حلم مشلول

190 8 1
                                    

- كان أجمل هبوط في العالم، بالرغم من أنها كانت رحلتي الأولى في الطائرة، نعم فأروع رحلة هي التي تكون نحو من تحب، كنت أول من وقف للخروج كأنني في الحافلة.
صبرت كثيرا، خفت، و هرمت من أجل هذه اللحظة، غامرت بأن أعطيت قلبي لفتاة من بلد آخر... أمسكيه عندك...، لأذهب و أكمل دراستي... عشت الجحيم لأجد عملا و لأتمكن من جمع ثروة تسمح لي أن أرفع رأسي شامخا و كلي ثقة أني قد وضعت رجلا في جنة الدنيا، خمس سنوات بين مد و جزر وسط عالم لا يرحم، و كل ما أملك هو قلب ناصع البياض يذكرني كل مرة أنني إنسان، كلماتها كان لها وقع كبير علي بالرغم من أنها من الأرجنتين، نعم، حتى المحيط لم يتمكن مني، فأنا الآن على بعد أمتار من قلبي، و دقاته تقترب و تزداد قوة مع كل خطوة، نزلت من الطائرة، إلى عالم آخر، كل شيء مختلف و غريب، أناس غرباء، لباس غريب، حتى ابتساماتهم مختلفة عن نظيراتها الإفريقية.     كالمجنون بدأت أهيم باحثا عن قلبي.
_حسنا، كل ما علي هو أن أجد لافتة مكتوب عليها اسمي، فقلبي هو من يحملها، لم أستغرق كثيرا لأجدها، نظرات حائرة و قلقة، لا تزال تنتظر نزولي من الطائرة، ازدادت قلقا عندما لم تلمحني مع آخر شخص نزل منها، و رأيتها تمسح عبرة سقطت على وجنتها، كدت أجن و أسرعت خطاي نحوها، فجأة لمحتني، لأرى القمر في عز النهار ينظر إلي نظرة تستحق أن تقطع الأطلسي سباحة لتحظى بمثلها لعشر ثوان.
سألتني مرة كيف ستكون ردة فعلك عندما تراني لأول مرة أمامك؟! حينها رددت و كلي ثقة
_لن أقول كلمة و سأترك حضنا يقول كل شيء، و هي أخبرتني أنها ستمسح دمعة من على وجهها، قبل أن تقوم بذلك...ذاك حينها، أما الآن فأنا أمام الواقع، واقع أكثر روعة مما تخيلت، وقفت مذهولا لا أستطيع الحراك أمام سحر ابتسامتها، أمام هاتين العينين اللتين تحدقان فيي، لم تنطق كلمة و أتت مندفعة إلي و حضنتني بقوة، التقطت أنفاسي و استنشقت رائحتها بكل ما أوتيت من نفس، و أنا أحس بها تنتشر في ربوع جسدي، و لا أريدها أن تخرج منه أبدا، رفعت رأسها و نظرت إلي، لأول مرة أرى الحب، كنت أضحك من قباني و جبران، لكن الآن ربما أنا أرى ما رأياه، ما عاشاه و ما فقداه.
_مرحبا...اتسعت حدقتا عينيها و ردت بابتسامة خير من ألف مرحبا...
_أحب...لم أكد أكملها، حتى اهتزت الأرض من تحتنا، لم أفهم شيئا، ما الذي يحدث!، دوي مريع آت من بعيد، التفت لأرى الأرض تلتهم الطائرة التي أتيت على متنها، الجميع يجري و يصرخ، و الإنفجارات في كل مكان، و من بعيد الأرض تنشق و تبتلع الجميع، و هي قادمة نحونا، لم أكد أصدق عيني، أو حتى الأرض لا تريدني أن أحب!!، شعرت بغضب عارم عوض الخوف، و لم أرد الهرب، و لا قلبي أراد ذلك أيضا، تشبثت بي بقوة و أغمضت عيني، منتظرا دورنا لتبتلعنا الأرض، سنموت معا، خير من الهرب...
بعد ثوان هدأ توقف دوي الأرض، وركح اهتزازها، فتحت عيناي، ورحت أهيم ببصري يمنة ويسرة، أين الجميع؟! لم أنا في الفراش! ولماذا  أضم الوسادة عوض حبيبتي!...تبا، الأرض التي كانت تبتلع كل شيء كان الهاتف اللعين الذي يهتز عند أذني. إنه حلم آخر من أحلام الإقامة الجامعية، يبدو أنه علي الرجوع عند الراقي للمرة الرابعة، أفضل اليد التي كانت تخنقني كل ليله على أرض تبتلعني وأنا أضم الوسادة...

فلسفة شخص عاديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن