دخلت في الدوامة بتاعة الاجراءات.. والفحوصات .. والتاكد من اللياقة الطبية للعملية . ودي كانت حرب نفسية اكتر من العملية ذاتها.. كتلوك ولاجوك جوك . والاجراءات شغالة .. انا انفصلت عن العالم الحارجي.. وبقيت داخلة في دوامة تفكير.. طبعا نسيت اقول ليك انو مصطفى متابع معاي.. بس لغاية الان ما وريتو بالنتيجة الظهرت لي اول امبارح .. وماعندو فكرة عن الحصل لي .. لكن عارف انو عندي الم في يدي.. وكتفي وانا ماحاولت ازعجو بالشكاوي .. بس الليلة اتصلت عليهو .. وكلمتو بالحاصل .. وقفلت منه التلفون سريع .. عشان عارفة انو ح يتجرس .. انا تاني ما اهتميت بي حاجة.. وانفصلت تماما عن العالم.. وبقيت عايشة عزلة نفسية غريبة .. وانا قاعدة براي والكل كان في حركة دايمة مع الاجراءات ..
مسكت ورقة وقلم وكتبت وصيتي .. لي اخوي الوحيد ..الى اخي العزيز اسامة.. كنت متمنية اشوفك وانت دكتور.. لازم تحقق رغبتك انت حلمنا جميعا واملنا فيك كبير ...لا تخيب ظني فيك . كن كما عهدناك.. دائما متفوقا وقدوه لمن حولك ..حافظ علي
نفسك ..تمسك بربك جيدا ..لا تنسي تحصينك اليومي.. وبرنامجك لحفظ القرآن ...حين يأتيك نبأ وفاتي كن شجاعا ...سأكون سعيده جدا بتفوقك ونجاحك عايزاك تكون دكتور وتساعد المرضى وماتنسى ناس السرطان .. ديل ناس محتاجين وقفة .. مافي زول حاسي بيهم.. الا زول مر بي تجربتهم .. اسامة ياحبيبي اجتهد وارفع راس ابوك وخلي امك تفخر بيك .. دعواتك لي بالرحمه والمغفره ...احبك كثيرا ...
اختك وفاء ..
وكتبت وصية انو مايبكو علي.. ويستغفرو لي .. ويعملو لي صدقة جارية في مستشفى الذرة ..انا كنت مقصرة في ربنا كتير.. الا ربنا يلطف علي بي رحمتو ..
ووصيت انو ينتهي العزاء بمراسم الدفن .. وفجأه قطع خالي خلوتي سلم علي بصمت تام دون اي سؤال او استفسار ..وانتهت الاجراءات ومشينا البيت
البيت كان مليان ..خالاتي وبناتهم الكبار فقط وخيلاني .. ح تقول لي وين اعمامك من الموضوع؟ ...اعمامي وعماتي هم غير موجودين بالنسبة لينا ..ودي قصص طويلة مافي داعي اسردها ليك هسي .. المهم انا مابهمهم كتير ..والخبر ده ممكن يخليهم يشمئزوا ..
طلبت انو ما يكلموهم.. اصلي ما بحب اشوف نظرة الرأفه المصطنعة في عيون الناس .. او بمعني ادق نظرة الاشمئزاز ..
حتى الناس العاديين ..كأن اي زول ح اسلم عليو ح اعديهو ...وطبعا نفسيا الحاجه ح تتعبني شديد ..مهما كنت شجاعه ..دخلت البيت سلمت عليهم.. وتاني ما اتكلمت .وقامو كلهم مشوا بيوتهم..
رجعنا المساء المستشفي ..لاني مفروض ابات في المسنشفي ..مشو معاي امي وابوي واختي خالدة دي اصغر مني ...عدي علينا الليل كأطول ليل في الحياة .. صمت في كل شي حولي.. امي ماسكه مصحف.. وابوي برضو واختي ...انا صليت وسبحت ..ونمت طوالي ..الساعه 7صباحا الكل كان حضورا في المستشفي حتي اصحاب ابوي وزوجاتهم.. ناس بحبهم شديد.. وبثق في محافظتهم علي سري ...ما سلمت علي زول او بمعني اصح.. انا ما كنت شايفه الا الطريق الانا ماشه فيهو ..كان مفروض ادخل العمليه 10 صباحا ...كنت في حالة انفصال تام عن العالم .. دخلت غرفت انتظار العمليات ..كانت غرفه طويله مفصله بحواجز لونها اخضر .. محتوياتها كرتونيه تحوي ما تحتاجه داخل العمليه من شاش ودربات واشياء اخري.. ماحاولت اشوفها .. السرير مجلد باللون الاخضر.. وانا عاريه سوي من مريلة ..العمليات واللهي برضها لونها اخضر .. ...يا سبحان الله ..كانت الغرفه هاديه ..وانا براي ماسامعه اي صوت ..وما عارفه بالضبط الحاصل بره شنو.. الباب مقفول وما عندي اي طريقه للحركة او الكلام ..كنت مره ارقد في السرير ..ومره اقعد .. حتي الزمن بقيت ما عارفاهو كم ..قطعت الوقت بالتسبيح والاستغفار والتحصين ..
الزول الوحيد المتذكره انو شفتو وانا داخلة .. هي خالتي الصغيره رنده ..مسكتني من يدي.. وانا داخلة علي غرفة الانتظار وقالت لي قول : اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني .. وانا علي عهدك ووعدك ما استطعت..اعوذ بك من شر ماصنعت .. ابوء لك بنعمتك علي ..وابوء بذنبي.. فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب الا انت ) مر زمن طويل حسيت انو الزمن واقف ..حتي ذاكرتي حسيتها معطله ...بقيت ما متذكره اي شي ...ماعندي احساس من اي نوع ..قلت سبحان الله دي الدنيا .. انا مسلوبة الاراده كدا .. ماقادره اعمل حاجه فمابالك بالقبر ..
اخيرا دخل طبيب التخدير .. حاول اخفف علي جاوبتو من غير ما ارفع راسي ...جا دكتور محمد .. ودكتور ممدوح .. ودكتور الطيب ..عرفت انهم ح يشاركو في اجراء العمليه .. سلمو علي وسألني دكتور الطيب جاهزه ؟
.. قلت ليهو ان شاء الله ...وتحركنا لغرفة العمليه..
وكانت تفتح مباشره في غرفة التحضير .. كانت اول مره ادخل غرفة عمليات.. زي ما بشوف في المسلسلات .. رقدت في طاولة العمليات وبداو في تجهيزي .. طبيب التخدير قال لي عايزه تقولي حاجه ؟ قلت ليهو ايوه ..
اتلفت علي دكتور محمد .. اكتر زول بثق فيهو ..وقلت ليهو انا امانه بين يديكم .. احفظوني ..واتحصنت واتشهدت وتلفت علي طبيب .. التخدير قلت ليهو.. جاهزه..
سمعتو بقول بسم الله.. وبعدتها غبت عن الوعي .. بس سبحان الله ماغياب كامل .. مع وضع اول مشرط علي جسمي .. حسيت بالالم.. بس كنت فاقده للحركه والكلام .. حتي ماكنت متذكره انا منو ولا الحاصل شنو .. بقيت بغيب وبوعى وعي ناقص ..ودي حالة قالو مابتحصل كتير على الناس .. بعد مسافه من الزمن بقيت سامعه كل الحوار بين الدكاتره.. والعملية مازالت شغالة ..وسمعت دكتور الطيب بقول لدكتور محمد خلاص كده كفايه.. ودكتور محمد مصر.. شغال ينحر فيني نحر .. بس ماعرفت بتكلمو عن شنو بالضبط ..بس من بعيد .. شعرت انهم متوترين شديد.. وبتكلمو بي كلام نصو انجليزي ونصو عربي .. والشي الغريب.. انو بينهم كان في شد وجذب.. وحدة في النقاش .. دكتور الطيب بقول ليهو ..نكتفي بالجزئية البسيطة .. ودكتور محمد مصر يستأصل الثدي كلو .. ده كلو انا سامعاهو .. بالتفصيل .. العمليه استمرت من الساعه 11 لغاية الساعه 2 ظهرا ..وبعد انتهاء العمليه.. سمعتو قال .. تمت العمليه بنجاح ..وسمعت طبيب التخدير بسأل فيهم خلاص؟ ..قالو ليهو ايوة ..في اللحظه دي طلع مني الكاس بتاع الاكسجين .. وتوابعه اللي كانت واصله جوه حلقي .. لما طلعوها انا بقيت حاسه بيهم بصحو فيني.. بضرب خفيف في خدي ..وفاء؟ اصحي.. اصحي..
وحسيت طبيب التخدير بهز فيني.. وبقول لي حاولي جري نفس.. وانا واعية وسامعة .. بس مسلوبة الحركة والارادة .. عايزه اقول ليهم انا صاحية ماقدرت ... وفي اللحظه دي فقد الوعي تماما .. يعني انا جاتني الغيبوبة الكاملة بعد انتهاء العملية .. بس امكن ربنا عايزني اسمع الكلام الدار بين الدكاترة ..
لمن دكتور محمد عرف انو انا ما كنت في غيبوبة كاملة ارتبك وخاف والخوف فوق عيونو ظهر.. وبقى يقول مستحيل دي حاجة ما بتتصدق ..كيف يعني واعية ؟
المهم ..نقلوني لغرفه في الجناح الخاص.. وانا في غيوبة تامة المرة دي ..
استمريت فاقده الوعي لغاية الساعه 5 تقريبا ..حتي لما صحيت ما كنت مستوعبه كل الحوالي.. الكل حولي حزين .. واحدين ببكو وواحدين عيونهم مورمة من البكاء .. وعليهم حالة لايعلم بيها الا الله .. كانوا داخلين في حالة من الذهول.. حتى قالو عندي بت خالتي مهندسه من اقرب الناس لي.. من هول الخبر عليهم..ما اتذكروها .. الا بعد انا دخلت العمليه ..اتصلت عليها امها ..وكلمتها كانت لحظتها يادوب هي وصلت الشغل.. حتي ماقالت ليها المستشفي وين..رجعت للكل التلفونات مقفوله.. اتصلت علي ابوي ..وكان في اللحظة دي قاعد بعيد عن الناس يبكي.. رد عليها ..وطبعا لما سمعتو يبكي قالت ليهو وفاء مالها؟ انتو وين؟ ما قدر ارد عليها.. واحد من اصحابو شال التلفون واتكلم معاها..
المهم انا بعد صحيت ما كنت بتكلم.. لاني حلقي كان واجعني شديد .. وحاسه بيهو مجرح وكنت تعبانه شديد وكانو..
مركبين لي الدريل .. عشان اطلع الدم من جوه.. وكنت لسه بملابس العمليه ...كانت الغرفه مجهزه بصوره جميله ونضيفه وبارده شديد.. بس انا ما كنت حاسه بالبروده ..
قعدت حوالي اسبوع في المستشفي ..في تاني يوم علقو لي دم.. وكنت طول اليوم في حالة زياره طبيب ودربات وحقن وحبوب.. ومنعو مني الزياره.. لمدة تلاته يوم في خلالها حصلت نقاشات كتيره عرفت الكلام ده من خلال تواجد الدكتور بنفسو معاي بإستمرار .. وفي حاجة داسينها علي .. وخايفين .. وانا ما كنت عايزة استسلم للظنون بس لي قدام اتكشفت لي الحقايق ..
حقيقة .. في حاجات كتيرة مع بعض خلتني اتشكك في دكتور محمد استعجالو الشديد لي العملية .. والتوتر القاعد يحصل عليهو .. والنقاش الحصل في غرفة العمليات .. وبديت اربط في الحاجات مع بعض .. وبدت الحقايق تظهر لي شوية شوية .. لكن بعد شنو..
في دكتور صاحب ابوي شديد .. جاء في الفترة دي وطلب العينة العلي اساسها تم تشخيص المرض .. بس بدت المزاوغة .. بنفتشها ليك وتعالو بعدين .. في النهاية قالو ليهو العينة دي سحبها الدكتور نفسو .. دكتور محمد ..قال ليهم سحبها وداها وين؟..
قالو ليهو اعدمها .. !!!!
بس نحن قرينا كلام كتير في عيون الدكتور صاحب ابوي .. لمن قال لي كل الاعراض الانتي بتشكي منها.. ماكان في فيها عرض واحد من اعراض الكانسر .. مستحيل مستحيل الكلام ده .. بس انا لازم اشوف العينة .. لازم اشوف اوراق العملية .. لازم.. وكانت كل حاجة معدومة والدكتور ذاتو بقى مافي .. وصاحب ابوي ده كان هايج.. وجواهو كلام عايز يقولو.. بس مالاقي ليهو اثبات .. ده شي انا استشفيتو من خلال كلامو ..
بس انا ما زالت الثقة الجواي في دكتور محمد عامياني .. وماقادرة اتهمو بي شي ..ناس كتار زاروني في المستشفي .. اهل وجيران واصحاب .. بنات جيرانا التلاته جوني في المستشفي.. اول مادخلو علي بكوا وطلعو طوالي ..
كانو مرافقني امي وابوي واختي وخالتي يتناوبوا في خدمتي ..طول الايام دي انا ما اتكلمت مع زول ..حاسه كاني ما بعرفهم ..ما استوعبت سبب الشعور ده شنو ...كانوا بقولو التكيف عالي جدا بطلعوا شويه من الغرفه ويرجعو بس انا ما كنت حاسه بأي بروده بالعكس كنت عرقانه..
بس طيلة ايامي الراقدة في المستشفى مصطفى ما اتصل علي .. ولاسأل مني الحصل علي شنو.. انا كان عندي مشاعر كدا مامفهومة .. كنت عايزة اسمع صوتو .. وكنت ماعايزاهو يتصل ..
وفي نفس اللحظة كنت عايزاهو يبعد مني.. وما يتأثر بالحصل لي .. وعشان مستقبل حياتو .. لكن هو اصلا ماحاول يواسيني حتى لغاية اللحظة ..
..خلصت ايام المستشفي ورجعنا البيت .. ماكنت برتاح لوجود الناس ..عايزة انوم ..تعبانه شديد .. كنت طول الوقت بسبح .. بت خالتي جابت لي مصحف الكتروني هديه كنت طول الوقت خاته السماعات في اضنيني .. حتي وانا نايمه ما ببعد مني الا تفضي البطاريه .. واختو في الشاحن ...طبعا الناس كلها بتتكلم عني اني جاني ورم خبيث.. واني احتمال كبير اموت في اليومين دي ..الغريب انو الناس البتكلمو عني ديل .. ما جوني عشان اشوفو
حالي.. رنا صديقة عمري الحكيت ليك بيها الكانت زي اختي .. كانت واحده منهم.. ..تخيل ماكلفت نفسها تجي تزورني .. لافي المستشفى ولافي البيت .. بس بسمع انها بتكلم الناس بي .. يا سبحان الله!! هانت عليها كل العشره البينا ونستني تماما.. ومصطفى الكان بقول لي انتي حياتي وعمري .. وانا من دونك مابقدر اعيش .. مصطفي جاء السودان وانا سمعت بيهو . ما كلف نفسو يزورني ولايتصل علي يشوفني حية ولاميتة ..
ماعلينا .. دكتور محمد كان اداني مذكرة لي دكتور اسمو عمران.. اخصائي اورام .. عشان اتابع معاهو العلاج الكيماوي تقريبا ..
في الفترة دي ود خالة امي كان حصل ليهو حادث.. وكانت حالتو خطرة شديد .. وجابوهو مسشتفي الفيصل.. وناس بيتنا كلهم مشو انا اصريت امشي معاهم .. لي هدفين اولا عايزة اشوف خالي واطمن عليهو .. وتانيا عايزة اثبت للناس اني انا كويسة ماعندي اي عوجة .. والماعارف ..ماعايزاهو يعرف الحقيقة .. لانهم يلقوني مافي ويسألو مني .. عشان كدا بي رغم ظروفي الصحية اصريت امشي .. بس ياريت لو ما مشيت .. المهم وصلت ونزلت من العربية بعيد من المستشفى ..عشان الناس يشوفوني ماشة بي كرعيني طبيعية .. وفعلا مشيت بس المشوار البسيط ده.. اتعبني تعب مبالغ فيهو.. لكن ضغطت على نفسي واصريت اواصل ..يتبع......
أنت تقرأ
ضحية الثقة
General Fiction📝 بقلم: طارق اللبيب روايات أخرى للكاتب: - ابتسامات مزيفة - أجنحة بلا ريش - أسرار الزمان - الأصابع الشريفة - التداخل - الحب الخجول - الرادي في الوادي - السحر القاتل - الشامة - الصافي - الصكوك - الصندل - الطريق إلى السماء - العسل المسموم - الغراب الم...