الفصل الثامن عشر

12K 269 3
                                    

وقفت أمام الباب وهي ترتجف من مواجهته بعدما أفلحت في إغضابه بكلمة واحدة فقط ، سحبت نفساً وهي تقوي من عزائمها قبل أن ترفع يدها وتطرق الباب ، وصلها صوته : 
- تفضل 
فتحت الباب ودخلت التقت نظراتهما للحظة قبل أن ينحي بوجهه عنها وهو يتابع ما كان يفعله بالنظر من النافذة التي كان يقف قبالتها مكتفاً ذراعيه بهدوء ، اقتربت منه قليلاً لكنها توقفت وهي تتأمل ظهره ، صمته ومواراته لوجهه عنها لا يساعدها ، قالت بصوت ضعيف : 
- عز الدين .. أنا .. آسفة .. والله أنا ماكان قصدي إنو ما بدي أكون معك .. أنا بس بأجل شوي عشان امتحاناتي ! 
لم يلتفت نحوها ولم يحرك ساكناً لكنها سمعته يسحبنفساً ويزفره ببطء وكأنه يصبر نفسه على ما يسمعه منها ، اقتربت أكثر حتى وقفت بجواره تقريباً ومالت كي تنظر إلى جانب وجهه وحاولت مجدداً : 
- يا عز إنك تفهمني والله أنا مو متحملة يكون في مشاكل بيناتنا .. بس عن جد ما بقدر أروح هلأ على بيت أكون مسؤولة عنه بنص امتحاناتي ! 
التفت يحدجها بنظرة عتب ، فيها لوم كبير قبل أن يهمس بغير اقتناع : 
- ماشي ..
اتسعت عيناها قليلاً وسألته بعدم فهم : 
- ماشي شو ؟! 
ابتعد عن النافذة وهو يحرر يديه ويقول ببرود شديد ضايقها : 
- ماشي يعني متل ما بدك .. بس تكوني جاهزة إبقي خبريني ! 
تأملته للحظة وهو يتجه نحو مكتبه الموضوع في طرف غرفته الواسعة بينما يصلها همسه : 
- يمكن ساعتها أنا أكون مش جاهز .. 
وقفت أمامه بصورة فاجأته وهي تسأله بقوة : 
- يعني إنت هيك شايف الشغلة بس تحدي وتبادل أدوار ؟! 
نظر في عينيها بشكل مباشر وهو يقول بصوت أخافها بقوته وإنفعاله : 
- والله مش أنا إلي هيك شايف الموضوع .. إنت إلي هيك شايفتيه .. وإلا كان من شهر ولا اكتر نحنا ببيت واحد بدل لعبة الغرام والانتقام إلي صرلنا شهور بنلعبها ! 
دفعته في صدره وقالت بضعف : 
- يعني غير تيسة وتافهة ما بدك تشوفني ؟! 
تبدلت ملامحه من فوره ليكسوها الكثير من الندم والحنان وهو يخرج انفاسه بصعوبة من بين شفتيه ويهمس : 
- هو أنا صاححلي أعمل شي غير إني أتفشش فيك .. لو بدي أعاملك زي ما أنا شايفك أو زي ما بشوف حياتنا سوا كان أخدتك خطيفة عبيتنا .. خلص زهقت بدي بيتي ومرتي .. بدي أجيييييب ولااااد !! 
أنهى كلماته بينما يده تحتضن عنقها وجبينه يرتاح على جبينها بينما هي تلتصق فيه بضعف و بدعوة لم يفهمها وهو يبتعد عنها كالملسوع ويقول لاهثاً : 
- روحي على غرفتك نتالي بسرعة ! 
شعرت بخيبة أمل وهي تتمنى لو تهزه كي تخبره كم هو غبي ، لكنها ابتعدت بصمت ، بينما سبقها هو نحو باب غرفته ليفتحه ويخرج وكأن المنزل وما فيه لم يعد يحتمل غليان صدره ومشاعره! 







توترت وهي تراه ينظر إليها مجدداً بتلك الطريقة ، وكأنه يخطط لاصطيادها في أقرب فرصة ممكنة ، تلاهت عنه بالنظر إلى ديكورات المطعم الخلابة رغم بساطتها ، ما زالت متوجسة من انتقائه لمطعم برج الحمام في فندق الانتركونتننتال ، هل هناك رابط ما بين العشاء وتوافر الغرف في ذات الموقع ؟! 
نظرت إلى ساعتها للحظة قبل أن تجلي حنجرتها وتقول بتوتر طفيف : 
- شو رأيك تتصل تتطمن على زيدو ؟! بلاش يكون غلب خالتو ؟! 
ارتفع أحد حاجبيه بذكاء وهو يقول بعفوية : 
- خالتو بتدبر أمورها مع زيد منيح ، وتخافيش عليهم لو غلبهم عطول رح يحكو .. إنت شو رأيك تركزي معي وتبعدي زيد شوي عن تفكيرك بس لمدة نص ساعة ؟! 
نظرت إليه وابتسمت برقة وقالت : 
- المكان كتير حلو خالد .. والأكل كتير طيب ! 
اقترب النادل لرفع الأطباق الفارغة ، بينما نظرات خالد تحوم حولها بطريقة غير مطمئنة ، قال أخيراً بصوت متحشرج : 
- عن إذنك بس بدي أروح أغسل إيدي ! 
أومأت له وهي تحاول أن تتذكر بماذا لوث يديه وقد تناول طعامه كاملاً بالشوكة والسكين ؟! احمرت قليلاً وهي تفكر ، ربما احتاج أن ينفرد بنفسه وأعطاها هذا العذر الأخلاقي حفاظاً على ماء وجهها .. هل يشعر بالتوتر من وجوده معها بعد غياب كما تشعر هي ؟! 
رفعت رأسها بسرعة وهي تسمعه يقول بينما يجلس في كرسيه : 
- آسف إذا تأخرت عليك ! 
ابتسمت له وهي تشير برأسها علامة النفي لتجده ينظر إليها بذات الطريقة و كأنه سيلتهمها بعينيه ، همس لها : 
- يلا ؟! 
استغربت استعجاله .. أين ذهب ذاك الرجل الذي يريد قضاء الوقت معها دون أن يشغل تفكيرها أي شيء ! ضمت حاجبيها وسألت : 
- اتصلو أهلك إشي عشان زيد ! 
قبض على كفها وهو يشدها إليه وهمس بينما ذراعه تحيط خصرها بتملك رجولي عفوي : 
- ما قلنالك ركزي معنا شوي .. زيد مبسوط وبيلعب ومو سائل عن حد .. ترى هو بس بخاف من الناس الغريبة عليه لكن أول ما يتعود عليهم بسلك معهم تنسيش إنك بتاخديه على حضانة وماشية أموره فيها فهو متعود يقضي وقت بعيد عنك شوي ! 
ارتسم الرعب على ملامحها بطريقة أفزعته ، هل ظهر كلامه و كأنه يخطط لسرقة زيد منها أم أن هذا منحى تفكيرها الذي ظهر وبان واضحاً في ملامح الرعب التي ارتسمت على محياها ، تنحنح وهو يسمعها تقول بصوت أجوف : 
- شو قصدك بقضي وقت بعيد عني ؟ وبدبر أموره مع غيري ؟! 
حرر خصرها وهو يرفع أنامله نحو شعره الكثيف والناعم ، ترى متى ستثق به كما يجب ؟! أجابها ببرود : 
- قصدي واضح إنو هو لو قضى ساعة مع أهلي ما رح يصير معه إشي .. بس ونقطة وانتهى الموضوع .. أفكارك إلي بتروح وبتيجي لأماكن غريبة ما في داعي إلها ! 
شعرت بالخجل من نفسها لكنها أدركت بذات الوقت أنه يقف أمام المصاعد طالباً أحدها ومنتظراً لوصوله ، كانت على وشك الاعتذار منه عندما فغرت فاها وهو يدخلها إلى المصعد فالتفتت نحوه وسألت : 
- نحنا وين رايحين ؟!! 
تأملها للحظة بقمة الجدية ، لكنه ما لبث أن ابتسم لتتحول ابتسامته إلى ضحكة وكأنه لم يعد يحتمل التظاهر ، ضمت حاجبيها مجدداً فرفع يده نحو جبينها يمسد تقطبيته وهو يقول : 
- مشان الله بكفي تكشري .. كل شوي بلاقيك عاملة 111 بين حواجبك بقول بسم الله بشو عم بتفكر ؟!! 
ارتفع حاجبيها في محاولة لفض اعتصامهما في منتصف جبينها وقالت بحنكة : 
- عم بفكر وين ماخدني ؟! 
تأمل المصعد حوله وهو يقول : 
- المشكلة بهالمصاعد إنها مراقبة بكاميرات و إلا كان استغيلت وداعتك بهاللحظة .. وين ماخدك يعني على غرفتنا ؟! 
شهقت واحمرت بشدة فلم تكن تتوقع أن يتطرق للموضوع بهذه الصراحة والوضوح ، اختار المصعد أن يفتح أبوابه في تلك اللحظة ، ليجرها خالد على عجالة خلفه وهو يتجه نحو الغرفة المقصودة ، كانت تهرول وراءه ورغماً عنها تشعر بجمال اللحظة وتميزها ، وعرفت أنها ستتذكرها لسنوات طويلة قادمة ، فتح الباب بالبطاقة الالكترونية التي بحوزته و أدخلها قبله مغلقا الباب دونهما ، اتجهت تلقائياً في الممر الصغير نحو الغرفة الصغيرة التي بانتظارهما شعرت بالخجل من فكرة ما سيفعلانه هنا ، التفتت كي تذكره بأنها تخجل من مواجهة الجميع بعد هذه الليلة ، لكنها توقفت معقودة اللسان أمام مشهد خالد بقميصه المفتوح بشكل كامل والمحرر من دائرة بنطاله و صدره الظاهر من ورائه وقد بدا متحفزاً للانقضاض عليها في أية لحظة ! 
تراجعت إلى الخلف رغماً عنها وهي تقول : 
- ياربي أنا شو جابني معك .. والله إنك مجنون .. وين أروح بحالي منك ! 
ضحك بتلاعب والمكر يقفز من عينيه وهو يقترب ببطء مدروس منها وعقله الفذ يحسب بعدها عن السرير و موقعه المميز خلفها تماماً بينما أجابها : 
- إن تسيبي حالك إلي و أنا بعرف بالزبط وين أروح فيك ... عندي سلسلة أحداث مميزة إلك ! 
ارتفعت يدها على ثغرها تغطي شهقة الخجل التي أفلتت منها لتغمض عينيها بوجل وهي تقول بتوتر شديد : 
- يا ربي .. والله إنك بتخوف .. حاسة حالي بقفص مع أسد ! 
ضحك ملئ شدقيه لينهي ضحكته بزمجرة أسد وهو يتلقف خصرها أخيراً بوحشية جعلتها تفتح عينيها برعب لتجده يتأملها ويهمس : 
- يااااه يا ريم شو زمان .. خايف يوقف قلبي من الفرحة .. معقول رح تكوني مرتي وبين إيدي من جديد ؟! 
ذابت عيناها حناناً وهي تضع يدها على فمه توقف كلماته وتهمس : 
- اسم الله على قلبك لا تقول هيك .. بعيد الشر عنك حبيبي ! 
توقف عن الحركة وهو ينظر إليها بلحظة صمت ليهمس لها بصوت متحشرج بعد ثوانٍ : 
- بالله تعيديها ! 
لم تتظاهر بعدم الفهم ، بل رفعت ذراعيها تحيط بعنقه وهمست بمشاعر جياشة طال كبتها وحبسها و مقاومتها لها :
- حبيبي .. وحياتي .. و أنا ضعت من غيرك ! 
تهدجت أنفاسه بعشوائية جديدة عليها شعرت بذراعيه تعتصرانها على جذعه وهو يقول بقوة وعنف وبصوت هامس : 
- بحبك .. بحبك ... وبدي إياك ! 
كانت هذه آخر كلماته قبل أن تفقد ريم الاحساس بكل شيء حولها وهي تغيب في حلم وردي يحيكه خالد حولها ببراعة ! 






سلسلة النشامى/الجزء الثاني/أسيرتي في قفص من ذهب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن