الفصل الثاني :
توالت الأيام وظل طاهر يذهب بصيده يومياً الي "ست صباح" التي أوفت وعدها بإرضائه في تجارتهم سويًا وصارت تأخذ أكثر من الكميه التي كان يأخذها "فضل" سابقا ..فكر في عقله بتقدير لشخصيه صباح..
امرأه مكافحه، بشوشه، طيبة القلب، ولكن حين يفكر أحدهم بالتطاول عليها تتحول الي ألف رجل في امرأه، فهي ليست ضعيفة على الإطلاق بل امرأه قويه وشجاعة.
فمن تقف في حلقات السمك وسط جموع الرجال والذبائن ولا يمسسها أحدهم بشوكه واحده، تكون امرأه قويه .. قويه رغم انكسار عمق عيناها.. ورغم انكسار ملامحها المتعبة وقت الشرود.
أستفاق من تفكيره ليتنهد بثُقل قائلا بخفوت:
-محدش مرتاح.
فتحدث الرجُل الواقف أمامه وقد انتهي من أخذ حصته من الأسماك أخيرا:
-تمام كدا ياطاهر، متنساش عايز بوري زياده بكره،
أنتا عارف الطلب عليه كتر.
تمتم طاهر وهو يرفع حاوية السمك علي كتفه الصلب:
-سيب رزق بكره على ربنا..سلامو عليكو.
أتجه طاهر الي حلقة السمك الخاصة بالسيدة صباح وهو يستعد لابتسامتها السعيدة بالأسماك..ودعواتها الصادقه.. ولكن عوضًا عن ذلك وقعت عيناه علي غزال بري!
نفي سريعا وهو يقف أمام الفتاة .. لا بل إنها أوزه تربت وترعرعت علي كل ما هو لذيذ لتصبح مثل "أوزه بلدي" كما يقال في اللغه الدارجه بالسوق.
أنزل حاوية السمك ارضًا وهو يتابعها تتأفاف من بعض الذباب الذي يلتم على الأسماك المثلجة ، فحمحم بصوت خشن لا يعلم من أين أتي:
-أنتي مين،وفين الست صباح!
رفعت عيناها له وليتها ما رفعت .. عينان بُنيه اللون كاكوبين قهوة بوجه سميك وسط صحن ابيض مُطعم بسمره الشمس .. أفاق من شروده على صوتها المكتوم وهي تجز على أسنانها مزمجرة:
-أسمها أم وسيله..مش صباح.
رفع حاجبه تعجبًا من حدتها ليقول مشيرًا للأسماك:
-ام وسيله أم وجيده..اي حاجه،المهم هي فين!
فكرت وسيله لثوان،هل تخبره صراحة أن والدها الهمجي أستيقظ صباحًا وقرر أن يذيق والدتها المسكينه أحد فنون التعذيب والصفع والضرب..لتفزع والدتها عليها قائله سريعا وهي تتفادي ضربات زوجها السكير:
-روحي أنتي ياوسيله..روحي حلقة السمك وأنا شويه وهكلمك ،يلا بسرعه.
أم تخبره بأختصار انها متعبه فقط!
حمحمت بعد صمت من كلاهما لتقول:
-ماما تعبانه شويه..أنت طاهر!
حرك رأسه بأيجاب ولم يتحدث وقد فهم أخيرًا أن تلك الأوزه هي أبنة "ست صباح" ثم أشار إلى حاوية السمك.
-خدي السمك اهو.
حركت رأسها بأيجاب هي الأخرى وانخفضت منحنيه الي حاوية الأسماك لتفرغها علي طاوله الأسماك ولكن هاله مشهد جسدها وعبائتها السوداء المزينة بورود وهي تضيق من الخلف أثر الإنحاء، فأبعد عيناه سريعًا عنها وأخبرها بنفي :
-أوعي انا هفضيها أوعي اوعي.
اعتدلت بحيره وهي تراه ينحني بدلاً عنها ويفرغ الأسماك بنفاذ صبر وضيق كبيرين حتى قطع صمتهم وقوف أحد الزبائن أمامها وهو يناظر الأسماك.
-لو سمحتي ياأختي عايز كيلو ونص سمك موسي.
حركت رأسها بإيجاب وهي ترصد عيناها صوب الاسماك لتحاول معرفة من نظراته أياً منهم سمكة موسي.
بينما أعتدل طاهر في وقفته وهو ينفض يده ولكن اوقفته نظراتها الحائرة بين الأسماك ويدها ممسكه "بالكيس البلاستيكي الأسود" بحيره!
ليشير الي سمك برتقالي صغير قائلا بتهكم:
-عايزه سمك موسي تاني بكره!
فهمت مساعدته الخفيه لها ..لتلتقط الأسماك سريعا قائله بأيجاب:
-اه هاتلي اتنين كيلو.
هُنا ابتسم طاهر بأدراك أن تلك الأوزه جاهله بأمور التجاره والسمك، عكس والدتها المتمكنه في ذلك تمامًا ليقول بعد أن دفع الرجل اموال السمك وسار بعيدا:
-انتي هتعرفي تقفي مكان الست صباح!
عبست ملامحها بضيق..ليعدل كلماته:
-هتعرفي تقفي مكان أم وسيله.
تحركت عيناها بحيره على الأسماك والتشتت يملئها لتقول بأيجاب واهِ:
-اه هعرف..مش هعرف ليه؟
هز كتفيه بإيجاب وامسك حاويته الفارغة وأستدار ليذهب ولكن وصل الي مسامعه صوت إمرأة تحادث تلك الاوزة .
-عايزه كيلو سمك باربوني لو سمحتي ياقمر.
صمت الأوزه جعله يلتفت اليها بأنتباه، منتظرا ردة فعلها ولكن حيرتها الواضحه جعلته يتنهد ويقترب منها ليحادث المرأه وكأنه مالك الحلقه.
أنت تقرأ
حلقة سمك
Romanceنوفيلا رومانسي خفيفة ..... مشتركة بين الكاتبة دينا إبراهيم روكا و الكاتبة وسام أسامة .....أتمني تعجبكم