الجزء الأول (أرض تحترق) / من سيستمع الئ صوتي؟

54 10 3
                                    

محافظة ديالى الساعة السادسة صباحآ 

في احدى الاقضية وخلف تلك التلال والمروج تحديدا في ذلك الريف البعيد عن الشوارع الازفلتية والمعزول .. وبين كل تلك البساتين .. وسط كل تدرجات اللون الاخضر للأشجار والاعشاب .. تشرق شمس الصباح لتنذر بيوم جديد على الفلاحين وكأن قرص الشمس ينادي بسمفونية كونية : حي على الفلاح ! .. خرج المزارعين من منازلهم رجالآ ونساء بكل تناسق وأنضباط متوجهين نحو بساتينهم لقطف الثمار فقد بلغو موسم الحصاد وجني ثمار التعب والمجهود الذي بذل طيلة هذه السنة .. عند التركيز على المشهد سترى رجل يبدو انه بمنتصف اربعينيات العمر يحمل سلة يعلقها على كتفه بمساعده حبل .. يرتدي الثوب العربي الطويل الابيض يعبئه جسم طويل مفتول قوي النصاب .. رأسة معصوب بشماخ وكأن تلك العصبة هي مصدر قوته .. يرتسم على وجهه ذلك الشارب الكثيف مع فكة العريض وملامحه الخشنة .. بشرته سمراء جافة تميل للغمقة ، كان يقطف الثمار من شجرة البرتقال المجاورة له ويضعها بتلك السلة بكل روية وتأني مع فكر شريد .. أخذ يعبأ السلال مرة والاخرى بدون كلل او ملل .. من شجرة لشجرة يداه تلامس الثمار وتداعب الأغصان .. سار الوقت حتى أعتدلت الشمس وزادت درجة الحرارة. . نظر الرجل الى الساعة التي كانت بجيبه ليندهش بالوقت الذي كان يشير الى منتصف النهار الساعة الثانية عشر ونصف ظ هرا .. يبدو أن الوقت قد سار سريعآ مع ذلك الرجل الذي كان شريدا  غير مدرك لسيف الوقت .. بدأت حرك ته أك ثر سرعة .. يقطف الثمار بتعجل حتى أمتلأت السلة. . خلع الحبل من على كتفه ليضع السلة جنب بقية السلال .. يبدو أنها اخر سلة لهذا النهار .. فهو لا يقطف الكثير باليوم الواحد حتى تحافظ الثمار على طزوجتها ومنظرها الناصع .. ترك الرجل البستان متوجها نحو سيارته التي كانت تركن في آحد الزواية ..
كانت سيارة حمولة قديمة الطراز والمظهر .. صعد الرجل السيارة وقام بتشغيل المحرك. . توجه مرة أخرى الى بستانة أوقف السيارة جنب سلال البرتقال التي قطفهآ .. ترجل من سيارته وبدأ بتحميل السلال في السيارة .. سلة والأخرى بدون توقف فالشمس أصبحت حارقة .. أكمل تحميلها وتغطيتها بوشاح كان موجود في السيارة .. ركب الرجل سيارتة مرة ثانية جلس على المقعد .. تنهد ليخرج التعب من جسده .. ارجع ظهره نحو المقعد ليريح كتفيه .. شغل المحرك ومد يده نحو الراديو ليشغله .. بدء الراديو يبث الأغاني العراقية القديمة المعدة مسبقآ في اعدادات الراديو  .. صوت حسين نعمة أعاد للرجل المزاج العالي بقوله
))ياروحي جذاب الهوا مالج جفلتي ((
قاد الرجل السيارة قاطعا  الكثير من الكيلومترات وهو منغمر مع صوت حسين نعمه متأثرآ بالالحان .. فجأة بدأت عينه بالتوسع وهوة ينظر الى ذلك الصف الطويل للمركبات المحملة بالاغذية التي تقف أمامة منصدمآ بعدها ..  توقف خلف المركبات وأخرج رأسة من النافذة ليقدر طول ذلك الصف الذي يكاد لا ينتهي حتى تمكنت بصيرته من أن ترى نهايه صف المركبات التي تبدو عند مدخل المدينة ، سلم أمره وجلس داخل سيارتة منتظرا .. بدء الوقت يمر ببطئ وشعور الممل يغلب على المكان وذلك الصف يسير ببطئ شديد للغاية وكأنه لا يسير.. أخذت الساعات تمضي واحدة بعد واحدة وهو جالس يستمع للأغاني ويراقب الوضع بدقة .. حتى أصبحت تشير للساعة للخامسة عصرآ ويبدو أنه لم يتقدم سوى بعض المترات البسيطة .. بدء الظلام بالحلول على المكان كمآ وكأنه يوصل رسالتة لذلك الرجل بكمية الوقت الذي سرقه منه الانتظار ، لم يستطع صبر الرجل أن يكمل معه أكثر ..
فترجل من سيارتة وتمشى نحو المركبة التي تتقدمه بالصف ، طرق زجاج النافذة لينزلها السائق أبتدأ الرجل الحديث بنبرة متعبة : 
- سيدي ماذا يحصل هنا ؟  اجاب السائق بسخرية : 
- أنهم يوقفون المركبات المحملة بالأغذية حتى تفسد يا سيدي! .. يبدو أنهم يريدوننا ان نترك الزراعة . 
رد مخلف بنبرة ثائرة : 
-وبعد ان نتوقف عن الزراعة هل نعمل بالسرقة ام بالسياسة ؟ نظر الرجل الى مخلف ليضحك مطولا ويجيبه : 
- يبدو أنك الشخص الوحيد بهذا البلد الذي يميز بين السرقة والسياسة ؟! وكأنك تقول لي هل أعمل بالزرع ام بالحصد الاثنين زراعة يا عزيزي كما وماقبلها الاثنين أنحطاط .! 

هز الرجل برأسه وأطبق يداه فوق بعضهم وتنهد ثم نطق بنبرة خافته متحسفة : 
- دعنا من هذا الكلام يا سيدي لدي أربعة أطفال وانا معيلهم الوحيد ولا أقوى على هذه الأمور ، أنا سأذهب الأن للمدخل لأرى ماذا يجري هناك .. أمنتك سيارتي ومحصولي. 
ثم استدار تاركآ سائق السيارة بدون ان يستمع لجوابه اساسا ، تمشى الرجل في ذلك الطريق الطويل حتى وصل للمدخل ، نظر لما يحصل بأندهاش فالمسؤولون يوقفون المركبات ويتركونها متوقفة وهم جالسون يتبادلون المزاح  لم يستطع تحمل المشهد فنادى بهم : 
- نحن ننتظر هنا منذ الصباح والثمار بدأت تذبل الى متى ونحن وننتظر بدون اي سبب مقنع يا سادة ؟ 
أتاه الرد من أحد الجالسين مقابيله: - اذا لم تحب أن تنتظر يمكنك العودة لديارك ؟
- لدي أربع اطفال سيدي من سيقوم بأطعامهم أن عدت ؟ 
- أذا يمكنك ان تصمت وتعود الى سيارتك وتنتظر الى حين صدور التعليمات الامنية بدون ان تزعجنا بمجيئك.
تنهد الرجل وداخله يتقد وكأن الغضب أشعل في جوفه نار لاهبة ثم ثار قائلا : 
- وماهي تعليماتكم الأمنية ومتى ستصدر يا سيدي ؟

اجابه أحد الجالسين من جهة اليمين بغضب : 
- يبدو أنك تريد أن تعمل معنا ؟ او انك تريد ان تعلمنا عملنا ؟ أسمع يا ايها مزارع القذر أن لم تعد الى سيارتك الأن سأجعل منك أضحوكة أمام الجميع!
صدم هذا الكلام الرجل وأوقد بداخله غضب الفلاحين الذي يعرفة الجميع على مدى التاريخ .. ماذا يفعل الغضب داخل فلاح أذا ثار .. فقد يغير حكم ويدحر جيوش ويتغير مسار التاريخ بغضب الفلاح .. تقدم الرجل من ذلك الشخص ولكنه تماسك أعصابه ونفس من غضبه ليعود لرويته قليلا .. ثم ادار رئسة ليعود الى مركبته .. يتمشى بخطوات ثقيلة وبداخله صراع بين كرامته وتفكيره بمسؤوليته تجاه عائلته واطفاله .. ولكن لم تمضي سوا خطوات بسيطة ليعود ذلك الجالس بمناداته مرة اخرى : 
- المزارع القذر! يا المزراع القذر! عد الى هنا فأنا لم أنتهي من حديثي معك. 
عاد الرجل وتوقف أمامه واجابه بنبرة هادئة وكأنه يحاول أيصال فكره أنه لن يهتم لسفاهته : 
- نعم ؟
- اعطيني بطاقة الهوية خاصتك. 
أخرج مخلف من جيبه محفظته وفتحها مخرجا منها هويته ليشهرها للمسؤول .. أخذها منه بتقرف مصطنع ومسك بها بيده .. هز رأسه وبدء يقرأ بأسلوب منرفز : 
- أذن أسمك مخلف أو مخلف القذر! 
لم يتحمل مخلف كمية الأهانة التي تعرض لها فرد قائلا : 
- نعم أسمي مخلف يا قذر!! تبا لك ما اوقحك وما احقرك! 
أخذت تتعلى الأصوات وتبادل الأهانات حتى أجتمعو جميعهم على مخلف .. انهالوا عليه بالضرب المبرح بمأخرات بنادقهم وبعصيانهم .. أجتمع الناس يناظرون لما يحصل .. لم يستطع أحد منهم التدخل او الاقتراب خوفا لما قد يناله هو الأخر ، كان صوت العصى وهي تضرب جسد مخلف صداه اعلى من صوت تحسبات وتوكلات الحظور الناظرين بترقب من بعيد . 

فشل وطنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن