حكمة مقهى

88 5 11
                                    

قمت متثاقلا كالعادة، سأتوجه لمقعدي في الجامعة، بعدها في المساء سأتوجه لمقهى أرتشف حليبا، إذا كنت مع أصدقائي فسأدعي الإهتمام بالمواضيع التي نتبادل الحديث فيها...أما إن كنت وحيدا، فسأبحر في محيط توقعاتي حول مستقبلي المجهول، أحيانا أغرق ، وفي أغلب الأحيان أستغفر الله مرددا لا شيء من هذا حدث...لست كغيري، لا أهتم بمن حولي، ليس لأنني أملك ما يستحق الإهتمام أكثر، ولكن العكس تماما، أتمنى من أعماق قلبي الذي يشارف على الموت أن أبتسم أو أضحك أو حتى أن أحزن دون أن أدعي ذلك، فنفس الإنسان لا تحتمل التناقض بين ما هو داخلك وما تريه للناس، أن تعيش بحمل مشاكل لا يعلمها إلا أنت صعب للغاية، خصوصا إذا عجزت عن وصفها في حال طلبت المساعدة.
كنت في نهاية مساري الدراسي، عامي الأخير، الذي لم أكن أتوقع أنه سيكون كيفما جاز، ولم أتوقع أبدا أن يكون مليئا بالخيبة والألم لتلك الدرجة المروعة، لدرجة أنني فكرت في الإنتحار أكثر من مرة، لكن من شدة تشاؤمي أنني لن أنجح في ذلك كعادتي، أقلعت عن الفكرة.
المشكلة كانت أعقد بكثير مما تصورت، وكانت بكل بساطة أنا.
لست أدري ما يحدث معي، أحاسيس غريبة، وأفكار أغرب، يحدث معي عادة أنني أشعر بأن جسدي هذا لا يعود لي، وفي كل مرة أتعرف عليه في المرآة، وأحدق جيدا في تفاصيل وجهي وأكتشفه كل صباح، أما ابتسامتي فهي أغرب، أشعر بأنها وجب أن تكون أجمل وأفضل وأكثر تعبيرا عما بداخلي، لكن ربما هي أكثر صدقا، من يدري؟!
اكتشفت أن وضعي النفسي سيء للغاية بعد تحصيلي للبكالوريا، وقبل تخرجي بعامين خرج ما بداخلي للعلن، أي أن الكأس قد فاض عن آخره.
اختلط حابلي بالنابل، اختلط الإختلال النفسي مع مس الجن، والاكتئاب مع الرهاب الاجتماعي، فلم أدر هل روحي مصدر المرض أم شيء في جسدي لم يخرج ويعطن إشارة لأدق ناقوس الخطر وأعلن حالة استنفار.
في العشرينيات من العمر ستختلط عليك الأمور كثيرا، ستكون بين سندان الأحلام، التوقعات والآمال ومطرقة واقع يجر بيدك عكس تيارك، ويأخذك بعيدا عن مسارك، وفي بعض الأحيان يرمي بك في منطقة لا رياح فيها، ولا اتجاه...
لكن ما سبب كل هذا!...كانت هي السبب طبعا...(يتبع)

فلسفة شخص عاديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن