صرخة عالية. بددت هدوء منزل خالد في منتصف الليل قرب ساعات الفجر الاولى. قفز خالد من سريره وانطلق راكضا بإتجاه غرفة إبنته يمنى. وخلفه سلمى وهي مذعورة وخائفة
عند دخولهم للغرفة كان أمامهما منظرا من الالم يتجسد في تلك الفتاة التي تكورت على نفسها وهي تحتض جسدها المرتجف بذراعيها. وتحدق في الظلام وملامح الرعب والخوف والالم تتوالى على وجهها الذي غمرته الدموع.
اقترب خالد منها. واحتضنها بين ذراعيه.
اششش. اهدئي حبيبتي. اهدئي. انا هنا. بابا هنا. لا يمسك شئ.
ولكنها ظلت ترتجف. وتحرك شفتاها بضياع وكأنها تريد ان تقول شيئا. عيناها جامدة ممتلئة بالدموع. التي تسيل بصمت على وجهها
جلست سلمى على الطرف الاخر من السرير واقتربت منها. ثم سحبتها من بين ذراعي خالد. وضمتها الى صدرها بكل مالديها من حنان الام ومحبتها. ثم مددتها بمساعدة خالد الذي مدد ساقاها. ووهمست في اذنها.
اميرتي. بنيتي. نحن هنا. لن نتركك. ابداا. اهدئي اهدئي. كل شئ بخير.
وبدأت تربت على شعرها بحنان. وتهمس في اذنها. وخالد الى جانبها. ينظر الى فتاته بألم. ويتمنى لو كان بيده ان يزيل هذا الالم من قلبها وروحها.
بدأت انفاس يمنى تنتظم وتهدأ. حتى استغرقت في النوم ورأسها على صدر والدتها الحنونة
ويدها تلتف بشدة حول وسط والدتها. وكأنها طفلة صغيرة تخاف النوم لوحدها.
اشارات سلمى ل خالد ان يعود الى غرفته.
لكنه لم يستطع ونهض وتمدد على الاريكة بالقرب من سرير يمنى. لم يستطع ان يبتعد عن ابنته وهي في هذه الحالة
وعندما أسند رأسه الى متكأ الاريكة ووضع ذراعه خلف راسه رفع نظره الي السقف وهو يتنهد بقوة
كم عانيتي يا ينتي. كم تألمتي. اه كم اتمنى لو انني منعتك من السفر الى مزرعة جدك في ذلك اليوم
كم اتمنى لو انني استطيع ان ازيل ذكرياتك التي حفرها الالم بداخلك.
وعادت به الذكرى. الى تلك الفتاة الجميلة التي تتعالى ضحكاتها فتصل الى عنان السماء كانت دوما جريئة مشاكسة. ذات ارادة قوية. وذكاء باهر. جعلها تتخطى سنواتها الدراسية ببراعة. وبدرجات كاملة وكانت دوما موضع تكريم في مدارسها وجامعتها.
وعندما اختارت الرقص مهنة لها.
في البدء غضب منها جدا. وتصادمت ارادتها ضد ارادته
فهو يراها ذات مستقبل باهر في الاقتصاد الدولي وسوف تتبوء مناصب عالية. نظرا لذكائها وقوة تحليلها وحدسها
ولكنها ارادت ان تكون راقصة
احبت الرقص من صغرها. وكانت جدتها لأمها. زوجة جدها الموسيقار الكبير راقصة مبدعة. علمتها ودربتها كثيرا. وعشقت يمنى هذا الفن
وابدعت فيه. ابدعت فيه جدا. واستغلت هذه المهنة لتحقق احلامها في دعم المراكز الطبية للاطفال بمساعدة صديقتها الراحلة. ريما.
ريما .. ااه. لقد رحلت. في تلك الليلة. المشؤومة.
اغلق عيناه بألم. وهو يتذكر تلك الليلة
عندما احتدت الشجار بينهما.
لقد قالت له. بغضب.
هذه حياتي. ولا اريدك ان تتدخل فيها.
فأحمرت عيناه غضبا. وانفجر فيها قائلا.
انت غبية. تماما مثل جدك. تلهثين خلف مهنة اوهام اسمها الفن. لن اسمح لك بتدمير حياتك
نهضت وواجهته بغضب وحنق
لا شأن لك. حتى لو كنت والدي لا تتدخل في حياتي.
هدر فيها غاضبا.
حياتك !! ومن اعطاك هذه الحياة. لولا اموالي لما استطعتي الصمود في نظام حياتك المترف. الذي تعيشين فيه.
صرخت وقالت.
في كل مرة تذلني بهذا الكلام. اتمنى لو لم تكن ابي. انا اكرهك اكرهك هل تسمعنى
تردد صدى الصفعة في ارجاء المكان. ووقفت تنظر الى والدها بذهول. وعدم تصديق. اما خالد تراجع الى الخلف خطوة وهو ينظر الى كفه. كيف استطاع ان يفعل هذا.
نظرت اليه بألم. وانطلقت تركض بإتجاه الباب. خرجت بسرعة وانطلقت بسيارتها. وهو مازال جامدا في مكانه
كيف استطاع ان يفعل هذا. كيف ؟.
كانت تلك اللحظة بداية الالم والمأساة. بدأت. انتهت بحالة يمنى. الان.
تنهد بقوة. والتفت على جانبه واضعا كفه تحت خده. وهو يطالع ابنته وقد تقوقعت في حضن والدتها كطفلة في الخامسة من عمرها
———————————————————————————————————————————-
نزلت نهلا الى غرفة الجلوس وهي تدندن. اغنية مشهورة. وعندما جلست. الى جانب والدتها. قالت
صباح الخيرات على احبتي عائلتي الجميلة
نظر اليها ساهر بخبث وغمز ل عمر
نهلا الجميلة. مزاجك يبدو رائعا هذا الصباح
اتحفينا بالاسباب التي جعلتك في هذه الحالة. قد تعدلين بها مزاجي ايضا
مالت نهلا بحماس على كرسيها بإتجاه ساهر وقالت
انت تحديدا. سوف يتغير مزاجك. لان الموضوع يتعلق ب الراقصة الفاتنة
قفز ساهر من كرسيه وجلس على طرف ذراع كرسي نهلا. متلهفا
ماذا. هناك. هيا هيا اخبريني.
نظر عمر اليهما بطرف عينه. وقد تسبب ذكر يمنى برجفة غريبة في قلبه. لم يستطيع تفسيرها.
قالت نهلا وهي تصفق بيديها.
لقد دعوت يمنى الى حفلة عيد ميلادي غدا. ولقد قبلت الدعوة. وصرخت بفرح وحماس.
ضحك ساهر. وقال
رااااائع. يا نهلا. ارى انك بدأت بتكوين صداقة معها
ابتسمت نهلا وقالت
هل تصدق. لم اكن اظن انها قد تكون صديقتي يوما. لانها قبل سنتين لم تكون هكذا صحيح انني من اشد المعجبات بفنها ورقصها الابداعي. ولكنني كنت اكره غرورها.
نظر اليها عمر بإستغراب. ولاول مرة منذ بداية الحوار يتكلم.
يمنى. مغرورة !!
نظرت اليه نهلا بخبث
ولماذا تبدو متعجبا هكذا. ؟
ضحك عمر محرجا.
لا ادري. قد يكون لانكم اثرتم فضولي. وانا بشر. والفضول جزء منا. اليس كذلك ؟
ورفع يداه. وهو يضحك علامة الدفاع عن النفس.
ضحكا نهلا وساهر. ولكن نظرات معن الى ولده عمر كانت عميقة. مع ابتسامة رضى.
اخيرا يا عمر بدأت تتحرك بداخلك مشاعرك التي دخلت في غيبوبة منذ وفاة ابنك
وعاد لانزال راسه مكملا قرأة الاخبار في جهازه اللوحي.
تكلم ساهر بحماس وقال
وهل هناك الكثير من المدعوين هذا العام. اما انها حفلة حصرية. ؟
تعالت قهقهت نهلا. وضربت ساهر في كتفه
ايها الشقي. تفهمني دوما. بالفعل ستكون حصريه هذا العام. فقط عائلتنا وعائلة عمو خالد. وسوف انظمها في فيلتنا على الشاطي مع ارتداء الملابس البيضاء. ما رأيك ؟
نظر عمر الي اخته بحب
دوما مبدعة نهلا. ولك لمساتك المدهشة. لولا هذا لما نجحتي كمنظمة حفلات.
قفزت نهلا على قدميها وحضنت عمر. وقبلته على خده. وقالت
انك دوما اخي المفضل.
عبس ساهر وقال بحزن مصطنع.
وانا. الست اخاك المفضل
اقتربت منه نهلا. وقرصت خده بقوة. وقالت
انت اخي العابث.
فقفر بقوة وقال
سوف انتقم منك.
فركضت بقوة وهي تضحك امسك بي. اذن. وركض خلفها ساهر.
نظرت فريدة الى عمر وقالت بهدوء ولكن بعمق
اعتقد بأنك سوف تتحمس لهذه الحفلة ياعمر. ؟ تغيير ترفه فيه عن نفسك.
نظر عمر الى امه. بحب وهو يفهم تماما قصدها.
نعم يا امي. احتاج الى هذه الحفلة. فقد تتغير امورا كثير
ونهض مودعا لوالديه. بأتجاه الخارج ليذهب الي عمله وبداخله لهفة. الى الحفلة
اخيرااا. سيلتقي بها. واخيراا قد يستطيع الاقتراب منها. واكتشاف روحها الغامضة المجهولة.
وبدات مشاعر الترقب والتوتر تتزاحم بداخله. ولكن عند وصوله مكتبه ومع دوامة الاعمال عاد ذهنه صافيا عمليا كما كان دوما عمر.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
تنهد معن وقال. اخيرا بدأ عمر يفكر بتغيير حياته
قالت فريدة بحزن. نعم. لقد انتظرت هذه اللحظة اربع سنوات
كان الالم قد لون حياته بالسواد
منذ ان مات ابنه مؤيد وهو ليس عمر الذي عرفناه دوما. ابتعلته دوامة الالم والحزن. والرفض.
قال معن بألم
لقد تأذى. كثيرا مما فعلته مها به. لقد احبها كثيرا ولكنها كانت انانية. لم تحب الا منصبه وامواله ووسامته
قالت فريدة بتفكير
الى الان لم افهم كيف لم يكتشفها عمر على حقيقتها من البداية
لقد كانت بالنسبة لنا جميعا كتاب مفتوح. نرى فيه طمعها وغرورها
وعجرفتها
اطرق معن وهز رأسه قائلا
الحب يا فريدة. الحب. لقد احبها بكل جوارحه فقد كانت اول حب في حياته. وهي كانت تلعب على اوتار مشاعره.
نعم. قالت فريدة وهي تخرج زفرة حارة من صدرها
لقد احبها احبها بجنون. ولكنه استفاق سريعا بعد زواجهم بفترة بسيطة وبدأ يرى ماكان غافلا عنه. للاسف أذاته كثيرا وأكثر ما حطمه تحرشها بساهر. الذي قتل كل مشاعره اتجاهها. لولا حملها. اعتقد بأنه كان قد وصل بحياته معاها الى طريق مسدود
وعندما اشرق مؤيد على حياتهم كان كنسمة الهواء الباردة التي انعشت روح عمر.
اعطاه وقته وحياته كلها. حبيبي مؤيد مازالت اسمع صدى ضحكاته بين زوايا منزلنا.
قال معن بغضب مكتوم.
من لحظة احضار عمر ل مؤيد ليعيش معنا وهو بعمر السنتين. عملت ان عمر قد اكتفى. وانه قرر انهاء عذابه. رغم انه لم يتكلم.
لقد كانت معركة طاحنة في المحكمة بتلك الادعاءات الكاذبة من مها في المحكمة. بأنه لا يصرف عليها ولا يتركها ترى ابنها. لقد كانت تمثيلية رخيصة. وساعدها ان القاضي السافل صديق والدها.
رأيت متى تحطم عمر وهو يسلمها مؤيد. بيديه.
وكأنه كان يودعه للمرة الاخيرة.
اخذته تلك المجرمة. ليموت بعدها بيومان غرقا في حوض الحمام بسبب اهمالها هي والمربية الفاشلة
كم كنت اود ان تدخلا السجن لتعاقبا ولكن عمر رفض. وقد مزقه الالم اشلاء. وجعل قلبه بئرا اسودا من الالم والقهر والغضب.
كم اتذكر تلك الليلة. عندما دفنا مؤيد
لقد اختفى عمر من المقبرة. بحثنا عنه انا وساهر في كل مكان فلم نجده.
حتى قال ساهر فجأة اعتقد انني أعلم اين هو. وفعلا لقد وجدناه. في غرفة مؤيد. يجلس في الظلام محتضننا. ملابسه ويرتحف كطفلا صغيرا
تدحرجت دمعة ساخنة من عين معن فشدت فريدة على يده.
قال معن شاهقا بألما.
يألهي يا فريدة. لقد تشبث بي كطفل وبكى. عمر ابني البكر بكى بقوة والم وعذاب. لقد بكى كما لم يبكي في حياته. لم اراه يبكي هكذا حتى وهو طفل. لطالما كان قويا شجاعا.
لفت فريدة ذراعها حول كتفي معن تواسيه. وتخفف عنه ذكرياته الحزينة
تنهد معن ورفع راسه اخذاً نفسا عميقا.
من اليوم التالي وعمر ليس عمر الذي نعرفه. وانما تحول الي كتلة من الحزن والالم تمشي على قدميه. مغرقا نفسه طوال السنوات الماضيه. في عمله
ثم التفت الي فريدة. باسما بفرح
انني سعيد ان يمنى اثارت انتباه. لربما هذا الاثنان عندما يتجتمعان يعالجان سويا احزانهما.
واحتضن فريدة. بحب. التي قالت له
نعم. يا معن. نعم. لكم اتمنى هذا. فكلاهما عانا. كثيرا. وقد حان وقت الفرح لكيلاهما.
ادعوا الله ان يقرب بين قلبيهما.
أنت تقرأ
الراقصة البكماء
Любовные романыجميلة شفافة مشاكسة تعشق الحياة. في لحظة ألم فقدت صوتها. وسيم جاد قوى صارم في لحظة ألم فقد احساسه. يتلاقى القلبان في دوامة العشق