الفصل الثالث

164 8 4
                                    

ليندا تِلكَ السيدة اليهودية يبدو إن إدريس أفندي ليس الوحيد الذي يتردد عليها، كان هُناك شاب يصغرها بقليل يأتيها بين الحين والأخر، عَرفتُ ذلك بعد أَن وكلّتُ بدر بمراقبة منزلها.
في اليوم التالي و بعد أن جاءَ ذاك الشاب خرجا سوياً، ماكان علينا أنا و بدر سوىٰ اللحاق بهما حتىٰ وصلا إلى منزلٍ صغير، استغرقَ بقائهما فيهِ الصباح كُله حتى العصر، بعد أن خرجا وابتعدا عن المنزل نزلنا أنا و بدر من السيارة متوجهين إلى ذلك البيت...
كانتْ البابُ قديمةً جداً لِدرجة إنَّ دفعةً واحدةً بعصاي قد فتَحَتها، دخلنا إلىٰ البيت الذي كانَ مُظلمٌ في أغلب زواياهُ، حيثُ إنَّ أشعة الشمس تهربُ من ثقوب البابِ لِتُنير -بشكلٍ خافت- المكان.

بدا المنزل لا يسكنهُ أحد حيثُ هادىء و ساكن كُل ما فيهِ، كانتْ هُناكَ باب صغيرة مُغلقة في الوسط، قامَ بدر بِفتحها و إذا بعجوزٍ مُمَددة علىٰ السرير!
فَزعتْ حين رأتنا قائلة:
- أرجوكما... لا تقوما بأذيتي، أنا مريضة مُقعدة وليس لي ضرر علىٰ أحدٍ، إن أردتما المال فهذا كُل ما أملك...
أَخرجَتْ كيساً من تحت الوسادة يحوي علىٰ بعض دراهم...

قالَ لها بدر:
- لا تخافي نحنُ هُنا ليس لأذيتكِ، فقط نودُّ سؤالك عن الشاب والفتاة اللذين خرجا قبل قليل، ما شأنهم عندكِ؟
أجابتْ العجوز:
- هؤلاء ولداي، لا يعيشون معي بسبب اشغالهم هُناك، يأتون لي بالعلاجِ والأكل كُل يوم، إنهم طيّبين...

يا ألهي!... هل كُنّا نظنُ السوء بـليندا وذلك الفتىٰ بينما هُم هُنا لزيارة أُمِهم!

الجميع لديهِ أسرار و غالباً تلكَ الأسرار هي هويتهم، لذلك حينما ينكشفُ سرّهم تعرفُ حقيقتهم.

في قصة حُبِّي الكبيرة... أتذكرُ كُنتُ اعبرُ من سطح منزلنا إلى سطح منزل "سُميّة" لنلتقي هُناك فجر كُل يومِ جمعة... كان ذلك المكان سرّنا، تحت سقفٍ خشبي وضعهُ أباها لحماية أقفاص دجاجهِ...
ذات مرّة كان المطر يهطلُ بقوةٍ والبرد شديد يُصعِق العظام و يُمرِض الجسد، لكنّي كُنتُ بحاجة لأراها، كانت هي دفئي وأماني وسقمي ودوائي...
إنتظرتها حتى بَلغَ الصباح و طَلعتْ شمسُ الأصيل وانتهى المطرُ و بدأ الدجاج بالنقنقة و الديك بالصياح...
يأستُ من مجيئها و هممتُ بالرجوع و لكنها أتتْ قبل أَن أعبرُ حائط بيتهم، مِن فرحتي حظنتها و قبّلتها...
كانت تلك أول قُبلة، فعلتها دون قصد بعد إنتظاري لها لساعات في ذلك المكان، قالت سُميّة لي:
- هل تبقىٰ سِرٌّ بيننا؟
أجبتُها:
- ذلك الديك رآنا، و تلك الدجاجة لا زالت تنظرُ إلينا، لا يبدو السرُّ سِرّاً هُنا...
ضَحكتْ سُميّة وقتها و لا تدري إنها سرّي الكبير.

لكن حين انكشفَ سِرُّنا و عَلِمَ أبوها بلقائنا لم يتهاون في تزويجها لرجلٍ غني من وجهاء بغداد...
سمعتهُ يقول لها مرّة إن سعادتها ليست معي بل مع ذاك الرجل الذي يكبرها بسنوات!
سِرُّ أبيها كان هو طمعهُ بنفوذِ ذاك الرجل و ليس سعادة ابنته.
هي الان مُتزوجة ولها طفلان و لكنها ليستْ سعيدة، عَرفتُ ذلك حين عَلِمتُ إن ابنها الاكبر اسمهُ آدم ...على اسمي.

برائتي و الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن