🐚🐠الفصل الأول 🐠🐚

29.4K 1.6K 59
                                    

الفصل الأول:

مسح طاهر قطرات العرق المتكونة على جبهته السمراء التي لفحتها الشمس أثناء عمله، وتنهد بإجهاد وهو يلملم خيرات البحر ...الذي صادها لتوه...

غطت خيوط الشمس اللامعة مدينة الإسكندرية فمنحتها جمال مختلف عن باقي المدن، ورغم حرارة الشمس اللاهبة فقد اعتدها أهلها بشكل طبيعي وراضي، خاصه صيادي الإسكندرية.

نظر للأسماك قائلا ببحه خشنة راضيه:

-الحمد لله الذي رزقنا من حيث لا نحتسب.
ردد الحمد الذي علمه إياه جاره الحاج محمود والذي علمه أيضا الصيد منذ الصغر ...مشكوراً...

خلل أصابعه الي خصلاته الغزيرة المبتلة كذلك بفعل رذاذ البحر، وهو يشرد بأمواج البحر الأزرق أمامه.

شارد في مستقبله الذي صار يخط ملامحه بوضوح بعد شقاء سنوات جميعها بالبحر بين الصيد في الصباح والعمل على "معديه" صغيره بشراع متوسط، ينقل الناس بها من مكان إلي أخر.

تنهد ببطء ...كم أرهقه البحر....وانهكه كثيرا

رفع جعبة السمك على كتفه العريض وسار بها بضع خطوات، ولكن أوقفه من جديد رنين هاتفه في جيب سرواله الجينز الباهت والمبتل بماء البحر المالح.

مسح كفه الكبير الأسمر على ملابسه قبل أن يمدها لجيب سرواله، ليجذب الهاتف الصغير إلي أذنه ما أن علم هوية المتصل ليقول:
-أيوة يا ريس .. كنت لسه هكلمك، انا جايلك بالسمك دلوقتي، أنت وصلت حلقة السمك ولا الصبي بتاعك اللي موجود؟
ليجيبه الطرف الأخر بخمول أطفأ حماس طاهر :
-أيوة ياطاهر، لا انا مش موجود في الحلقة، وعشان كدا كلمتك، كنت عايز أقولك بخصوص السمك....

رفع طاهر حاجبه ليقول:
-خير ياريس فضل؟

-بص ياطاهر أنا لقيت صياد بيبيع السمك أرخص ما أنت بتدهولي وبصراحه كدا عجبني سعره ، ياجدع دا بيديني البلطي بخمستاشر جني، ده غير أن باقي السمك مش غالي برضو، فا أظن مصلحتي متزعلكش وما بين البايع والشاري يفتح الله ولا أيه؟!

أحتدت ملامح طاهر بغضب مكتوم ليجيب:
-وطالما هو يفتح الله، مقولتليش الكلام ده ليه أمبارح ياريس فضل عشان أعمل حسابي زي ما أنت عملت حسابك!
متجيش بعد ما صيدت وخلصت، تلبسني تلات تربع السمك الي كنت هتاخده مني!

اخشن صوت الرجل على الطرف الأخر ليقول باستنكار:
-وأقولك ليه ؟ وبعدين تاعبك السمك ياتنزل سعره ياترجعه البحر، أنا لقيت مصلحتي مع غيرك ورزقك على الله ياجدع.

كتم طاهر اللفظ البذيء الذي كاد يخرج من بين شفتيه القاسية ليقول:
-أنزل سعر السمك؟!
جري ايه يا فضل ده انا اكتر واحد في المينا بيبيع بضميره ومبنهبش ولو في حد أرخص مني فا دول صحاب السمك بتاع يومين يعني البايت مش الصابح !
وعمتا أنتا معاك حق رزقي على الله.
أغلق طاهر الهاتف وهو يستغفر بغضب وحيره وعيناه تتعلق بجعبة السمك متسائلًا أين سيبيع كل هذه الأسماك!
فكل حلقه في الميناء إما تتفق مع صياد تتعامل معه مسبقًا أو تأخذ من مزاد السمك.
حمل جعبته من جديد هامسًا بقلب ضائق يرفض الاستسلام :
-توكلت علي الله.

حلقة سمك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن