل من الحافلة شاب طويل أسمر البشرة بعيون سوداوات وملامح حادة  يرتدي قميصا ابيض وسروال اسود كان يتمشى بصورة جذابة حتى اتاه صوت من الخلف ينادي : 
- أحمد انتظر اريد التحدث معك. 

أستدار احمد ناظرا  لمناديه كان شاب قصير القامة احمر الشعر ذو بشرة بيضاء منمشة مع ملامح ناعمة وفك رفيع ، اذ باحمد يبتسم قائلا :
- بسام صديقي كنت ابحث عنك بالارجاء .
اقترب بسام وبدء بالحديث بصوت خافت :
- من سيقنع مجلس التحقيق الجالس بالبستان عن فكرة الذهاب الى بغداد التي تداولناها اليوم مع بقية الشباب ؟

اجاب احمد بصوت خافت ايضا  : من غيري ترمون عليه المصاعب يا صديقي .. ولكنني مستعد لمواجهة الحرب الضارية القادمة! 
اخذ احمد يتمشى بجوار بسام متوجهين نحو عصبة النساء الجالسات .. وعند وصولهم وبعد اللقاء التحية والسلام بيهنم رمى احمد حقيبته التي كانت على ظهره وبدأ حديثه قائ لا  :
- امم .. سيداتي هل قرأتن مانشر على مواقع التواصل الاجتماعي كلها ؟ هل شاهدتن الصفحات وهي تتناقل ماكتبت الفتاة مريم ؟ هل سمعتن التسجيل الصوتي ؟ هل اثر فيكم ذلك ؟
اجابت احد النساء الجالست: 
- نعم .. لقد دخلت كلماتها قلبي بقوة وكانت كتاباتها توصف الحال بدقة ولكنني اعلم مايجول في داخلكم .. اكد لكم اننا غير موافقون على ماتفكرون به فنحن خسرنا الكثير ولم يبقى لدينا امل الا انتم لذلك تأكدوا اننا لن نسمح لكم بالذهاب لبغداد !
أجاب احمد مرة اخرى بصوت جهيرة وبنبرة ثقة :
- ولكن يا ام بسام يجب علينا الوقوف مع من يقف معنا مع من يدافع عن حقوقنا ، هل تعتقدين ان جلوسنا هنا هو امان لنا ؟ يا ام بسام سجن والدي ثمان سنين و قتل من شدة التعذيب بالسجون وكان كل ذنبه المرور على الطريق العام!
نظرت احد الجالسات الى احمد بفكر شريد وقالت: 
- سجن والدك مخلف اثناء ذهابه الى بغداد لايصال المحصول ..
وتركك انت واخوتك الصغار لي .. لقد كان الامر شاق جدا  يا ولدي ولكنني تمكنت ان اراك تكبر امام عيني .. هل بعد كل تلك السنين التي تعبت في تربيتك بها .. تريد ان تجازيني بمصير والدك ؟
هز احمد برأسه وبدأ وكأن لونه قد تغير .. احس ساعتها ان معركة اقناع ام بالمخاطرة باعز  ماتملك وهو ابنائها مستحيلة وان من يفقد شخص يكون قادرا  على تخيل ان يفقد الاخر .. وجد في عيون النساء الجالسات خوفا  من صعب ان تمحيه الكلمات ، ولكن نار الثائر التي بداخله لم تكن قادرة على ترك  الامر بهذه السهولة واحساسه بأن موت والده قد كان ظلما وان كمية العذاب التي عاشها والده بأيامه الاخيره كانت دوما فكرة لا تزاح من عقله .. سكت احمد وجلس بالقرب من بسام الذي بدوره احس بخيبة كبيرة ظننا منه ان فارسه احمد قد خرج مهزوما من معركة الكلام والاقناع ، بعد عدة دقائق من الصمت القاتل المخيم على المكان ، وقف احمد واشار الى بسام بيده دون ان تحس النسوه بان يتبعه..  راح  يتمشى بالبستان وهو خلفه وبعد مسيرة خمسة عشر متر  تقريبا  ، استدار احمد الى بسام وبدأ الحديث بصوت حازم وبنبرة اندفاع :
- يا بسام وكما رأيت ان مهمة اقناع تلك النساء مستحيلة ، وهذا الشي بنظري منطقي جدا  لانهم نساء فقدت كثيرا وبقلبها خوف كبير بمجرد التفكير  بالتوجه نحو بغداد ، ولكنني لن استسلم في بداية الطريق ، انا مؤمن بشيء ويجب علي فعله ، لذلك سأذهب دون علمهم .. اذا تريد الذهاب معي مرحبا بك يوم السبت في اول حافلة متجهة نحو بغداد صباحا. 
أبدا بسام ترحيبه بفكرة أحمد قائلا  : 

- أنا معك يا صديقي .. كلامك منطقي جدا  .
تصافحا أحمد وبسام بحماس وراحو يتمشون بالبستان ويتحدثون فيما بينهم.  

فشل وطنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن