وَاحِدْ| لا شئ يُعْجِبه.

4.9K 272 122
                                    

البَارتْ الأوّل؛ "لا شئ يُعجِبُه."

(السّادِس عشر من كانون الأوّل، شِتاء عامْ ١٩٩٠ ميلاديّاً.)

قَعقَعتْ السّماء برعْدِها وتناثرت زخّات المطر بضخامةِ قُطرها ووقْعَها الشديد على طول الطريق المَهيع بين العاصمة سيؤول وحتىٰ ضاحيّة ألْسَان الساحليّة. كان ثمّة سيارة من طراز شيفرولية كروفَر بلونٍ أحمَرْ باهت ولهَا مصدّاتٌ كبيرة ومقصورة مُحدّبة. كانت من تلك السيارات الحديديّة الصُلبَة التي لا يلحق بها الأذى بسهولةٍ. لكنْها كانت شديدة الصخب بسبب التوربينات ورُبّما تضطرب بشكل عشوائيّ في بعض المناطق حتىٰ لو أن المُحرّك يعطيها دفعًا جيّدًا.

كانَ السّائق رجُلًا في عقده الأربعين وقد غزا الشيّبُ شعره. ذو جبهة عريضة وخدّين غائريّن مع عيون حادّة. وظلّ يسترق النظر عبر المرآة المُثبّتة في زجاجْ العرض الأماميّ على الشّخصُ القابِع في زاويّة الأريكة المخمليّة في الخَلفْ. كان شابّاً من المُمكن أنه لم يبلغ سِنّ العشرين بعد، يبدو طُوله في المستوى الذي يِقلّ عن المتريّن بقليل لكنْ ملامح وجهه لمْ تكن بتلك الحِدّة التي تتوائَمُ مع ضخامةِ جسده، يمتلك عينيّن مُلوّزتيّن صغيرتيّن ينسدل عليهُمَا شعره الكستنائيّ الأشعث، وكذلك فمّ وأنَفٌ بنفس الحجم تقريبًا وقد كانت ميزته الخاصّة في بروز أذنيّه الكبيرة نسبيّاً. يرتدي بنطالٌ من الجينز الأزرَق الفاتحْ وقميص باللّون السُكّريّ يعلوه معطفيّن سوداوييّنِ. كانَ أحدُ جانبيّ وجهه مُلتصق بزجاج النافذة البارِد وانفتح فَمُه قليلًا. فَتألّق الأثر الضبابيّ المغبّش الذي تركه تنفّسه على زجاج النافذة عندما انعكست عليه الأضواء البُرتقاليّة من مصابيح الشارع.

نظر الرّجُل الأربعينيّ عبر المرآة مُجددًا وقال: "تشانيول؟ هل أنتَ نائم؟" كان يحاوّل أن يوائم بين إبقاءْ نظْره على الطرّيق و التحقّق من ابنه في الخلف. لكن لم يأتيه أي ردٍّ بالرغم من أنْ المُدعوّ تشانيول لم يكن بنائم. بل كان يستمع عبر جهاز الوُكّمْان إلى أغنيّة 'باراك رُومْ' الأمريكيّة مُغمضًا عينيه، باذِلًا أي محاولة رخيصة كيِلا يتحدث مع والدِه.

لم يكن بين تشانيول ووالدُه أيّ علاقة عميقة. فقدْ بدأت القِصّة عندما تطلّقا والديّه بعد خلافاتٍ مَديدة وكان تشانيول حينذاك في عمر الثانيّة عَشر. فرّت أمُه مَعه من ضاحيّة ألْسَان بكوريا إلىٰ ولايّة أريزونا في الولايات المُتحْدة ذات الأجواء الصحوّة طوال الوقت. لم تكّون المسألة أية مشاكل بنسبة لتشانيول فهو لم يمتلك الوقت الذي يتيح له تكوين معارف كُثر بل اكتفىٰ برفيق لعبٍ واحِد. أصبحت حياتُه كُلّها في أريزونا حيث ترعرع هناك وأحيانًا يأتي والدُه في الإجازات الصيفية لقضاء بعض الوقت برفقتِه.

لم تكُنْ أمّ تشانيول كبيرة في السِنْ البتّة، فعندما أنجبَت تشانيول كانت لا تزال يافعةٌ للغايّة. لذا راودتها فكرة الزواج مُجددًا في أحيانٍ كُثر، وعندما أصبَحْ تشانيول في ذلك العُمر الذي من المُمكن أن يتفهّم حالة أُمّه، أخبرته عمّا تبتغيِه وبالرّغْم من أنه لم يوافق كُليّاً على قضيّة أن ترتبط أمه برجل آخر خلاف والدِه لم يرد أن يُشكّل هذا النوع من العوائق في حياتها لذا قرّر من نفسِه أن ينتقل مؤقتًا للعيش مع والده في أنْسَان.

ألباسْترُو | حُبّ عامْ 1990 (متوقفَة. )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن