الفصل الثاني

204 11 2
                                    

كان للسيدة عفيفة ولدٌ اكبر من آسيا يُدعىٰ أدريس أفندي، متزوج ولديهِ طفلان ويعيش بالقرب من منزل والدتهُ في محلة قنبر علي، يقضي اغلب وقتهُ في مقهىٰ النقيب يشرب الشاي ويلعب الطاولي والدومينو.
في صباح اليوم التالي توجهتُ لتلك المقهىٰ، كان من المستحيل الجلوس فيها وسط أهالي الحي لأن الجميع هُناك يعرفني لذا بقيتُ بعيداً أراقب المكان، حيثُ كان أبو حِكمت القصخون (حكواتي المقاهي) يجلسُ على كُرسيهِ وهو يروي قصة عنترة بن شداد وحكاية حبه لأبنة عمه "عبلة"، والذي تقدّم لخطبتها مراراً لكن عمه رفض أَن يُزوّج ابنته لرجل أسود!
أَكثرَ عنترة من التغزل بابنة عمه عبلة بأشعارهِ حتى تناشدت بها العرب، حتى قرر عمه أمّا أن يقتلهُ أو يقتل ابنته...
ولا تزال النهاية مُبهمة، فجانب من العرب يقول إنه تزوجها وعاشا سعيدين، وجانب آخر يقول إنه لم يظفر بها، وفي كلا الحالتين عنترة بن شداد إلى اليوم يُذكَر لإنه شجاع، قوي، ومُحِب، ولولا عبلة لما ألّف مُعلّقتهُ، ثُم ختم أبو حِكمت قصته بـابيات شعرٍ لعنترة:

إِنَّ طَيفَ الخَيالِ يا عَبلَ يَشفي ...
وَيُداوى بِهِ فُؤادي الكَئيبُ
وَهَلاكي في الحُبِّ أَهوَنُ عِندي ...
مِن حَياتي إِذا جَفاني الحَبيبُ

ثم استدرك أبو حِكمت قائلاً :
"إذا أحَبَ منكم ذات يوم أحداً، فليُحبه إلى آخرهِ، إلى بقية حياتهِ، حتىٰ إذا لم يظفر به، ليكن سعيداً لسعادتهِ و ليأخذ النفع مِن ذاك الحب، فـعنترة اصبح شاعراً خالداً، لا اقول أنت أيضاً كُنّ شاعراً، لا... بل علىٰ الأقل فليقل الناس عنك... كان شجاع... شجاعٌ في حبه... كان يُحِب بقلبه... كُنّ خيرَ مثالٍ للحُب".

والصدفة إن عنترة يُشبهني، كُنتُ قوياً حين أحببت، ذات مرة وقفتُ أمام أبيها وقلتُ لهُ: أحبُ إبنتكَ أكثر مما تُحبها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

والصدفة إن عنترة يُشبهني، كُنتُ قوياً حين أحببت، ذات مرة وقفتُ أمام أبيها وقلتُ لهُ: أحبُ إبنتكَ أكثر مما تُحبها.
اذكر حينها أحمّر وجه أبيها كالثور الغاضب و صرخَ في وجهي:
- يا فتى... لا تجعلني أقتلكَ في بيتي... أخرج...
- ألم أقل لكَ إنني أحبُ إبنتكَ اكثر منكَ!
- حقاً! وكيف ذلك؟
- لأنني اعرف ما يسعدها، هل فكّرت مرّة أن تسألها ماذا تُريد؟ ماذا تتمنىٰ لبقية حياتها؟، لم تفعل... أما أنا... فوالله لو كُنتُ اعلم إنها لا ترغب بي بمقدار شعرةٍ لما كنتُ هنا رغم عشقي لها، ولو كانت إبنتي كنتُ سأجعل كل مَن يتمناها يأتي أمامها وهي التي تُشير بأصبعها لتختار، لأنها إبنتي... سعادتها فوق كل شيء.
ولكنهُ كما قُلت كان ثوراً لا يفهم الكلام.

برائتي و الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن