يسبقك بخطوات

16 2 0
                                    

     اقترب موعد وصول الضيوف من اصدقاء و زملاء و اقارب رندة،كانت العائلة تتبادل اطراف الحديث خلال التحضير لاستقبالهم، اما من كانوا يساعدونهم فقد  استأذنوا بالمغادرة ، فهناك من  لم تحضر وجبة الغداء لزوجها ، واخرى تريد تفقد اطفالها و قد غادروا جميعا واعدين بالعودة. بينما ليلى تساعد رندة في اختيار الثوب و وضع مساحيق التجميل. طرق احد ما باب الغرفة، فتحت ليلى الباب فاذا بها العجوز جورية تحدق فيها بعينين حادتين.
_ماذا تفعلان؟ قالت بفضول.
_اساعد رندة على التجهز، تفضلي بالدخول.
جلست العجوز على السرير و حدقت بنظرة مستكشفة في رندة التي كانت نصف جاهزة.
_يبدو ان صديقتك خبيرة تجميل يا رندة.
_اجل هي دائما تسبقني يخطوة في هذا.
ابتسمت العجوز ثم قالت و هي تحدق في عيني ليلى
_هناك دوما من يسبقنا بخطوات.
ثم قامت لتغادر الغرفة متكئة على عصاها، و عندما بلغت الباب فتحته ثم عاودت النظر الى ليلى نظرة ملؤها التحدي.
حان وقت وصول الضيوف، توجه الجميع الى غرفة خارجية كبيرة مخصصة لاقامة الحفلات، محاطة بأشجار فارهة من صنوبر و اصناف اخرى.
   عندما دخلت الفتاتان الغرفة، كانت والدة رندة تذرع المكان ذهابا و ايابا مقلبة يديها في قلق، معرقلة من طرف الطاولات و الزينة الموضوعة في القاعة.
_ما بك يا امي؟ سألتها رندة في حيرة.
_لم يصل احد من الضيوف بعد، هذا غريب، اتصلت باخي  و قال انه سيصل بعد خمس دقائق، و الآن مرت ساعة و لم يأت، و كذلك زملاؤك لم يحضروا ابدا.
_ربما عطلهم شيء ما في الطريق، دعيني اتصل بهم.
   فتحت رندة هاتفها و اتصلت باحدى زميلاتها من المدعوين، و بعد ثوان رد احدهم على الهاتف، فعلت وجهها نظرة حيرة تكاد تكون صدمة.
_ماذا، لماذا؟
ثم انغلق الخط.
_ما الامر يا رندة؟ سالت والدتها.
_اتصلت بسميحة، قالت بدون ترحيب، قولي لامك ان تأتي للطابق العلوي للمنزل ، و ان تفتح ابواب الطابق العلوي، و عندما سألتها لماذا ، انغلق الخط.
_اها، لا بد من انها اخطأت الغرفة فهي لا تعرف منزلنا جيدا، سأذهب و احضرها.
خرجت والدة رندة و اتجهت نحو المنزل، بينما حاولت رندة الاتصال بأصدقائها الآخرين.
_هذا غريب. قالت رندة محدقة في هاتفها.
_ما الامر؟
_لا احد منهم يرد.
_هذا غريب فعلا.
عندها اطلقت الام صرخة مدوية من المنزل، فهرعت الفتاتان الى الطابق العلوي، حيث وجدتا الام ملقاة على الارض متسمرة من الفزع مشيرة بيدها الى احدى الغرف التي فتحت لتوها، اتجهت الفتاتان لتريا ما الامر، وهناك كانت صدمتهما عارمة، صدمة جعلتهما يهويان على الارض مثل الام تماما.
  لقد كانت الغرفة مضاءة بيراقانات مشعة باللون الاحمر ، و في زاوية من زواياها كانت الجدة صباح مقيدة الى الجدار من خلال سلاسل كانت تستخدم لربط المعدات الثقيلة الى رف من رفوف العرفة، و الذي كان قد اقتلع من مكانه، بينما بقيت السلسلة في مكانها محتضنة جسد المرأة المسكينة التي كانت قد فارقت الحياة، كانت عيناها مفتوحتان و فمها داميا.
        اجتمع الجيران على اصوات النساء المرتعبات الحزينات ، و قرروا الاتصال بالشرطة. هذه الاخيرة التي اخذت من الادلة ما وجدته امامها و سجلت كل ما يجب تسجيله من ساعة و سبب و ظروف الوفاة، و لكنهم اجلوا الاستجواب الى ان ينتهي الحداد على العجوز و تخرج الفتيات من حالة الصدمة المخرسة.
    من بين الحشود، عينان غائرتان، لمحتهما ليلى تنظران نظرة معروفة و تذكرت، بان هناك من يسبقها بخطوات.

   مرت ثلاثة ايام الحداد المعهودة دون ان يحضر احد المنزل، و لا حتى اولاد العجوز، و كل المحاولات للتواصل مع اي احد فشلت تماما. فخط الهاتف لم يعمل مع اصرار المصلح على عدم وجود عطل. و في اليوم الرابع من وفاة الجدة صباح، حضرت الشرطة من اجل الاستجواب.
   بعد التعزية، طلب المحقق من النساء الثلاثة سرد الاحداث بالتفصيل. فأطلعته رندة على كل ما تعلمه.
_اذا تقولين انكم كنتم تقيمون حفلا، اذا لا بد من ان يكون هناك شهود آخرون.
_لا ليس هناك غيرنا. كانت بعض الفتيات و العمات تساعدنني لكنهن غادرن المنزل لشؤونهن و اقسمن على الرجوع لحضور الحفل، و لكن لم يرجع احد الى ان سمع الناس صراخنا، اما المدعوون فلم يحضر منهم احد، حتى سميحة التي قد يظن اي شخص من الاتصال بانها القاتلة فقد ارسلت رسالة بالبريد من باريس، لقد سافرت و ارسلت الرسالة قبل الحادثة باسبوع، لكنني وجدت الرسالة بالامس فقط، مع ذلك من تحدثت الي كانت هي.
_يا لها من قصة غريبة، ربما كان التاريخ على الرسالة مزور، ربما سميحة هذه قتلت الجدة و غادرت المنزل تاركة رسالة بتاريخ مزور.
_لا يا حضرة المحقق. قالت الام. ان سميحة ارسلت الرسالة قبل اسبوع، و لكن رندة كانت آنذاك في قرية مجاورة في احد بيوت اقاربها، و نسيت اخبارها بأن سميحة لن تأتي.
_حسنا، سنعمل على حل لغز هذه القضية المعقدة.
_انتظر هناك شاهد، صرخت ليلى، الجارة العجوز، جورية .
_هل كانت معكم عندما اكتشفتم الجثة؟
_كانت معنا في الغرفة الخارجية ، و عندما لحقنا بالعمة الى المنزل، أتت على اثر صرخاتنا و لكنها تأخرت كثيرا، ربما لانها ثقيلة الخطوات و تتكئ على عصا بسبب صعوبة المشي.
_حسنا ساذهب لاستجوابها الآن، اه تذكرت.
اخرج من جيبه ورقة و قدمها للام.
_هذه وجدت في يد الجدة .
   فتحت الام الورقة و قرأت بتعجب:"انا الشخص الذي يسبق بخطوة، بخطوات".
   عندئذ تذكرت ليلى العجوز التي ابدت نظرة تحدي  بينما الجميع يبدي نظرات الصدمة، لا بد من انها القاتلة، هذا ما حدثت ليلى به نفسها.

مهارة الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن