عادت إلى غرفتها ومازالت نشوة الانتصار تدغدغ قلبها ، كم شعرت براحة عظيمة وهي تصرخ في وجهه وتغلق الاتصال في وجهه ، جلست على سريرها واضعة رأسها على وسادتها ، ما زالت أفكارها تحوم حوله وحول ردة فعله الآن على ما فعلته به ، ارتسمت ابتسسامة ناعمة وهي تتخيل التقطيبة المخيفة المرتسمة على جبينه ، لم تكد تره طوال فترة زواجهما بلا تقطيبة ، إلا عندما .. إلا عندما .. سحبت نفساً مرتجفاً وهي تشعر بقلبها يرتجف إنفعالاً مع الصور المتلاحقة التي انطلقت بزخم عالي وبتسارع مبالغ به في عقلها وكأنها كانت تنتظر اللحظة التي ستسمح لها ماسة بالانطلاق بعدما كانت محتجزة بإصرار خلف سدٍ من الكبرياء ما جعلها على وشك الانفجار .. منعت نفسها طوال الأيام الفائتة من استعادة لحظة واحدة من ليلتها برفقته ، لكنها الآن ، ارتجفت شفتيها توتراً وهي تفكر لكنها الآن تشعر بحاجة ملحة لاستعادة الأحداث خاصة و أن صدى صوته الأجش وهو يهمس قرب أذنها بذوبان "ماستي" مازال واضحاً ومتعلقاً بذاكرتها وكأنه لا يزال يردد همسته الأبحة حتى الآن !
حركت رأسها يمنة ويسرة وكأنه توقف سيل أفكارها ، إلا أن صورته وهو يميل ناظراً في وجهها وذراعاه تلتف حولها بتملك مقرباً إياها منه قبل أن يقبّلها بشغف ، جعلتها تتنفس بتسارع ، كل شيء فعله أثر به حتى الأعماق ، هي مدركة لذلك كل شيء عنى لها صك ملكية سلمته إياه وهي تعد نفسها بسعادة منتظرة ، يده على عنقها وهو يرفع وجهها نحوه كي يشبع جوعاً أيقظ عالماً من الأحاسيس في داخلها ، لمساته المرتعشة ، حتى الطريقة التي وضعها بها على سريره في بداية الأمسية وميلانه نحوها مستنداً على مرفقه مستلذاً بقبلاته لها بينما يده الأخرى تخلصها من حذائها أولاً وفستانها ثانياً ! انتفضت خجلاً للذكرى ، و انتفض قلبها ألماً لأن كل ماحدث لم يعنِ له شيئاً ، كيف يمكن لرجل كاد أن يلتهمها ليلاً مرتين أن يطردها من منزله صباحاً ، كيف يمكن لرجل شعرت أنها منحته سعادة عظيمة أن يقصيها عنه كصندوق مهملات ؟ أوشكت أن تبكي وقد حطمتها الذكرى لكنها انتفضت جالسة بعنف من الرعب عندما سمعت باب غرفتها يفتح بقوة شديدة و والدها مبتسم وهو يقول :
- والله شكله هالجمال عامل عمايله بابن الناصر ، قال بده يطلق قال ، ثلاث أيام ومش قادر على بعادك فيهم ، قومي اطلعي لزوجك هيو برى !
فغرت فاها صدمة لكنها اغلقته وهي ترى نظرة والدها الغير راضية على انفعالاتها المستهجنة والمستنفرة لقدومه ، اقترب منها أكثر وقال :
- قومي تحركي بستناكي برى ، صرلي أكتر من نص ساعة قاعد معه !
هذه المرة اتسعت عيناها ، إنه هنا منذ فترة ، ما يعني أنه بعد إغلاقها للهاتف توجه فوراً نحو منزل والدها ، تولد رفض عنيف بداخلها لملاقاته أو الحديث معه ، تمنت لو تخبر والدها ان يطلب منه الرحيل صفر اليدين ، لكنها كانت تعرف جيداً أنها إن فعلت فسيرى مصعب مشهداً درامياً يزيدها ذلاً هي بغنى عنه ، كانت على وشك أن تبدل ملابسها عندما قال والدها :
- غيري أواعيك بسرعة وإلبسيلك شغلة مرتبة وحلوة خليه يعرف يتطلع فيك !
زمت شفتيها وقد قررت أن لاتبدل ملابسها فقط تمرداً على كلمات والدها وكأنه يريدها أن تعرض بضاعتها في أحسن صورة عله يبدل رأيه ! أومأت لأبيها موافقة وهي تقول :
- ماشي ، هو قاعد بغرفة الضيوف لحاله صح ؟!
أومأ لها والدها موافقاً وهو يغادر الغرفة مغلقاً الباب خلفه ، تسللت من بعده فوراً ، كي تخرج من باب المنزل الخلفي وتدور حول البيت كاللصوص مباغتة مصعب بدخولها من باب غرفة الضيوف الخارجي حيث بوابة المنزل الرئيسية ، ما إن دخلت حتى شعر بشيء داخله يشتعل ، نعم شعلة الحياة التي كانت ميتة بداخله عادت لتشتعل ببطء ما إن وقعت عيناه عليها ، ارتفع حاجبه بغيظ وهو يدرك أنها كانت في الخارج بقميص نومها القطني هذا والذي كان بأكمام قصيرة بالكاد تعدت الكتفين وبالكاد غطى الركبتين رقيقاً يرسم معالم جسدها بإيحاء مثير ، هذه المرة كان مرسوم عليه دب صغير يحتضن وسادته وهو دامع العينين ، ارتفعت نظراته نحوها ليقترب منها وهو يقف بشكل مباغت ويقبض على ذراعها بعنف يجرها نحوه وهو يقول من خلف أسنانه المطبقة :
- بتسكري الخط بوجهي ؟!
نفضت ذراعها بقوة شديدة من قبضته وهي تقول بعنف مشابه لعنفه :
- إياك تلمسني !
ارتفع أحد حاجبيه بلؤم وهو يتأملها وقد أعجبه موقفها الحاد منه و زاد شعلته الداخلية توقداً ، لكنه قال بنبرة استخفاف مستفزة :
- تجاوزنا مرحلة اللمس بكتير ..
أنهى جملته بضحكة متحدية جلبت الدموع لعينيها ، نعم هي الخاسرة في مواجهتها معه ، لأنه سيذكرها بمدى الإذلال الذي تعرضت له على يديه ، لكنها قاومت دموعها كالمعتاد ورفعت رأسها بإباء وهي تقول :
- شو رأيك تحكي إلي جاي عشانه وتخلصني ؟!! ولا يمكن خلصت لأنو أتوقع جاي تخانق عتسكيرة الخط !
رأته يقطب بتركيز شديد وهو يقترب منها ببطء ، بينما تحاول أن تتراجع لكن مائدة الطعام الضخمة خلفها أوقفتها ، أوشك أن يلتصق بها وهو يمد يده لياقة قميص نومها ويبعده بعنف عن عنقها ، و دون أن تحتاج للتفكير ارتفع كفها بسرعة شديدة يغطي الكدمات التي نسيت أمرها تماماً وتعرف جيداً أنها ما لفت نظره ، أرعد قرب أذنها وقد فشل في رؤية عنقها لأكثر من ثانية واحدة فقط :
- إبعدي إيدك !
حاولت أن تدفعه بيدها الثانية بقوة كبيرة لكنه لم يتحرك بل استغفلها وهو يرفع يدها عن عنقها ويقبض باليد الأخرى على القبضة التي تدفعه بها ، ضم رسغيها في قبضة واحدة وهو يرفعهما فوق رأسها ، وبيده الثانية كان يبعد الياقة كي ينظر إلى الكدمات بتأنٍ و وضوح ، شعرت بالضعف .. بالذل.. بالإهانة ، داهمها الحزن وعقدة الإشفاق على الذات ، تمنت لو أنها كانت شيئاً أكثر قوة و إرادة من مجرد أنثى تافهة يحركها الذكور كيفما يشاؤون ، التصاق جسده بجسدها كان يحرجها ويضغط عليها خاصة مع احتباس ذراعيها في قبضته المتوحشة كان يتأمل كل إنش فيها فيها باحثاً عن المزيد حتى التقطت عيناه ذراعها الأيسر ليرى بقع صفراء مزرقة في أكثر من موقع! سمعته يتنفس بصعوبة وهو يبتعد عنها ويحررها لتفاجؤه وهي تنفجر بالبكاء لأول مرة أمام عينيه ، لم يرها باكية ليلة زفافها رغم هول الصدمة التي وضعها بها ، لم يرها باكية في أي من مواجهاته التي تعمد أن يهينها فيها ، ولم تبكِ أيضاً عندما طردها من منزله وهو يعدها بالطلاق ، لكنها الآن تنهار في بكاء يهز الحجر ، لأنه يشعر بقلبه يهتز مع كل تنهيدة خافتة تفلت منها ، لم يكن بكاؤها صاخباً مجرد دموع غزيرة تخفيها بكفيها اللذان يغطيا وجهها ، وتنهيدات حارة تنفلت من بين شفتيها بين لحظة و أخرى ، شعر ببركان من الغضب بداخله وهو يستشعر ضعفها ، ذلها وهوانها ، كره ذاته وكره والدها لأنه يراها تمر وهي إمرأة بما مر به هو كطفل ، تفجر الغضب بداخله لأنها تتعرض للضرب ، يا إلهي لقد كان ينفجر غضباً إذا ما ضربه أحد ما وهو صغير فما بالك بإنسانة بالغة عاقلة ينهال عليها والدها ضرباً ، نفث ناراً من بين شفتيه وهو يتجه إلى باب غرفة الضيوف المطل على المنزل ، رأت حركته وعرفت ما ينوي عليه ركضت نحوه رامية نفسها على الباب قبل أن يفتحه وهي تقول غير آبهة بالدموع التي تغرق وجنتيها :
- وين بدك تروح ؟!
كانت منهارة تماماً رأى ذلك في نظراتها وصوتها المتهدج ، همس بانفعال :
- بدي أحكيله شو رأيي بالزبط برجال بضرب بنته وهي صارت ست متزوجة !
أبعدت عينيها عن نظراته وهي تقول كاذبة :
- ما ضربني .. أنا .. أنا .. كنت بساعد .. ماما بالغسيل وما انتبهت إنو في مي وصابون على الأرض وتزحلقت !
أنت تقرأ
سلسلة النشامى/الجزء الثاني/أسيرتي في قفص من ذهب
أدب نسائيالحقوق محفوظة للكاتبة المتأنقة لولا سويتي