صِفرْ|مسْحوق مشاعرٍ بلاستيكيّة.

11.2K 437 119
                                    

(٢٧ من كانُونْ الأول، شتاءْ عام ١٩٩٥ ميلاديّاً.)

'من وِجهِ نظر باركْ تشانيُول.'

الإنتظارُ يقَتِلُ متلكئًا. قضيّة أن يظلّ المرءُ في انتظار أمرٍ مَا احتماليّة حدوثة تعادل النِصفْ بالنِصفِ هي الأسوأ على الإطْلاق. ذلكّ ما جاب تلابيبُ عقلي بينما أقفُ منتظرًا نزول مقصورة المِصعَد التي بدت عالقة في طابق علويّ مَا.

عندمَا تمعّنت فيمَا أنظر إليه، كانتْ صورتي المُنعكسة على بابِ المصعد المصقول، ملامحي الذّابلة وعيوني المُحمّرة من أرقِ اللّيلة الفائتة. رُبّما يتساءَل الناسُ في الغالب مَا الأمر الذي يذبذبُ سعادة شابٍ عشرينيّ في ربيع عمره؟ كمَا أن ثمّة فتاة حسناء تعقدُ ذراعها بذراعي اليُسرى، لا تتحدث مديدًا أو حتى تبذل محاولات سخيفة في الانخراطِ في حديث إزاء عمّا أفكّر. تبدو صبورة للغايّة بينما تنتظر مَعي مقصورة المصعد بهدوء و صمتْ.

كلمَة انتظار تُثير لديّ ذكريات تُقطّر غبار الأيامِ الخوالي. اتذكّر بأن أول حديثٍ جِديّ خُضته مع شخصٍ من المَاضي كان عن الإنتظارْ. حسنٌ ، أكاد أتشدّق من الضحك عندمَا أتذكر مدىٰ ولعي بتلك المحادثة حينذاك، لقد شعرت أنّنا نكتب سيناريوهًا سنيمائياً عندما تبادلنا مثل ذلك الحديث العميق.

لقدْ مرّت تلك الأيام في غمضةٍ عينٍ. أحيانًا أشعرُ بأن مَا خُضّته كان واقعًا افتراضيّاً داخل عقلي، وأن هؤلاء الأشخاص من الماضي لمْ يكونوا حولي يومًا. كانت فجوَة حياتي التي أوّد أن أعود وأسير بجوار الحوائط بدلًا من حفرها لتتبّدل إلى ندبةٍ فيمَا بعدْ.

"لقد نزل المصعد أخيرًا، لمَ يقومون بتعليقِه دائماً ؟ عليّ أن أشتكي لأبي عن ذلك الأمر." قالت إيميليَا بينما تجرّنِي إلى داخل المقصورة.

فضغطّتُ زرًّا للطابق رقم عَشرةٍ وردّدتُ: "ليس أمرًا جليلًا."

لقدّ تعرّفت على إميليا من جامعتي في ولايّة أريزُونَا ، حيث كانت تدرس الاقتصاد والعلوم السياسيّة بينَما أنا كنت طالبٌ للفنون المسرحية في قسم الدراما والنقدْ السينمائي.

تقابلنَا عدّة مرات في الاحتفالات التي يعقدها اتحادّ الجامعة للمناسبات الخاصّة وفي بضعة أنديّة طلابية ، مرة بعد مرّة أصبحنا مُقرّبين ثمّ انتهى بي الحَال أزور والدها في شركته الخاصّة بالمقاولاتْ.

لم أرد أن آتي أبدًا حتىٰ لا تصبح الأمور رسميّة بيننا فجأة، لكنْ إيميليا ترجمت عدم رفضي بالموافقة على ما تنحدر إليه علاقتنا. لقد قالت لي "ستكون زيارة عاديّة ، ليس كإعتباريّة أننا مرتبطان رومانسيّاً." لذا وافقتْ فقط.

وقف المصعد عندما بلغْنَا الطابق العاشر أردّت أن نخرج منفرديّن لكن إيميليا عادت لتعقد ذراعينا معاً فلمْ أعترض من باب التأدّب ، الأمر ليس مريحًا لكنه لا يشكّل ذلك النوع من الأعباء.

تحدثت معي في بضعةِ أمور عن والدها وأسقّطت بعض المعلومات التي تستعرضْهَا. في منتصف الرّواق ، شعرت أن الجدران فجأة راحْت تضيّق عليَّ، وأن ثمّة ما تكتّلَ فوق صدري عندما رأيت هيئةً مألوفة للغاية. لقد ارتعش قلبي وكأن جسدي قد مُسّ بكهرباءٍ.

ذات الهيئة الصَغيرة التي تذوب في كَومةٍ من المعاطف الثقيلة، العيون المُتهاديّة لأسفل تتغطّى تحتَ غُرّة شَعره البُنيّة. كانَ ينظر نحوي بعيون مستديرة مُشتّتة ثم أسقط ما كان يحمله من ملفات كثيرة .

كانْ ذلك فُجائيّاً لإيميليا التي لم تلاحظ سوى توقفه بدون علّه ثم اسقاطِه للملفات الورقيّة التي تبعثرت في كامل الرواق كما تبعثرت أنفاسي برؤيته. لمَ ما زلت تحت وطأة مشاعر قديمة لأشخاص قد دُثروا تحت التراب؟

لقد مرّرت بالكثير من بعد معرفتي لبيونْ بيكهيون. لقد بقيت أبحث عن شئ مُعيّنٍ لا أعرفه ، ظلّلت تائهاً لكنني استبعدت أن يكُون ذلك الفتى منبعاً لأي أحاسيس من تلك. تعاليت بزيفٍ على المشاعر المُراهقة التي كننّتُها يومًا له.

سمعت صوت وقعِ حذاء إيميليا بينما تتحرّك ناحيته لتساعده بودٍّ في لملمةِ ما بعثر من أوراقٍ لكنه نظر نحوها بعيون مُتذبذبةٍ وقال: "شكرًا ، سأتولىٰ أمرها بنفسي." كان يدفع الكلمات دفعاً من لسانه ، تردّد صدى صوته عبر الرّواق الفارغ إلا مِنّا . لمْ اسمع صوته منذ مدّة طويلة للغاية، ظننت أنني لن أسمعه مجددًا أبدًا.

لكنْ إيميليا أصرّت على مُساعدتِه. أردت أن أهربْ من أمامه بسرعة. حسنٌ ، أنا تخطّيت أيامُه بدفع نفسي بنفسي ولا أريد أن أتبعثر بعد كل ذلكّ الثبات مجددًا. قلت بصوتٍ جَهور: "أخبركِ أنه لا يريد مساعدةً."

نَظر إليّ وهو لا يعرف كمْ كنت ضعيفًا في وقتٍ ما من حياتي أمامْ تلك النظرات. طالما كنت ضعيفًا أمامَ بيون بيكهيُون، اتساءل إنْ كان لا يزال محتفظًا بأوه سيهون في حياتِه؟ يالها من ذكرياتٍ.

ألباسْترُو | حُبّ عامْ 1990 (متوقفَة. )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن