الفصل الرابع

34.8K 588 20
                                    

أجتمعوا جميعاً على طاولة الطعام العريضة ، جلس "ظافر" على رأسه السُفرة بطبيعة الحال ، تجاوره والدته الذي بدى الشحوب على وجهها و رُغم ذلك رفضت تناول الغداء في غرفتها لتصرّ على أن تجلس معهما ،  و من جهة اليمين جلس "باسل" الذي قد أتى للتو بحوزة "رهف" ..

بدأوا الجميع بتناول الطعام بصمت تام ، كانت "ملاذ" تحدق بصحنها بشرود ، لا تصدق أنها تجلس في قصر ذلك الرجل بل و تأكل على طاولة طعامه ، شردت لبعيد تماماً عندما كانت تبلغ من العمر خمس سنوات ..

طفلة صغيرة تصرخ بصوتٍ عالٍ على تلك السيدة الكبيرة بالعمر ، رُغم عُمرها الذي لم يتعدى الخمس سنوات و قُصر قامتها إلا أن صوتها كان يصدح بالبيت الصغير بأكمله ، حاولت تلك السيدة أن تهدأها بكلماتها الحنونة و هي تجلس كالقرفصاء لتصبح في مستواها :
- أهدي يا ملاذ يا حبيبتي صدقيني براءة أختك هتبقى بخير أهدي ..

نفت "ملاذ" بوجهها الطفولي الذي أمتلأ بالدموع و هي تقول بطفولية بريئة :
- لا مُس (مش) هتبقى كويسة هي لاسم (لازم) تعمل عملية بفلوس كتير .. أنتِ بتضحكي عليا أنتِ كذابة !!!

ثم تركتها وذهبت بعيداً خارج البيت بأكمله ، عيناها غارقة بالدموع الطفولية ، ركضت من على الدرج غير عابئة لصراخ تلك السيدة عليها ، عيناها مُلتمعة ببريق أصرار رغم صُغر عمرها ، ولكن معالجة شقيقتها كانت أكبر من أي شئ أخر ..

قادتها قدميها الصغيرة لقصر ذلك الرجل فاحش الثراء ، لم يكُن يبعد كثيراً عن بيتها المتواضع ، وقفت أمام البوابة و رُغم الفزع الذي أعتراها عندما وجدت رجلين قويان البنية و منكبيهما العريضان و طولهما الفارع ، أعتلت ملامحهما غرابة شديدة لوجود تلك الطفلة أمام قصر متحجر القلب ذلك ، قرفص أحدهما على قدميها أمامها قائلاً بحنو :
- عايزة حاجة يا حبيبتي ؟ فين مامتك وباباكي توهتي منهم ولا ايه ؟..

هزت رأسها برفض قائلة بنبرة قوية لا تليق إلا بها :
- عايسة (عايزة) أقابل عمو اللي جوا ، اللي معاه فلوس كتير ..

رفع ذلك الشخص حاجبيه بدهشة مسطرداً :
- و أنتِ عايزة عمو في أيه ؟ تعالي أوديكي لمامتك وباباكي ..

ثم سحبها من يديها لتنفض يده بقوة ، أنفجرت في بكاء شديد ليصرخ بها الأخر بعنف شديد :
- أمشي يابت من هنا مش ناقصين قرف ع الصبح !!

نظرت له بحقد و لم تكف عن البكاء المزعج والقوي ، فمن يراها لا يصدق بأن ذلك الصوت المرتفع نابع من تلك القزمة !

ظلت تبكي الكثير من الوقت حتى أعلن أستسلامه أحد الحراس قائلاً :
- خلاص هنخليكي تقابليه ..

أبتهج وجهها سريعاً لتلمع عيناها من فرط سعادتها ، قفزت تصفق بطفولية ، صرخ الأخير محتجاً بإستهجان عما قاله رفيقه :
- أنت بتقول أيه يا مراد لو شافها سيدنا الكبير هيتعصب علينا أحنا ..

حافية على جسر عشقي - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن